هل سيؤثر كونغرس 2023 في سياسة أميركا الخارجية؟

هل سيؤثر كونغرس 2023 في سياسة أميركا الخارجية؟

على الرغم من أن الانتخابات النصفية للكونغرسالأميركي في الخريف لا تزال بعيدة نسبياً، فإن المراقبين والمحللين، لا سيما الدوليين، باتوا يهتمون بما يمكن أن تكون عليه نتائجها في السياسات الأميركية، بخاصة الخارجية منها، بما فيها الشرق الأوسط الكبير. فعندما تكون الأكثرية من حزب الرئيس كما كان الوضع مع عدة رؤساء بعد انتخابهم الأول، من كلينتون إلى بوش، فأوباما، وترمب، والآن مع بايدن، لا تتأثر السياسة الخارجية كثيراً من قبل المشرعين، لأن الأكثرية تبصم عملياً على قرارات الرئيس. ولكن عندما تنقلب الأكثرية النيابية لصالح المعارضة، تنقسم الدولة سياسياً، كما حدث أيضاً من كلينتون إلى ترمب، وتتعقد الأمور بالنسبة إلى البيت الأبيض. فعندما يسيطر أحد الحزبين على أحد المجلسين أو على كل الكونغرس، بينما يحافظ الآخر على البيت الأبيض، تتغير الساحة السياسية الأميركية، إذ يخسر الحزب الذي يسيطر على الإدارة بعض قدراته، ومنها بخاصة أمران؛ الأول إقرار الميزانية العامة التي يبغيها ويصوت عليها مجلس النواب، والأخير هو القدرة على تعيين المسؤولين التي تحتاج إلى أكثرية في مجلس الشيوخ. بالتالي إذا سيطر حزب على الكونغرس وآخر على السلطة التنفيذية، لا بد من صفقات على السياسات والمشاريع القانونية وغيرها، بخاصة في السياسات الاقتصادية والمالية.

وتتحول الفترة الرئاسية إلى ما يسمى بـ”البطة العرجاء” لعدم قدرة الرئاسة على تمرير مشاريعها في الكونغرس من دون مفاوضات وصفقات مع الأكثرية فيه. فتتعثر أجندة الرئاسة لسنتين.

أما في السياسة الخارجية، فتحتفظ الإدارة بقدراتها عبر القرارات التنفيذية، وتقود دبلوماسيتها وتنفذ خططها عبر مختلف الوزارات. ولكن مع مراقبة شديدة من قبل المعارضة في الكونغرس، مما يلزم الإدارة بالتمهل والتأني. وقد اختبرت أربع إدارات، بدأت قوية، حالة “البطة العرجاء” في السياسات، بما فيها الخارجية.

رئاسة كلينتون بدأت قوية بعد انتهاء الحرب الباردة، ولكنها خسرت الأكثرية في الكونغرس في 1994 مع ثورة المحافظين التي قادها نيوت غنغريش. رئاسة جورج بوش الابن بدأت ضعيفة بسبب مشكلة الانتخابات في فلوريدا عام 2000، ولكن أتتها موجة من التأييد القومي بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 إلا أنها خسرت انتخابات الكونغرس في 2006، وباتت غير قادرة على تنفيذ أجندتها بالكامل. ودخل باراك أوباما منتصراً إلى البيت الأبيض في 2009 مع أكثرية تقودها نانسي بيلوسي فمرر كثيراً من أهداف أجندته قبل أن ينتزع الجمهوريون منه مجلس النواب في 2011، إلا أنه جدد رئاسته في 2012، وتمكن من تنفيذ سياسات بما فيها الاتفاق النووي الإيراني لأربع سنوات جديدة، على الرغم من معارضة الجمهوريين في المجلس. أخيراً وليس آخراً، انتصر دونالد ترمب في 2016، ودخلت معه أكثرية جمهورية إلى مجلسي الكونغرس في 2017، وتمكن من تنفيذ عدد من مشاريعه في أول سنتين لعهده، قبل أن ينتزع الديمقراطيون الكونغرس منه في 2018، ولكن كما مع أوباما تمكن ترمب من تحقيق بعض أهدافه، بخاصة في السياسة الخارجية، بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي وتوقيع معاهدة أبراهام. هكذا تتلخص 28 سنة من معادلة بين الإدارات وأكثريات الكونغرس.

إدارة بايدن… أول سنتين

في أول عامي الإدارة الحالية، حصل جو بايدن على أكثرية في مجلسي الكونغرس، كما حصد أوباما وترمب من قبله، ونفذ ما أراد في السياسات العامة، خصوصاً في العلاقات الخارجية؛ ففي الشرق الأوسط، أخرجت الإدارة الحوثيين من لائحة الإرهاب، وعادت إلى طاولة المفاوضات مع إيران، وضغطت لإيقاف العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، وضد توسيع مواجهة إسرائيل لطهران في سوريا والعراق، من أجل التمهيد للعودة للاتفاق JCPOA. أما الأهم، فقد سحبت الإدارة كامل القوات الأميركية والأطلسية من أفغانستان وسلمتها إلى “طالبان”، مع كل نتائج هذا التسليم لميليشيات وصفت لعقدين بـ”إرهابية”.

في أول سنتين من عهد بايدن، وعلى الرغم من أكثرية مؤيدة له في الكونغرس، صعد الجمهوريون معارضتهم لسياسة الإدارة الخارجية وفي الشرق الأوسط، تماماً كما صعد الديمقراطيون ضد ترمب في أول سنتين من إدارته، وعطلوا جزءاً من أجندته. فماذا تمكنت المعارضة الجمهورية في الكونغرس من تحقيقه في السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط؟

الجهد الوحيد حيال المنطقة العربية التي تمكنت المعارضة من تكثيفه والنجاح به، ولو من دون أن يكون لها أكثرية عددية في الكونغرس، كان عملية تأخير توقيع الاتفاق النووي مع إيران وإبقاء على أهم العقوبات، وربما الأهم كان التصويت على إبقاء الحرس الثوري على لائحة العقوبات الأميركية حتى الآن.

الجدير بالذكر أن هذا التصويت الذي جرى في مجلس الشيوخ، أطلقه الجمهوريون ولكن حصل على نسبة أكثر من 80 في المئة؛ أي أيدته أكثرية الشيوخ الديمقراطيين أيضاً، مما شكل إنجازاً ثنائي الحزبية في ظل أكثرية مؤيدة لبايدن في سائر الأمور. ولكن الأقلية الجمهورية لم تتمكن من منع الانسحاب من أفغانستان، لم تتمكن من حمل بايدن على التراجع عن البدء في رفع بعض العقوبات عن إيران. هنالك أكثرية جمهورية ديمقراطية في الكونغرس رافضة رفع منظمة “البسداران” عن العقوبات، ولكن لا أغلبية لمنع العودة إلى الاتفاق.

أي أكثرية في 2022؟

بالطبع لا أحد بإمكانه تحديد بالضبط العملية الرقمية للفريق المنتصر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. المسافة الزمنية لا تزال طويلة، والتطورات معقدة، والرأي العام متقلب حسب الظروف الداخلية والخارجية، ولكن الدراسات واستطلاعات الرأي متوفرة وعلنية، وأكثرها باتت تشير إلى بعض التكهنات. الأول، أن الجمهوريين سيحصلون على أكثرية في مجلس النواب. السؤال هو بكم مقعد؟ لأن الفارق بالمقاعد سيحدد قوة الأكثرية المقبلة، لأن الحالية هي بتسعة مقاعد فقط من أصل 435. أما في مجلس الشيوخ الحالي، فالفارق هو فقط الصوت المرجح لنائب الرئيس، وبالتالي هنالك احتمال واقعي، وإن لم يكن محسوماً، لانتقال الأكثرية إلى الجمهوريين. إذاً لكل نتيجة انتخابية نتائج في السياسة العامة والخارجية. فإذا حصل الجمهوريون على مجلس النواب فقط، فسيؤثرون في السياسات الداخلية فقط، وإن تمكنوا من السيطرة على مجلس الشيوخ، فسيؤثرون في السياسة الخارجية. وإن لم ينجحوا في كلتا المعركتين، وهذا مستبعد عملياً، وإن كان ممكناً نظرياً، فسيعطي ذلك قوة كبيرة لبايدن في السنتين التاليتين.

إذا انقلبت الأكثريات

إذا نجح الجمهوريون بالسيطرة على أحد المجلسين أو كليهما، كيف سيؤثر ذلك في السياسة الخارجية، خصوصاً بالشرق الأوسط؟ إذا انتزعوا الأكثرية في مجلس النواب فقط، سيتفاوضون على الميزانيات ويستعملون التفاوض المالي لتسجيل نقاط في المسائل الخارجية. أما إذا سيطروا على كل الكونغرس، فسيتمكنون من فرض تغييرات أوسع عبر جلسات استماع، ومشاريع قوانين، ودعوات لزعماء في الخارج ليتكلموا أمام الكونغرس. ولكن العامل الجديد الأهم سيكون سيطرة تيار ترمب على أكثرية الجمهوريين. يعني عملياً سيطرة الرئيس السابق على أحد مجلسي الكونغرس أو على أكثرية السلطة التشريعية، مما سيغير المعادلة بشكل أساس إذا حدث الأمر، ولكن المسألة لا تزال بعيدة التنبؤ.

الملفات

إذا انتقلت الأكثرية إلى المعارضة الجمهورية في الخريف المقبل، ستطرأ تغييرات على بعض الملفات خلال 2023، ولن يكون التغيير حاسماً، لأن واشنطن ستتقاسم النفوذ بين الحزبين. سيتمكن الجمهوريون، مع نسبة تأثير من تيار ترمب، أن يضعوا بعض الضغوط على بعض الملفات، ولكن ليس على كلها، وستتمكن الإدارة من الاستمرار ببعض ملفاتها وليس كلها، حتى الانتخابات الرئاسية. ومن أبرز الملفات التي تعني المنطقة.

 أولاً: الملف الإيراني؛ سيقف الكونغرس جزئياً أو كلياً ضد الاتفاق النووي. فإذا عادت الإدارة إليه قبل الانتخابات النصفية، سيضغط الكونغرس لتجميده، وإذا لم توقعه الإدارة، سيرفضه الكونغرس بتشريعات.

ثانياً: مواجهة “داعش”، سيضغط الكونغرس للعودة إلى مكافحة المتطرفين من أفغانستان إلى سوريا، بينما ستوافق الإدارة ولكن بتأنٍّ.
ثالثاً: سيدعم الكونغرس معاهدة أبراهام ويسعى لتوسيعها.

رابعاً: سيدعم الكونغرس تحرك إسرائيل ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة.

خامساً: سيتوافق الكونغرس والإدارة على دعم أوكرانيا، ولكن سيدعوان لوقف الحرب.

سادساً: سيركز الكونغرس على زيادة الوجود الأميركي في المحيط الهادي وشرق آسيا.

سابعاً: سيوسع الكونغرس دعمه لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة وعالمياً.

الخلاصة، لا نزال في عالم التكهنات. أولاً حول من سيربح انتخابات مستقبلية، وهو أمر غير محسوم. وثانياً، حول أجندة لم يتم وضعها رسمياً بعد. وبالتالي فليس لدينا إلا دراسات، وتحليلات، واستنباطات، ولكنها كلها في عالم الممكن. لنرى

اندبندت عربي