تُعد قضايا الأمن المائي أهم القضايا المرتبطة ليس فقط بتغير المناخ وإنما السياسات المتبعة من قبل الدول للتكيف مع التغيرات المناخية، كما أن قضايا الأمن المائي تعكس تأثيرات الجغرافيا السياسية لتقاسم موارد المياه العابرة للحدود. إيران إحدى الدول التي تنعكس فيها العلاقة بين كل المتغيرات المؤثرة في الأمن المائي، الداخلية منها والخارجية. فعلى مدار السنوات الأخيرة شهدت إيران احتجاجات في مدن ومحافظات عدة عُرفت بـ”احتجاجات العطش”. عوامل عدة تفسر حالة الجفاف التي تعاني منها بعض المحافظات الإيرانية والتي انعكست على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. فمن جهة، تعاني إيران من تأثيرات التغيّر المناخي، ولكن من جهة أخرى هناك سوء إدارة للموارد المائية. بسبب هذا المزيج الكارثي من تأثيرات المناخ وإشكاليات إدارة الموارد المائية، فإن التحديات المتعلقة بالمياه لم تهدد الحياة فحسب، بل أدت إلى احتجاجات وعنف وزيادة عدم الاستقرار الداخلي. ويمكن اعتماد الاحتجاجات في محافظتَي خوزستان وأصفهان، كدليل على التحديات المتعلقة بالمياه التي تؤدي إلى مخاطر عدم الاستقرار وانعدام الأمن والصراع في إيران وخارجها.
فقد أدى الانخفاض المستمر في سقوط الأمطار، مع الجفاف الشديد، إلى انخفاض كبير في إمدادات المياه على مدى العقود الماضية. في ذات الوقت، تجاوز الطلب على المياه الحد الأقصى، في محاولة لري محاصيل كافية لجعل البلاد مكتفية ذاتياً من الغذاء، وهي السياسات التي اتبعتها إيران لتحقيق الاكتفاء الذاتي كنوع من “اقتصاد المقاومة” بعد عام 1979 وفي السنوات الأخيرة رداً على العقوبات الاقتصادية. ومن ثم شكل الري 90 في المئة من استخدامات المياه في إيران. إلى جانب ذلك، هناك استخدام غير فعال ومتزايد لإمدادات المياه في المناطق الحضرية وبناء العديد من السدود ليس فقط للري، ولكن لتوليد الطاقة الكهرومائية، في الوقت الذي تجف فيه الأنهار والبحيرات الرئيسة وتنخفض مستويات المياه الجوفية.
وعلى الرغم من كون الأزمات المائية، داخلية، فإنها تؤثر على العلاقات مع الدول المجاورة، ويمكن التحقق من ذلك في ما يتعلق بعلاقة إيران بالدول المجاورة لها، لا سيما أفغانستان والعراق. بالنسبة للعراق، خفضت إيران وعطلت تدفقات 4 أنهر كان من الممكن أن تصب في حوض نهرَي دجلة والفرات وهي: سيروان وكارون والكرخة والوند. وأثر ذلك على انخفاض تدفقات المياه إلى العراق على طول الطريق في اتجاه مجرى النهر إلى أهوار جنوب العراق وشط العرب.
وفيما يمثل العراق نموذجاً لتداعيات سياسات إيران المائية على دول المصب، أصبحت العلاقات مع دول المنبع مثل أفغانستان، أكثر تعقيداً. ويمكن أن يكون الوضع أسوأ في ضوء مسار العلاقة مع حركة “طالبان” التي تتولى السلطة في أفغانستان. فعلى الرغم من إحراز تقدم في التفاوض على تحسين التعاون بشأن الأنهار المشتركة بين الطرفين، دائماً ما يلقي المسؤولون الإيرانيون باللوم على أفغانستان بأن سياساتها المائية تشكل سبباً للأزمة المائية التي تعاني منها إيران. وغالباً ما تتهم إيران أفغانستان بتقليل التدفقات من نهرَي “حريرود” و”هلمند” وانتهاك الاتفاقات الثنائية، وكثيراً ما تم الإبلاغ عن اشتباكات حدودية بين المزارعين الأفغان وشرطة الحدود الإيرانية حول موارد المياه المشتركة.
ومن ثم مع تأجيج احتجاجات العطش في إيران، تندلع توترات طويلة الأمد مع أفغانستان حول سد كمال خان على منبع نهر هلمند. وكلما ألقت إيران باللوم على أفغانستان في تخزين المياه، يرى في ذلك مراقبون محاولة لصرف الأنظار عن قضايا تسعير المياه وسياسات الإدارة غير الفعالة.
أي أنه بينما تتهم إيران جارتها في المنبع بتخزين المياه، فإنها تبني أيضاً سدوداً خاصة بها على روافد نهر دجلة الذي يتدفق إلى العراق، الذي يعاني بدوره من مشاكل ندرة المياه الخاصة به. ومن ثم يلقي العراق المنكوب بالجفاف باللوم على كل من إيران وتركيا في مشاكله المائية.
والخلاف حول المياه بين إيران وأفغانستان سببه النزاع على مياه نهر هلمند، وهو صراع مستمر منذ أكثر من قرن بين البلدين. وهلمند هو أطول نهر في أفغانستان، ينبع بالقرب من كابول في سلسلة جبال هندو كوش الغربية، ويتدفق في اتجاه جنوب غربي عبر مناطق صحراوية لمسافة إجمالية تبلغ حوالى 1100 كيلومتر قبل أن يصب في بحيرة هامون على الحدود مع إيران، التي يقع في أراضيها الجزء الأكبر من البحيرة.
وتُعد بحيرة هامون، أكبر بحيرة للمياه العذبة في إيران ولها أهمية كبيرة للبيئة والأنشطة الاقتصادية. وتتهم طهران كابول بانتهاك حقوقها المائية، بحجة أن كمية المياه التي تتدفق إلى إيران أقل بكثير من الكمية المتفق عليها في عام 1973. ورفضت أفغانستان هذا الاتهام. ومع قيام الحكومة الأفغانية ببناء سد كمال خان على نهر هلمند على الحدود مع إيران، قالت إيران، إن السد سيقلل بشكل كبير من تدفق نهر هلمند.
وتعهد الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتقديم 10 ملايين يورو كدعم مالي لإيران في أبريل (نيسان) 2020، لتحسين جودة حياة السكان على مدار خمس سنوات.
ربما تدفع أزمة المياه إيران إلى اتباع سياسات تنموية تسمح بالإدارة المستدامة للموارد المائية ومعالجة تغير المناخ، وهو ما يتطلب استخدام تدابير الحوار والتعاون ومنع النزاعات لمعالجة عدم الاستقرار المتزايد المرتبط بالمياه. قد يحدث ذلك في الحالة الأفغانية لكنه مستبعَد في الحالة العراقية التي تعتبرها إيران ساحة نفوذ وهيمنة. وأدت سياسات إيران للهيمنة المائية إلى تدهور وضعف المحاصيل الزراعية في العراق، ما دفعه إلى الاستيراد من إيران، ومن ثم فإن معاناة بغداد من سياسات طهران المائية تصب في صالح وارداتها، وهو ما يشكك في مدى سعيها لإيجاد حل متوازن لإدارة أزمة تدفق الأنهار إلى بلاد الرافدين.
اندبندت عربي