أقرت اللجنة القضائية التابعة للكونغرس الأميركي أمس الخميس مشروع قانون نوبك (NOPEC) الذي يسمح لوزارة العدل الأميركية وحدها برفع دعوى ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” (OPEC) وحلفائها بزعم التآمر لرفع أسعار النفط، ومكافحة الاحتكار، والحد من تخفيضات الإمدادات التي ترفع أسعار الخام العالمية.
وحظي مشروع قانون “لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط” المعروف اختصارا باسم “نوبك” -الذي يرعاه النائب الجمهوري تشاك غراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما- بتأييد 17 عضوا في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ مقابل رفض 4 أعضاء.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن لدى الإدارة الأميركية مخاوف من “التداعيات المحتملة والعواقب غير المقصودة” للتشريع، ولا سيما في ظل أزمة أوكرانيا.
وأضافت أن البيت الأبيض يدرس مشروع القانون، وقد فشلت نسخ من التشريع في الكونغرس على مدار أكثر من عقدين.
لكن قلق المشرعين يتزايد من ارتفاع التضخم المدفوع بعض الشيء بأسعار البنزين في الولايات المتحدة، والذي سجل لفترة وجيزة مستوى قياسيا فوق 4.30 دولارات للغالون هذا الربيع.
وقالت كلوبوشار “أعتقد أن الأسواق الحرة والتنافسية أفضل للمستهلكين من الأسواق التي يسيطر عليها تكتل من شركات النفط المملوكة لدول.. المنافسة من أهم أسس نظامنا الاقتصادي”.
ومن شأن “نوبك” تغيير قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أوبك وشركات النفط الحكومية في دولها منذ فترة طويلة من الدعاوى القضائية.
ويحتاج مشروع القانون لأن يقره مجلسا الشيوخ والنواب، ثم يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونا.
وإذا أصبح نوبك قانونا ساريا فسيكون بمقدور وزير العدل الأميركي مقاضاة أوبك أو أعضائها -مثل السعودية- أمام محكمة اتحادية، كما سيمكنه أيضا مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع أوبك -مثل روسيا- يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات في إطار ما تعرف باسم مجموعة “أوبك بلس” (+OPEC).
ألم مضخات الوقود
وقالت اللجنة في بيان إن القانون الجديد سيسمح لوزارة العدل الأميركية بمحاسبة أوبك وشركائها على “أنشطتهم التي تمنع المنافسة”.
وأضافت أن القانون “يمنح المدعي العام أداة أخرى إضافية لملاحقة منتهكي قواعد مكافحة الاحتكار، فيما لا يزال يسمح للإدارة (الأميركية) بحساب تداعيات السياسة الخارجية”.
وقالت “يشعر الأميركيون بالألم عند مضخات الوقود مع الارتفاع القياسي للأسعار، فيما تستفيد روسيا وفنزويلا وإيران ودول معادية أخرى”.
وأضافت اللجنة أن “نوبك هو مشروع قانون سيساعد حكومتنا على تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار ضد هذه البلدان”، مشيرة إلى دعم الرئيس السابق دونالد ترامب مشروع القانون وكذلك الرئيس الحالي جو بايدن عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي.
واعتبرت أن أوبك تسيطر على 70% من جميع النفط المتداول دوليا و80% من جميع احتياطيات النفط”، مشددة على أن هذا السلوك “المناهض للمنافسة والمتلاعب بأسعار النفط يضر المستهلكين الأميركيين بشكل مباشر”، وفق تعبيرها.
أميركا ضد أوبك
وبإقرار القانون سيكتسب المدعي العام الأميركي القدرة على مقاضاة كارتل (تكتل) النفط أو أعضائه في محكمة فدرالية، ويمكن أيضا مقاضاة منتجين آخرين مثل روسيا التي تعمل مع أوبك في تحالف أوسع يعرف باسم “أوبك بلس” لضبط مستوى الإنتاج.
ولم يتضح بعد كيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكام قضائية لمكافحة الاحتكار على دولة أجنبية، لكن العديد من المحاولات غير الناجحة لسن القانون المثير للجدل على مدى أكثر من 20 عاما أثارت قلق السعودية التي تقود تحالف أوبك، مما دفعها لممارسة ضغوط على الإدارة الأميركية في كل مرة تُطرح فيها نسخة من هذا القانون.
وفشلت الإصدارات السابقة من مشروع قانون نوبك، وسط مقاومة من قبل مجموعات صناعة النفط مثل معهد البترول الأميركي.
لكن الغضب تصاعد مؤخرا في الكونغرس الأميركي بشأن ارتفاع أسعار البنزين الذي ساعد في دفع التضخم إلى أعلى مستوى منذ عقود وزاد فرص نجاح مشروع القانون هذه المرة.
ورفض منتجو أوبك طلبات من الولايات المتحدة وحلفائها بفتح صنابير النفط بأكثر من الكميات التدريجية المتفق عليها بينهم، حيث إن المستهلكين العالميين الخارجين من جائحة كوفيد-19 وحرب روسيا على أوكرانيا يبقون أسعار النفط في حالة غليان.
وقد تشهد روسيا -التي تنتج عادة حوالي 10% من نفط العالم- انخفاضا في إنتاج الخام بما يصل إلى 17% هذا العام، في الوقت الذي تكافح فيه موسكو العقوبات الغربية.وقال بعض المحللين إن التسرع في مشروع القانون قد يؤدي إلى رد فعل غير مقصود، بما في ذلك احتمال أن تتخذ دول أخرى إجراءات مماثلة ضد الولايات المتحدة لحجب الإنتاج الزراعي لدعم الزراعة المحلية، على سبيل المثال.
انتقادات
من جهته، قال مارك فينلي الزميل في الطاقة والنفط العالمي بمعهد بيكر في جامعة رايس والمحلل والمدير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية “إنها فكرة سيئة دائما أن تضع السياسة جانبا عندما تكون غاضبا”.
ويمكن لدول أوبك أيضا الرد بطرق أخرى، بحسب تقرير رويترز.
في عام 2019 على سبيل المثال هددت المملكة العربية السعودية ببيع نفطها بعملات غير الدولار إذا أقرت واشنطن نسخة من مشروع قانون نوبك.
سيؤدي القيام بذلك إلى تقويض مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم، ويقلل نفوذ واشنطن في التجارة العالمية، ويضعف قدرتها على فرض عقوبات على الدول.
يمكن للسعودية أيضا أن تقرر شراء بعض الأسلحة على الأقل من دول أخرى غير الولايات المتحدة، مما يضر بتجارة مربحة لمتعاقدي الدفاع الأميركيين.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للمملكة العربية السعودية ومنتجي النفط الآخرين تقييد الاستثمارات الأميركية في بلدانهم أو ببساطة رفع أسعار النفط المبيع في الولايات المتحدة، مما يقوض الهدف الأساسي لمشروع القانون.
وقال بول سوليفان محلل الشرق الأوسط وزميل كبير غير مقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي إن الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون بالفعل تحديات كبيرة في تأمين إمدادات طاقة موثوقة “آخر شيء يتعين علينا القيام به هو إلقاء قنبلة”.
كما عارضت أكبر جماعة ضغط للنفط في الولايات المتحدة (معهد البترول الأميركي) مشروع قانون نوبك، قائلة إنه قد يضر بمنتجي النفط والغاز المحليين.
ويتمثل أحد مخاوف الصناعة في أن تشريعات نوبك قد تؤدي في النهاية إلى إفراط في الإنتاج من قبل أوبك، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار لدرجة أن شركات الطاقة الأميركية تواجه صعوبة في زيادة الإنتاج.
وتمتلك المملكة العربية السعودية ودول أخرى في أوبك بعضا من أرخص وأسهل الاحتياطيات في العالم من حيث الإنتاج.
وقالت “كليرفيو إنرجي بارتنرز” (ClearView Energy Partners) -وهي منظمة غير حزبية- إن الضخ الزائد للنفط من منتجي أوبك حتى في وقت المخاوف بشأن الإمدادات الروسية “يمكن أن يثبط نشاط الحفر في رقعة النفط الأميركية، مما قد يعرض أمن الطاقة المحلي وتعافي الاقتصاد المحلي للخطر”.
المصدر : الجزيرة + رويترز