أقرت وزارة النفط العراقية بفشل جميع جولات التفاوض مع إقليم كردستان للتوصل إلى آليات لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن ملف الطاقة في الإقليم، لتتحدث عن حلول أخرى لم تكشف عنها لتطبيق القرار الذي يقضي بإدارته من قبل الحكومة المركزية.
وجاء إعلان وزارة النفط العراقية بعد سلسلة من التصريحات الرافضة، أطلقها عدد من المسؤولين في الإقليم، لأي خطوة تقلص دورهم في إدارة الملف النفطي، أو تضعه تحت إشراف الحكومة المركزية. وأبرز هذه التصريحات كانت لرئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، الذي رفض بشكل قاطع أي تنازلات في إدارة ملف نفط الإقليم، معتبراً قرار المحكمة الاتحادية بشأن الملف غير دستوري ولا قانوني ويستند إلى ضغوط سياسية.
وقدمت بغداد بتاريخ 13 أبريل (نيسان) الماضي خلال اجتماع بين وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار ووفد من إقليم كردستان، سلسلة من المقترحات لحل الأزمة، منها تشكيل شركة نفط جديدة يكون مقرها في أربيل، تكون تابعة لشركة النفط الوطنية العراقية وتدير ملف نفط الإقليم، وفتح حساب مصرفي لإيداع إيراداته النفطية يكون بإشراف وزارة المالية العراقية لتخصيص حصة الإقليم السنوية من الموازنة.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، يوم 15 فبراير (شباط) 2022 حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم تسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وذكرت المحكمة في بيان لها، أن القرار شمل إلزام حكومة الإقليم تسليم “كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية المتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره”.
فشل المفاوضات
وأعلن وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار أن المفاوضات مع وفد كردستان، بشأن إدارة ملف الطاقة في الإقليم، فشلت ولم تحقق أي نتائج إيجابية تذكر.
وقال في تصريحات له خلال اجتماع لهيئة الرأي في الوزارة السبت، “إن وزارة النفط ستمضي نحو التطبيق الحرفي لقرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن إدارة ملف الطاقة في العراق”، مشدداً على ضرورة أن تدير الدولة النشاط النفطي لضمان وحدته.
وأشار الوزير إلى أنه لا توجد دولة في العالم تدير ملف الطاقة وتنتج النفط والغاز بسياستين، وهذا كانت له آثار سلبية انعكست على سياسة العراق في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”.
جهة واحدة
وأكد أن “ملف الطاقة في البلاد يجب أن يدار من قبل جهة واحدة وفق إدارة اتحادية مع الإقليم، وبأسلوب تجاري لا يخضع للأهواء السياسية”، لافتاً إلى أن بغداد “ليست لديها أي رغبة بالسيطرة على النشاط النفطي كونها تتعامل بشفافية مع الشركات النفطية في البلاد، ومنها شركة نفط كردستان”.
إيرادات محدودة
وأكد الوزير أن الإيرادات في الإقليم لا تتجاوز 50 في المئة من قيمة النفط المُباع، مشيراً إلى أن العراق لم يتمكن من الالتزام بمحددات “أوبك” بسبب عدم التزام الإقليم تلك المحددات.
من جانبه قال الخبير النفطي حمزة الجواهري، إن الخسائر نتيجة بيع النفط في إقليم كردستان تصل إلى 60 في المئة حالياً، مقارنة مع سعر النفط الذي تبيعه شركة “سومو”.
وأضاف أن “الخلاف بين الحكومة الاتحادية والإقليم بشأن النفط والغاز لا يمكن وصفه كخلاف دستوري بقدر ما هو تمرد الإقليم على الحكومة الاتحادية”، مبيناً أن الحكومة الاتحادية أبدت مرونة كبيرة ونفساً طويلاً على مدى أكثر من عقد ونصف من الزمان لمعالجة الموضوع، إلا أن هذا الأمر لم يفضِ إلى نتيجة.
وأشار الجواهري إلى أن الإقليم يريد أن يملك نفط الإقليم ويشارك العراقيين بالنفط الذي ينتج في مناطق أخرى من العراق، واصفاً اللجوء للمحاكم الدولية في قضية داخلية بـ “الأمر المعيب”.
سيناريو 2017
وعن الخطوات التي ممكن أن تقوم بها الحكومة الاتحادية لتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية، بين الجواهري أنه “من الممكن أن تستخدم الحكومة الاتحادية القوة الناعمة، وتكرر سيناريو عام 2017 إبان حكومة حيدر العبادي، التي أوقفت عمل المنافذ وحركة الطيران”، لافتاً إلى أن هذا الأمر جرى في نصف يوم من دون أن يطلق رصاصة واحدة.
خفض التكاليف
وعن مقدار الخسائر التي يتكبدها العراق نتيجة بيع النفط المنتج من حقول الإقليم، أوضح الجواهري أن “النسبة تصل إلى 60 في المئة من قيمة النفط المنتج، لأن الشركات تأخذ ما نسبته 48 في المئة والباقي خصومات على البرميل”، مؤكداً أن “الإقليم يحصل على 40 في المئة من قيمة النفط الذي يبيعه”.
وهذه الكلفة عالية جداً وباستطاعة الحكومة العراقية تخفيضها بشكل كبير من خلال تحويل العقود إلى عقود خدمة أو شراء حقوق الشركات النفطية، بحسب الجواهري، مبيناً أن الإقليم سيحصل على أرباح أعلى إذا ما سلم نفطه إلى الحكومة الاتحادية، لكونه سيحصل عليها مباشرة من الموازنة
وسائل ضغط عدة
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، إن العراق يمتلك عديداً من وسائل الضغط التي يمكن أن يتخذها ضد الإقليم، إذ يستطيع ثنيه عن تصدير نفطه والرضوخ إلى قرار المحكمة الاتحادية.
وأضاف أن “هناك أوراق ضغط ممكن أن تستخدمها حكومة بغداد لثني الإقليم عن هذا الطريق، فالدولة الاتحادية لا يمكن أن تكون لها سياستان نفطيتان للتصدير ونوعيتان من العقود، فضلاً عن إدارتين متناقضتين مشتركتين في إدارة الملف النفطي”.
إيقاف التحويلات المالية
وتابع المرسومي أن “أقرب النقاط للتطبيق أن تمتنع الحكومة الاتحادية عن أي تحويلات مالية إلى كردستان، وهذا أخف الإجراءات التي ممكن أن تتخذها الحكومة الاتحادية”.
ولفت إلى أن الإقليم يحصل على عوائد شهرية تقدر بـ1.2 تريليون دينار بحدود (820 مليون دولار) كعائدات نفطية، وإيرادات أخرى من المنافذ الحدودية والمساعدات الأميركية، لافتاً إلى أن ما يحتاجه هو 900 مليار دينار بحدود (616 مليون دولار) شهرياً لتسديد الرواتب.
تفعيل الدعاوى
وأضاف أن الطريقة الأخرى التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة العراقية هي تفعيل الدعوى القضائية التي رفعها العراق عام 2017، لكون تركيا تصرفت بخط الأنبوب العراقي التركي بخلاف العقد المبرم مع الحكومة الاتحادية، حين سمحت للإقليم بتصدير النفط عبر هذا الخط من دون رغبة الحكومة الاتحادية، مبيناً أن هذه الدعوى مرفوعة في غرفة التجارة الدولية في باريس، ولو فعّلت سوف تخنق الإقليم لأن الإقليم ليس له منفذ للنفط سوى الخط العراقي – التركي.
ولفت إلى أنه لو نجح العراق في استحصال قرار قضائي ساند له فمن الممكن حينها أن يحصل العراق على تعويض من تركيا بمبالغ تصل إلى 20 مليار دولار عن قيمة الفترة السابقة التي صدر خلالها نفط الإقليم عبر هذا الأنبوب، مؤكداً أن هذا الخط يرتبط بالأنابيب التركية، ويصدر ما يقارب 500 ألف برميل منها 100 ألف برميل من نفط كركوك تصدره الحكومة المركزية.
وخلال الأسابيع الأخيرة من ولاية نوري المالكي الثانية في عام 2014، رفعت دعوى في محكمة تجارية تابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد تركيا بشأن مبيعات نفط إقليم كردستان عن الأراضي التركية.
ومرت هذه القضية بمراحل مختلفة تدل على عدم جدية صاحب القرار العراقي في حسمها، بحسب متابعين، بدأت من إيقافها من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في بداية ولايته نهاية 2014، ثم تفعيلها مجدداً مطلع 2017 قبل تجميدها في أيامه الأخيرة، ليأتي رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي ليوقفها بشكل كامل بطلب من القيادة الكردية.
وتطالب الحكومة العراقية بموجب الدعوى الحكومة التركية بتسديد نحو 26 مليار دولار إلى العراق، ناجمة عن قيام الأخيرة بتصدير نفط الإقليم خلال السنوات الماضية من دون موافقة رسمية من بغداد.
“أمر معيب”
وتابع أن الإقليم يعمل على تصدير الغاز من كردستان إلى أوروبا عبر تركيا، و”هذا أمر معيب لكون العراق يستورد غازاً من إيران، في وقت أن الإقليم يعمل على تصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا”، مبيناً أن الأنبوب الذي تعمل عليه “شركة كار” الكردية سيكتمل منتصف العام المقبل، وهو بمسافة 35 كيلومتراً يصل إلى الحدود العراقية – التركية، ومن المقرر أن يصدر كميات قليلة لكون كردستان تنتج 5 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز، لكن من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 40 مليار متر مكعب عام 2035.
مقاضاة الشركة
ولفت إلى أن الشركة الكردية التي تتولى مد الأنبوب لديها إمكانات كبيرة في تشغيل مصافي النفط في وسط العراق وجنوبه، لافتاً إلى أن هذه الشركة يمكن مقاضاتها بموجب قرار المحكمة الاتحادية، الذي يعتبر نشاط الإقليم في مجال النفط والغاز غير مشروع، وألغى قانون النفط عام 2007 في الإقليم.
ورأى المرسومي أنه على العراق أن يدخل في مفاوضات مع الشركات التي وقع معها الإقليم 57 عقداً نفطياً، أغلبها شركات صغيرة ومتوسطة، بهدف التوصل إلى اتفاق معها عبر التلويح لها بإدراجها على القائمة السوداء أو مقاضاتها، مؤكداً أن هذا الأمر سيؤثر في أسهم هذه الشركات في أسواق المال العالمية.
وكان عدد من النواب الكرد في البرلمان العراقي السابق كشفوا عن قيام حكومة إقليم كردستان ببيع نفط الإقليم لتركيا وعدد من الجهات لمدة 50 عاماً، مقابل إقراض الإقليم مليارات الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية.
قرار وجب تنفيذه
من جهته، قال الخبير القانوني علي التميمي، إن قرار المحكمة الاتحادية أوجب على حكومة الإقليم تسليم واردات النفط بأثر رجعي من تاريخ إبرام العقود، فيما أشار إلى أن النفط سلعة دولية وسيعرض الدول المستوردة من الإقليم إلى عقوبات دولية.
وأضاف “أن المحكمة الاتحادية ارتكزت على المادة 111 من الدستور، بأن النفط والغاز ملك للشعب العراقي، بالتالي فإن إدارة النفط والغاز تجارة خارجية”، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو من اختصاص الحكومة العراقية المركزية وفق المادة 110”.
العراق فدرالي
وأكد أن العراق بلد فيدرالي وليس كونفدرالياً، ولشركة تسويق النفط “سومو” الاختصاص الحصري في تصدير النفط، مؤكداً أن قرار المحكمة الاتحادية حصري، ولا يمكن مثل ما يقول البعض الذهاب إلى المحاكم الدولية، فهذا القرار يعود لسيادة الدولة حصرياً.
اندبندت عربي