نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلتها في لبنان راية الجلبي، قالت فيه إن منى، وهي مدرسة في لبنان لأكثر من 30 عاما اضطرت، مع اقتراب عيد الفطر، للعمل في موقف سيارات بشكل إضافي لتكملة دخلها الضئيل الذي يساوي حاليا أقل من 150 دولارا في الشهر.
وقالت إنه بعد سنوات من الأزمة وانهيار الليرة اللبنانية، “الوحيدون الذين يستطيعون شراء أي شيء للعيد هذا العام هم أتباع حزب الله”.
وفي بلد كان معروفا في السابق بالترف بات رأس الملفوف يباع بالثلث. وعلقت منى قائلة على أن أتباع حزب الله يسحبون كميات من الأوراق النقدية الجديدة بقيمة 100.000 ليرة أما البقية فيبحثون عن الفكة أو القطع النقدية الصغيرة لشراء ما يحتاجونه من البقالة.
وتقول الصحيفة إن مناطق حزب الله التقليدية، مثل النبطية في الجنوب، حيث تعيش منى من أكثر المناطق المتضررة من الأزمة الإقتصادية، وكل هذا لن يؤثر على حظوظ حزب الله في الإنتخابات البرلمانيةهذا الشهر، وهي الأولى منذ انهيار الإقتصاد في 2019 وما تلاها من احتجاجات على الفساد وانفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020. وتضيف أن الحكومة اللبنانية المقبلة ستواجه المهمة الشاقة لكي تتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ وما يترتب على ذلك من إصلاحات اقتصادية.
السخط المتزايد على الأوضاع لم يؤثر على شعبية حزب الله بين الناخبين، وذلك بسبب شبكة المحسوبية الواسعة واستخدامه الورقة الطائفية وإخافة معارضيه
وتقول الصحيفة إن السخط المتزايد على الأوضاع لم يؤثر على شعبية حزب الله بين الناخبين، وذلك بسبب شبكة المحسوبية الواسعة واستخدامه الورقة الطائفية وإخافة معارضيه.
وأشارت لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط بتشاتام هاوس في لندن إلى أن سبب حفاظ حزب الله على مكانته بين الناخبين الشيعة هو أن “المجتمع الذي يصوت عادة لحزب الله لا يملك بديلا واضحا، وهذا أمر يعرفه ويغذيه حزب الله”، كما وأثبت الحزب قدرة للوصول إلى الدولار الأمريكي أكثر من غيره.
فمن خلال شبكة الجمعيات الخيرية التي يسيطر عليها الحزب قدم مساعدات للمجتمع ويقدم بسخاء للموظفين في شبكته مقارنة مع موظفي الخدمة المدنية الذين قلت رواتبهم الشهرية عن 100 دولار.
ويرى الزميل في مركز كارنيغي الشرق الأوسط ببيروت، مهند حاج علي أن الأزمة التي يمر بها لبنان يمكن أن تساعد على بقاء نفوذ حزب الله في حكومة ائتلافية، بعيدا عن اتهامات المحسوبية.
وتشير الصحافة إلى أن نسبة الذين يعتقدون بجدوى الإنتخابات وأنها ستحدث فرقا، تظل قليلة، وهناك نسبة 54% شاركت في استطلاع أجرته منظمة أوكسفام عبرت عن رغبة بالتصويت.
ولعل التردد بالمشاركة هي أوضح بين سنة لبنان الذين فقدوا زعامتهم السياسية بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وتياره المستقبل من الإنتخابات بذريعة تدخل إيران في السياسة اللبنانية. إلا أن حزب الله بحاجة لحلفائه السنة والمسيحيين لضمان الأغلبية. ففي انتخابات عام 2018 فاز الحزب وحلفاؤه بـ 27 مقعدا من 128 مقعدا.
وعمل حزب الله كحاجز لحلفائه من الإنتقاد، ويتعرض التيار الوطني الحرب حليف حزب الله لاتهامات فساد. ويعلق حاج علي “هذه انتخابات لإنقاذ حلفائهم”.
وبعيدا عن هذا، يرى محللون أن حزب الله لديه أسبابه لكي يقلق، فالكثير من اللبنانيين يتهمونه بالجمود فيما يتعلق بالإصلاحات والتردد بالتحقيق في انفجار المرفأ وتأخيره تشكيل الحكومة لمدة 13 شهرا وهناك من يتساءل عن جدوى ترسانته العسكرية في ظل وجود الجيش، مع أن الحكومة والحزب جادلا بكونها ضرورية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي لمناطق على طول الحدود اللبنانية. ولكن منى تقول “حزب الله اليوم ليس حزب الله عام 2006″، مشيرة إلى حربه ضد إسرائيل، التي وصفها أنصارها ذات مرة بأنها “نصر إلهي”.
وقالت: “نحن مع المقاومة. نريدهم أن يحتفظوا بأسلحتهم للدفاع عنا.. لكن من الواضح أنهم لا يقومون بعمل جيد بما فيه الكفاية لقيادة الدولة في الاتجاه الصحيح. . . كل حلفائهم فاسدون تماما”. ويعلق حاج علي إن هذا النوع من النقد العلني نادر لكنه آخذ في الازدياد.
التردد بالمشاركة هي أوضح بين سنة لبنان الذين فقدوا زعامتهم السياسية بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وتياره المستقبل من الإنتخابات بذريعة تدخل إيران
ويقول الناشطون إن تآكل الكتلة الانتخابية الشيعية التي كان يمكن الاعتماد عليها في يوم من الأيام دفع حزب الله وحركة أمل إلى استخدام المزيد من أساليب الترهيب ضد مرشحي المعارضة والناخبين الذين قد يرغبون في الانحراف.
ويتحدث مرشحو المعارضة عن تهديدات بالعنف وصعوبة في توظيف ممثلين للعمل في مراكز الاقتراع. ويقول الناخبون إن الموالين لحزب الله وحركة أمل يراقبون القوائم الانتخابية ويضايقون من لا يصوتون بطريقتهم.
ومهما كانت النتيجة، فمن المحتمل أن تستغرق المفاوضات لتشكيل إدارة جديدة وقتا وسيكون التعافي الاقتصادي بطيئا. ويمكن للأغلبية التي يقودها حزب الله أن تزيد من تنفير دول الخليج، التي كانت ذات يوم مستثمر كبير في لبنان في سعيها لمواجهة النفوذ الإيراني.
القدس العربي