يجد النواب المستقلون في البرلمان العراقي أنفسهم أمام لحظة فارقة، في ظل تنافس شديد بين تحالف إنقاذ وطن الذي يقوده التيار الصدري والإطار التنسيقي الذي يضم قوى موالية لإيران على ضمهم إلى صفوفه عبر إغرائهم بتولي مهمة تشكيل الحكومة المقبلة.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن تحالف إنقاذ وطن والإطار التنسيقي يحاولان مجددا استغلال ورقة المستقلين في لعبة كسر إرادات متواصلة بينهما منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية قبل نحو سبعة أشهر.
وتوضح الأوساط أن المستقلين أمام فرصة ثمينة ونادرة لقلب المعادلة القائمة باستغلال الطرفين المتحكمين في العملية السياسية لفرض أنفسهم رقما صعبا في المشهد العراقي، لكن الأمر لا يخلو من تحديات وتعقيدات لعل أهمها الانقسامات التي تعصف بجبهة المستقلين، وغياب النضج السياسي لدى الكثيرين منهم، إلى جانب أن جزءا منهم منقسم الولاءات بين الإطار والتيار.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا الأربعاء النواب المستقلين إلى تكوين تحالف من أربعين عضوا على الأقل يتولى تشكيل الحكومة الجديدة خلال خمسة عشر يوما، في خطوة بدا الهدف منها قطع الطريق على مبادرة الإطار التنسيقي.
وقال الصدر في تغريدة له “بعد التشاور مع الحلفاء في التحالف الأكبر (إنقاذ وطن) أقول: للعملية السياسية الحالية ثلاثة أطراف، الطرف الأول التحالف الوطني الأكبر (تحالف إنقاذ وطن) وهو راعي الأغلبية الوطنية.. لكنه وبسبب قرار القضاء العراقي بتفعيل الثلث المعطل تأخر بتشكيل حكومة الأغلبية”. وأوضح أن “الطرف الثاني هو الإطار التنسيقي الداعي لحكومة التوافق.. وقد أعطيناه مهلة الأربعين يوما، وفشل بتشكيل الحكومة التوافقية”.
ولفت الصدر الى أن “الطرف الثالث هو الأفراد المستقلون في البرلمان.. ندعوهم لتشكيل مستقل لا يقل عن الأربعين فردا منهم بعيدا عن الإطار التنسيقي مجموعاً الذي أخذ فرصته.. وعلى المستقلين الالتحاق بالتحالف الأكبر ليشكلوا حكومة مستقلة سنبلغهم ببعض تفاصيلها لاحقا، وسيصوت التحالف الأكبر على حكومتهم، بما فيهم الكتلة الصدرية وبالتوافق مع سنة وأكراد التحالف.. ولن يكون للتيار مشاركة في وزرائها… على أن يكون ذلك في مدة أقصاها خمسة عشر يوما.. وذلك للإسراع في إنهاء معاناة الشعب”.
وأطلق الإطار التنسيقي في وقت سابق مبادرة سياسية تكونت من تسع نقاط، وتضمنت تسعة التزامات. وأبرز ما تضمنته المبادرة هو منح المستقلين إدارة البلاد وتشكيل الحكومة، على أن تحظى بموافقة المكون الاجتماعي الأكبر في البرلمان.
ولم تمر ساعات قليلة على إعلان التيار الصدري والإطار التنسيقي عن مبادرتيهما حتى تسربت أنباء عن انقسامات بين النواب المستقلين، بين مؤيد للإطار وداعم للتيار، وآخرين فضلوا الركون إلى منطق الحياد وعدم الانجرار خلف لعبة الطرفين، خشية فقدان مصداقيتهم أمام الشارع العراقي.
غازي كاكائي: نحذر من استغلال البعض للمستقلين للوصول إلى غاياتهم
وأعلنت كتلة نيابية مستقلة يرأسها النائب عبدالهادي الحسناوي قبولها مبادرة الصدر، داعية إلى توحيد الجهود للخروج بتشكيل سياسي مستقل.
وقالت كتلة “العراق المستقل” النيابية في بيان إنها “تعلن قبول مبادرة السيد مقتدى الصدر بدعوة النواب المستقلين لتشكيل حكومة وطنية مستقلة تعبر عن تطلعات المواطن وتسعى للارتقاء بالخدمات وإعمار البلد”، موضحة أن قبولها مبادرة الصدر يأتي “إيماناً بالمسؤولية الوطنية وتغليباً للمصلحة العامة وللخروج من أزمة الانسداد السياسي واحترام المدد الدستورية”.
ودعت الكتلة “النواب المستقلين سواء من تحالف العراق المستقل أو المستقلين الأفراد إلى توحيد الجهود والكلمة للخروج بتشكيل سياسي مستقل هادف وقادر على وضع حل للأزمة الحالية التي يمر بها البلد”.
في المقابل وضعت حركة “امتداد” المنبثقة عن الحراك الشعبي الذي تفجر في أكتوبر 2019 والمتحالف مع حركة “الجيل الجديد” شروطا للموافقة على مبادرة الصدر وأبرزها “رفع يد الأحزاب والميليشيات”.
وقال رئيس المكتب السياسي لحركة امتداد رائد الصالحي إنهم في طور مناقشة مبادرة زعيم التيار الصدري، وسيعلنون قريبا موقفهم النهائي بشأنها.
ونفى الصالحي حصول اتصالات بين حركة امتداد والجيل الجديد والتيار الصدري خلال الفترة السابقة، مستدركا “نحن نتفهم أن مسألة حل الانسداد السياسي مع إصرار الصدر على حكومة أغلبية وطنية والإطار التنسيقي على مسألة التوافق والاشتراك بالحكومة لن تفضي إلى نتيجة”.
وأشار إلى أن حركة امتداد كانت تتوقع أن توضع الكرة في ملعب المستقلين حول تشكيل الحكومة المقبلة، “على الرغم من قناعتنا بأن المهمة ليست باليسيرة، لكن إذا كانت هنالك توضيحات بشأنها يمكن التعامل مع مبادرة الصدر، وسنخرج برأي نهائي بعد المداولات التي سنجريها مع المكتب السياسي والجيل الجديد”.
وأكد الصالحي على قدرتهم على تشكيل الحكومة “في حالة رفع اليد عنها من سيطرة الأحزاب والميليشيات، وهذا كلام قد يكون بعيد الواقعية، لكنه ممكن لمعالجة الانسداد السياسي”.
رائد الصالحي: نحن في طور مناقشة مبادرة الصدر وسنعلن قريبا موقفنا بشأنها
ويرى مراقبون أن العرض الذي قدمه الصدر يبدو الأكثر إغراءً بالنسبة إلى المستقلين، لكن ذلك لا يعني أن الأمور تتجه إلى حدوث إجماع حوله، خصوصا وأن الصدر لم يكشف عن باقي تفاصيل مبادرته التي جاءت كرد فعل سريع على طرح الإطار التنسيقي.
ويشير المراقبون إلى أن المواقف المتباينة للمستقلين تعكس صعوبة نجاح هؤلاء في بناء تحالف مكون من أربعين عضوا وفي فترة وجيزة لا تتعدى الأسبوعين، وفق ما يطالب به الصدر، محذرين من أن الخطوة قد تقود إلى خلق المزيد من الانقسامات في صفوفهم، لاسيما وأن جزءا منهم لا يتمتع بالنضج السياسي الكافي.
ويرى المراقبون أن الصدر اعتمد الأسلوب ذاته مع الإطار التنسيقي حينما ألقى الكرة إليه ممهلا إياه أربعين يوما لتشكيل الحكومة، وهو يعي جيدا عدم إمكانية تحقق ذلك، ويراهن على عودة الكرة إلى ملعبه.
ووجه الاتحاد الوطني الكردستاني الخميس تحذيرا للمستقلين من مغبة الوقوع في فخ الاستغلال من بعض القوى السياسية. وقال القيادي في الاتحاد غازي كاكائي في تصريحات صحافية “يجب احترام النواب المستقلين، والأحزاب الناشئة وأن لا يتم استغلالهم من قبل أطراف سياسية للوصول إلى غاياتها”.
وشدد كاكائي على أن “الحل الوحيد للأزمة السياسية هو استخدام لغة الحوار ولا شيء غير ذلك لأنه لا يستطيع أي طرف تحقيق النصاب وتشكيل الحكومة دون الطرف الآخر”.
وأوضح أنه “يتوجب على جميع القوى السياسية المشاركة في الحوار وإعطاء الحرية الكاملة لمن يرغب في المشاركة في الحكومة، أو الذهاب إلى المعارضة بهدف تلبية وتحقيق طموحات الشعب العراقي”.
ويشهد العراق، منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر الماضي، أزمة سياسية خانقة في ظل تمسك التيار الصدري المتصدر لنتائج الاستحقاق بتولي تشكيل حكومة، مع حليفيه تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني. في المقابل يصر الإطار التنسيقي على وجوب تشكيل حكومة توافقية يصادق عليها المكون الاجتماعي الأكبر في البرلمان، في إشارة إليه والتحالف الصدري.
صحيفة العرب