أكدت السلطات المحلية في محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد أنه تم إنجاز الكثير من المشاريع لتهيئة عودة النازحين إلى منطقة جرف الصخر، لكن الإشكال يكمن في غياب قرار سياسي يفسح المجال لهذه العودة التي طالت لأكثر من ثماني سنوات.
وتسيطر على منطقة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل ميليشيات موالية لإيران وبينها كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء وفصيل سيد الشهداء، وذلك منذ طرد عناصر تنظيم داعش في أكتوبر 2014، وعمدت هذه الميليشيات بواعز من الحرس الثوري الإيراني إلى تهجير أهالي المنطقة بداعي علاقتهم بالتنظيم وتحويلها إلى قاعدة متقدمة في إطار ما يسمى بمشروع “خط المقاومة”.
وتقول مصادر في دائرة هجرة بابل إن أكثر من 2400 أسرة تم تهجيرها من جرف الصخر، التي بات يطلق عليها ناحية جرف النصر، منذ عام 2016. ويعيش أبناء هذه الأسر أوضاعا مأساوية وهم موزعون على عدد من المخيمات في محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى.
وصرح محافظ بابل حسن منديل مؤخرا أن “الإدارة المحلية وضعت الكثير من الآليات لإعادة النازحين إلى منطقة جرف الصخر”. وأضاف منديل أن “ذلك يكون بعد استبعاد كل من هو مطلوب للقضاء بتهم الإرهاب أو في ظل وجود شبهات تتعلق بهذا الشأن”.
ولفت المسؤول المحلي إلى “تنفيذ الكثير من المشاريع في محيط جرف الصخر وشملت هذه المشاريع مدارس وسط المنطقة”.
وأشار إلى أن “الوضع في جرف الصخر يستوجب الحديث مع جميع الجهات ذات العلاقة”، لافتا إلى أن القضية لا تخلو من تعقيدات سياسية. وكشف عن “تشكيل أكثر من لجنة لإعادة النازحين ووضع آلية لهذا الأمر، لكن لا يزال الأمر يفتقد إلى القرار السياسي المهم الذي تتفق عليه جميع الأطراف”.
وشدد منديل على أن “فصائل الحشد الشعبي هي من تمسك بمنطقة جرف الصخر، وأن إعادة العائلات تحتاج إلى تنسيق مع هذه الفصائل”.
ويرى مراقبون أن المشكلة الرئيسية التي تعيق عودة أهالي جرف الصخر تتمثل في الموقف المتحفظ للميليشيات التي تسيطر على هذه المنطقة.
وعمدت الميليشيات خلال السنوات الماضية إلى تحويل جرف الصخر إلى مركز عسكري، يضم العديد من مقرات ومخازن الأسلحة والذخيرة، إلى جانب وجود معاقل كبيرة.
ويلفت المراقبون إلى أن من الدوافع الأخرى التي تعيق عودة المهجرين هو الخشية من افتضاح أمر المقابر الجماعية، في ظل تواتر التقارير عن وجود الآلاف من الأشخاص الذين جرت تصفيتهم في المنطقة.
ويقول هؤلاء إنه من غير المرجح أن يجري السماح بإعادة النازحين في ظل سطوة الميليشيات، وفي ظل وجود حكومات مركزية ضعيفة لا تملك القدرة والإمكانية على بسط سيطرتها على البلد، وأن الحديث المتواتر عن استعدادات لإعادة المهجرين ليس سوى مسكن، لم يعد يلقى تأثيرا لدى هؤلاء.
وكان نائب محافظ بابل رعد جون تحدث في وقت سابق عن أن “الأمانة العامة لمجلس الوزراء وقيادة العمليات المشتركة وجهت لجنة دعم وإغاثة النازحين في المحافظة باتخاذ الإجراءات لعودة النازحين في مدينة جرف الصخر بشكل طوعي”.
وذكر جون أن “تحركات عالية المستوى تريد ضمان العودة للنازحين الذين تثبت سلامة موقفهم الأمني من أربع جهات، وهي الاستخبارات والأمن الوطني، بالإضافة إلى أمن الحشد الشعبي”.
وقال المسؤول المحلي إن عودة النازحين حاليا تقتصر على سكان مناطق الإسكندرية والمسيب (ضواحي جرف الصخر)، مشيرا إلى “مفاتحة وزارة الهجرة والمهجرين لغرض تسجيل عدد من النازحين غير المسجلين رسميا”.
وأوضح جون أن “محافظ بابل صادق على محضر خاص بأسماء النازحين بعد تدقيقهم أمنيا، ونحن بانتظار التعليمات التي تصدر عن قيادة العمليات المشتركة”.
وأكد أن “العودة ستكون على مرحلتين: الأولى للمناطق الآمنة، والثانية عندما تكتمل الخدمات في المناطق التي تعاني من مخلفات حربية”.
وتحولت قضية مهجري جرف الصخر خلال السنوات الأخيرة إلى ورقة انتخابية بأيدي القوى السياسية السنية، يتم الإلقاء بها بمجرد انتهاء الاستحقاق، كما جرى في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تمت في العاشر من أكتوبر الماضي.
وشكلت قضية أهالي جرف الصخر أحد أعمدة الحملة الانتخابية لزعيم تكتل تقدم محمد الحلبوسي، ورئيس تكتل عزم رجل الأعمال خميس الخنجر، حيث قدم الطرفان العديد من الوعود للمهجرين سيتخذان من حل هذه القضية أولوية مطلقة بمجرد فوزهما بالاستحقاق.
وما إن أسدل الستار على الانتخابات وحقق الطرفان نتائج مهمة في الاستحقاق، حتى تراجع سيل الوعود، في ظل انهماكهما في كيفية ترجمة هذه الإنجازات الانتخابية في تعزيز نفوذهما السياسي.
صحيفة العرب