أعلنت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن رئيس النظام السوري بشار الأسد قام مؤخراً بزيارة إلى طهران التقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي، كما اجتمع قبلها مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وكما جرت العادة لم يُعلن عن الزيارة مسبقاً، وكانت الثانية التي يقوم بها الأسد إلى إيران منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا ربيع 2011 وما أعقبها من تدخل عسكري إيراني لصالح النظام، سواء مباشرة عبر «الحرس الثوري» أو عن طريق «حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية والأجنبية الموالية لطهران.
وعلى غرار زيارة الأسد السابقة إلى طهران، أواخر شباط/ فبراير 2019، لوحظ غياب العلم السوري عن القاعة التي شهدت لقاء خامنئي والأسد، وكذلك غياب وفد وزاري سوري يمكن أن يوحي بأي جدول أعمال ذي طابع عملي اقتصادي أو تنموي أو حتى عسكري. ويُذكر أنه خلال تلك الزيارة كان خامنئي قد حرص على إشراك قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» يومذاك خلال استقبال الأسد، الأمر الذي أثار في حينه استياء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فتقدم باستقالته قبل أن يتراجع عنها.
وكان لافتاً أن خامنئي ذكّر الأسد خلال الزيارة الأخيرة بأن «بعض قادة الدول المجاورة لإيران وسوريا يلتقون بقادة الكيان الصهيوني» مضيفاً بأن شعوبهم ترفع شعارات ضدهم في يوم القدس، غامزاً بذلك من قناة الإمارات التي كانت أول دولة عربية تكسر عزلة النظام السوري وتستقبل الأسد. والمفارقة أن التلفزيون الرسمي الإيراني نقل عن رئيس النظام السوري قوله إن «العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة» متجاهلاً حقيقة لهاث أصدقاء نظامه الإماراتيين نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبهذا فإن هذه الزيارة مثل سابقتها تستهدف الإيحاء بأن النظام السوري خرج من عنق الزجاجة والترويج لمظاهر خادعة حول استقراره، وهذا ما عكسته أقوال خامنئي بأن «احترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، والجميع يرى هذا البلد كقوة». لكن الواقع الفعلي لا يكذّب هذه المزاعم فقط، بل يقدم كل يوم دليلاً على غرق النظام في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية مستعصية، لا تنفع في إخفاء عواقبها أضاليل مفضوحة من نوع إصدار قوانين تحريم التعذيب أو العفو عن السجناء، فضلاً عن افتضاح المزيد من جرائم النظام بحق أبناء الشعب السوري كما في مجزرة حيّ «التضامن» مثلاً.
كذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإيران ذاتها ليست في حال من الاستقرار السياسي أو الاقتصادي تتيح لها التفاخر بما تزود به النظام السوري من مساندة، فالعقوبات تواصل الإثقال على معاش الشارع الشعبي الإيراني، وسلّة النفوذ الإقليمي الإيراني في المنطقة ليست في أفضل أحوالها، واستهداف القاذفات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية داخل سوريا يتواصل من دون رد، ومفاوضات فيينا حول البرنامج النووي متعثرة أو شبه مجمدة. وقد لا تكون مبالغة أن الثمرة الأبرز خلف زيارة الأسد الثانية إلى طهران أن وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان لم يقدم استقالته هذه المرة.
القدس العربي