هل تنهي روسيا تدخلاتها الخارجية للتركيز على مشاكلها الداخلية

هل تنهي روسيا تدخلاتها الخارجية للتركيز على مشاكلها الداخلية

في الوقت الذي تخوض فيه القوات الروسية معاركها في أوكرانيا في إطار “العملية الخاصة” التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تتعالى الأصوات حتى من بين العسكريين الروس القدامى، منادية بوقف التدخلات الأجنبية والاهتمام بالمشكلات الداخلية للبلاد التي تواجه عقوبات غربية متزايدة.

ويؤكد مارات غابيدولين، العضو السابق في المجموعة العسكرية الروسية الخاصة فاغنر، أن على روسيا وضع حد لتدخلاتها في الخارج والتركيز على مشاكلها الداخلية.

وهذا الجندي الروسي السابق، البالغ من العمر 55 عاما، هو أول عضو في المجموعة شبه العسكرية المثيرة للجدل التي عمل فيها في أوكرانيا وسوريا من 2015 إلى 2019، يتحدث علنا دون أن يغطي وجهه.

وفي كتاب عنوانه “أنا مارات القائد السابق لجيش فاغنر” الذي صدر عن دار ميشال لافون ونُشر الخميس في فرنسا، يصف غابيدولين الحياة اليومية لمقاتلي هذه المجموعة السرية جدا المتهمين بارتكاب انتهاكات، لاسيما في أفريقيا. وتؤكد السلطات الروسية مرارا أن لا علاقة لها بالمجموعة التي تتدخل في عدة دول على غرار ليبيا، سوريا، مالي، جمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها.

مارات غابيدولين: كان ينبغي أن نهتم بمشاكلنا ونعمل حتى يبدأ الناس في احترامنا

ويوضح العسكري السابق الأربعاء في باريس أن فاغنر هي “جيش صغير نوعا ما”، يمكن أن تتنوع أهدافه حسب الوضع الميداني.

وتضم فاغنر في صفوفها مرتزقة مرخصين ومحترفين، لكن أيضا رومانسيين “يريدون الاحتكاك بالحرب”، ومدانين سابقين أغلقت أمامهم أبواب الجيش النظامي أو تجذبهم رواتب أعلى مما يمكن أن يتلقوه في روسيا، فهي تتراوح بين 1500 و2200 يورو حسب المهمات.

ويؤكد مارات غابيدولين أنه انضم إلى فاغنر في 2015 بناء على نصيحة أحد معارفه بعد عشر سنوات في صفوف الجيش الروسي، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات لقتله زعيم عصابة في إطار “تصفية حسابات مع عصابات”.

وبين لفافتي دخان، يقول إنه نفذ مهمته الأولى إلى جانب مقاتلين موالين لروسيا في شرق أوكرانيا صيف 2015، ثم قام بمهام عدة في سوريا دعما لقوات نظام بشار الأسد، حتى 2019. وبالطبع لا يمكن التحقق من مسيرته بشكل مستقل.

ولا يشعر غابيدولين بأي ندم، ويؤكد أنه قام بعمله. لكنه يؤكد أنه غادر بشعور من “الإحباط وخيبة الأمل” مهمته الأولى في لوغانسك في أوكرانيا، في مواجهة “خدعة القضية النبيلة التي تتحدث عن الدفاع عن مصالح روسيا”.

أما بالنسبة لسوريا حيث أصيب بجروح خطيرة في انفجار قنبلة يدوية في تدمر، فهو يرى أن “تدخل” روسيا “لم يساعد” شعبا سوريا يعاني من الجوع والبرد.

ويتابع غابيدولين “كان من الأفضل التركيز على المشاكل الداخلية، لكن النظر إلى القضايا الداخلية أمر صعب”. ويضيف “كان ينبغي أن نهتم بهذه المشاكل ونحلها ونعمل حتى يبدأ الناس في احترامنا والإعجاب بنا، حتى نصبح نموذجا لأوكرانيا”. وهو يرى أن “أوكرانيا كانت عندئذ ستأتي إلينا ولا تصدنا”.

وتقول وزارة الدفاع البريطانية إن القوات شبه العسكرية التابعة لفاغنر التي يشتبه بأنها ارتكبت تجاوزات في مالي أو ليبيا أو حتى في سوريا، موجودة أيضا في أوكرانيا، حيث شن الجيش الروسي هجوما في الرابع والعشرين من فبراير.

وتنفي موسكو رسميا أي صلة لها بهذه المجموعة الخاصة، التي يشتبه بأنها تعمل سرا لحسابها.

ويعتقد غابيدولين أن استخدام روسيا للمرتزقة المحظور رسميا في البلاد “مثبت ولا يمكن دحضه”. وهو يكشف خصوصا نوع الأسلحة التي تستخدمها فاغنر أو شعاراتها الروسية الرسمية.

وأكد العسكري السابق أنه لم يشهد جرائم حرب ارتكبها رفاقه في السلاح في الميدان. لكنه قال من دون أن يذكر تفاصيل، إن المرتزقة قد يكونون استخدموا “في حالات معينة” بطريقة “تتعارض مع كل المعايير والقيم الأخلاقية”.

والآن يأمل غابيدولين في أن تتاح له يوما ما فرصة للعودة إلى روسيا “وطنه”. ويدرك العسكري السابق أن العودة في هذه المرحلة ستكون سابقة لأوانها، نظرا للقانون الأخير الذي يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما من ينشر أي “معلومات كاذبة” عن تحركات موسكو في الخارج.

وقال غابيدولين “هناك خطر ألا أستطيع مغادرة البلاد بعد ذلك”. وأضاف “حول شعوري بالخوف؟ لست خائفا (…) سأعيش بطريقة أو بأخرى”.

صحيفة العرب