انهالت المبادرات الشيعية على النواب المستقلين، بهدف ضمان تحقيق النصاب القانوني (أكثر من 220 نائباً) لتمرير رئيس الجمهورية وتسمية الكتلة البرلمانية الأكبر، لاختيار رئيس الوزراء وكابينته الحكومية، في خطوة تعدّ الأخيرة من نوعها لضمان فكّ «الانسداد السياسي» الذي يخيّم على العراق منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ويبدو إن التحالفات السياسية البارزة «الإطار التنسيقي» الشيعي و«انقاذ وطن» أيقنت بأنها لن تتمكن من المضي في إكمال استحقاقات الدستورية، من دون استقطاب المستقلين .
وقدّم «الإطار» عرضاً للنواب المستقلين، تضمن منحهم الفرصة في رقابة الحكومة الجديدة، من خلال البرلمان، غير إن سرعان ما قدّم الصدر عرضاً موازياً، يمنح المستقلين حرية تشكيل الحكومة، واختيار وزرائها، بعيداً عن «التيار الصدري».
وبين العرضين، يسود الانقسام على الأجواء بين النواب ممن لم يعلنوا «علناً» الاتفاق مع أيٍّ من التحالفين.
ففيما ينقسم النواب المستقلون إلى ثلاثة فرق- أحدهم مقرّب من تحالف الصدر وآخر قريب من الإطار؛ وفريق ثالث لم يحدّد موقفا بعد، يجري الحديث عن وصول الأزمة السياسية إلى مفترق طرق، قدّ يُنذر بإعادة الانتخابات.
وزير الداخلية الأسبق، ورئيس حركة انجاز، باقر الزبيدي، يقول في «تدوينة» له، «ها نحن نصل إلى نهاية الاستعصاء أمام مجموعة من العروض المفاجئة لتولي شخصية مستقلة رئاسة الوزراء ومبادرات لم ترق مستوى استشراف الحلول الحقيقية وبرلمان غير قادر على إنتاج التشريعات المفترضة وغياب دوره الرقابي المأمول».
وأضاف: «من الغريب انسحاب الكتلتين الكبيرتين الكرديتين والشيعيتين وانقسامهما في سياق تحمل المسؤولية الوطنية التاريخية في التصدي لاختيار رئيس للجمهورية ورئيس الحكومة المقبلة منذ نهاية انتخابات 2021 حتى هذه الساعة (وقت إعداد التقرير)».
ووفقاً للزبيدي فإنه «مع وصولنا هذه الدرجة المخيفة من الانسداد السياسي وغياب الموازنة وتصاعد حدة التحديات الخدمية والاقتصادية وسعر الصرف، وهو واقع بدأ يلقي بظلاله السوداء على المواطن الفقير وانعدام الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي، يبقى العراق في دائرة الاستهداف».
ووسط انهيال المبادرات على المستقلين، تعدّ مبادرة الصدر «أكثر إغراءً» بكونها منحت المستقلين الحرية في تشكيل الحكومة، لكن النائب المستقل، مصطفى سند، استبعد فرضية منّح القوى السياسية النافذة الفرصة للمستقلين في تسلّم دفّة الحكم في العراق، بهذه السهولة.
وأضاف في «تدوينة» له، «رسالة اطمئنان إلى المنزعجين بسبب مبادرة سيد مقتدى والإطار، بإعطاء فرصة للمستقلين لتشكيل الحكومة، سواء كان رئيس وزراء مستقل أو وزراء مستقلين، فهذا لا يعني أن يكون رئيس الوزراء أو الوزراء حكراً من النواب. البلد مملوء بالكفاءات والشخصيات المحترمة خارج مجلس النواب والتي لا تسبب تناول الليمون عند طرحها، نستمتع بدورنا الرقابي، وهو ضروري للمستقبل، ويعد بمثابة بكالوريوس للفترة المقبلة».
وأضاف: «أما موضوع هل فعلاً الأحزاب تحب المستقلين؟ الجواب: لو كان هذا فعلاً، لأعطونا عضوية اللجان النيابية، والتي هي من حقنا واستحقاقنا ومتطابقة مع تخصصاتنا وخطفوها علناً، رغم الاتفاق المسبق على الأسماء، كيف يعطونا حكم البلاد الذي يعتقدون أنه ليس من حقنا بل هو ورث ورثوه؟».
فيما قال النائب المستقل حسين عرب، «نثمن جميع الدعوات سواء من الإطار التنسيقي أو من التيار الصدري لثقتهما بالنواب المستقلين بشأن تشكيل الحكومة» مبينا أن «ذلك ما طرحناه سابقا». حسب وكالة الأنباء الرسمية.
وبين أن «المستقلين ستكون لديهم مبادرة تكتب» موضحا أن «النواب المستقلين لا يهمهم من يترأس الحكومة بقدر ما يكون، ما نوع الحكومة وشكلها ولونها؟ وهذا يجب أن يتمحور في أساسيات برنامجها الحكومي».
وأكد أنه «إذا كان هناك برنامج حكومي بنقاط بعيدا عن الانشاءات السياسية، فإن ذلك سيجعل الدولة قوية» مشددا على ضرورة «كتابة النواب المستقلين مبادرة وضوابط».
وكشف عن أن «النواب المستقلين سيجتمعون خلال يومين أو ثلاثة لبحث المبادرات التي أطلقت والتكليف الذي أطلق ونحن مستعدون لها شريطة أن يتعاون الجميع معنا».
أما الخبير القانوني، سالم حواس، فرأى إن دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقبله «الإطار التنسيقي» للمستقلين لتشكيل الحكومة، دليل على عدم القدرة على حل الأزمة الحالية.
وقال إن «المستقلين وغيرهم يشكلون بيضة القبان لتحقيق نصاب احكام المادة 70 أولاً من الدستور، التي تنص على (ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه)».
وأضاف ان «قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 24 / للعام 2022 المتضمن استمرار الرئيس لحين انتخاب رئيس جديد، يجعلنا أمام حالة مهمة وهي عدم قدرة الطرفين على الوصول لنقاط مشتركة تحل الأزمة الحالية» وفقاً لوسائل إعلام تابعة لنقابة الصحافيين العراقيين.
وأوضح انه «لا سلطان للمحكمة الاتحادية العليا لاجبار الأطراف كافة أو بعضها على ذلك، ولا سلطان لها أيضاً على حل البرلمان دستورياً أو قانونياً لان الخلل يكمن في الدستور».
وبين حواس انه «لا خيار سوى اللجوء إلى أحكام المادة 64 / أولاً: يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً على طلب من ثلث أعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية».
واستبعد سلوك النواب هذا الطريق، الذي عدّه «الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة المستفحلة» عازياً السبب في ذلك إلى إنهم «سوف يتضررون من هذه الحلول بل انهم المستفيدون الوحيدون من بقاء هذه الحال للانتفاع بالبقاء بالسلطة».
في السياق ذاته، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، إن القاسم المشترك بين مبادرة الإطار والتيار هم النواب المستقلون، والكرة رُميت بملعبهم بشرط أن يجتمع أربعون منهم ليلتحقوا بمبادرة التيار الصدري.
وقال شنكالي، في تصريحات لمواقع إخبارية محلّية، إن «الفرصة سانحة إلى مبادرة التيار الصدري أكثر من مبادرة الطرف الآخر باعتبار أن هناك جزءا من النواب المستقلين سبق وان اختاروا الذهاب والتحالف مع التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) ووضع 40 نائباً ضمن مبادرة التيار لم تأت اعتباطاً».
وأوضح أن «جمع 40 نائباً مستقلاً من شأنه حل الانسداد السياسي وتحقيق النصاب المطلوب، وفي حال اتفقوا سيتم التصويت على مرشح رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة» لافتاً في الوقت عيّنه إلى إن «هناك عدداً من البيانات الترحيبية بمبادرة التيار الصدري، وهناك اجتماع مرتقب للنواب المستقلين سيحددون خلاله موقفهم وبأي اتجاه سيذهبون».
في الطرف المقابل، كشف القيادي في «الإطار التنسيقي» عائد الهلالي، عن عدم ذهاب المستقلين لا مع مبادرة الإطار ولا مبادرة التيار، كاشفاً في الوقت عيّنه عن «مبادرة جديدة» ستطرح من مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ربما تؤدي إلى انفراجة حقيقية للوضع السياسي.
وقال الهلالي لموقع «المربد» البصري، إن «الطرفين لم يستقبلا مبادرات بعضهما سواء كان الإطار لم يستقبل مبادرة التيار والعكس، وذلك بسبب تمسك كل منهما بالحكومة التي يريدها، فالإطار يريد تشكيل حكومة توافقية والتيار يريد الأغلبية، والطرفان لم يتفقا على شكل الحكومة لذا لم يستقبلا مبادرات بعض».
وأضاف: «يوجد بالأفق مبادرة جديدة من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ولم يتم الإعلان عن أساسيتها بعد ستطرح بعد عطلة العيد».
ومضى يقول: «الإطار لم يستطع إقناع التيار ولا التيار استطاع إقناع الإطار أو الاتفاق معه، لذلك يبقى الطرفان يعولان على المستقلين لحسم هذا الانسداد السياسي».
ووسط شدّ وجذب التصريحات السياسية، دعا رئيس تحالف «قوى الدولة الوطنية» عمّار الحكيم، إلى احترام المدد الدستورية والنظر للمبادرات المطروحة لتجاوز الأزمة السياسية الحالية.
جاء ذلك خلال استقبال الحكيم لوفد «النهج الوطني» برئاسة الأمين العام عبد السادة الفريجي.
بيان لمكتب الحكيم نقل عن الأخير تشديده على ضرورة «استثمار أجواء العيد لحل إشكاليات الوضع السياسي الحالي والخروج من حالة الانسداد إلى الانفراج وتحقيق تطلعات الشعب العراقي».
كما أكد، أهمية «النظر بالمبادرات المطروحة لتجاوز الأزمة السياسية الحالية» داعياً إلى «أهمية احترام المدد الدستورية والإتفاق على الرؤى والبرامج القادرة على توفير فرص العمل وتقديم الخدمات».
وفي السياق ذاته، دعت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» نهاية الاسبوع الماضي، إلى إيجاد إرادة جماعية صادقة لإنهاء الجمود في البلاد، وتشكيل الحكومة على نحو سريع وحاسم لمعالجة قائمة البلاد الطويلة للأولويات المحلية العالقة.
وحثّت في بيان على «أهمية تجاوز الجمود السياسي لما فيه مصلحة كل العراقيين، وإذ تتفاقم أوجه ضعف كبيرة على الصعيد المحلي بسبب الآثار المستمرة لجائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية العالمية. ينبغي أن تسود الآن إرادة جماعية صادقة لحل الخلافات السياسية لكي تمضي البلاد قدما وتفي باحتياجات مواطنيها».
القدس العربي