بينما تقاتل القوات الروسية لاحتلال أوكرانيا، يحاول المستوطنون الإسرائيليون والجيش الإسرائيلي السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وذلك على بعد الآلاف من الكيلومترات من الحرب الدائرة في أوكرانيا، في بلدة جبلية تسمى بيتا، بالقرب من نابلس في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن حجم الضرر والتكاليف البشرية لا يُقارن بالتوغل الروسي، إلا أنه من الممكن رؤية وجهة نظر الجانب الفلسطيني الذي يرى معايير مزدوجة في تعامل الغرب مع كلا الموقفين.
وفي زيارة قمت بها مؤخرا إلى بلدة بيتا، تعرفت على المزيد حول المعارضة الفلسطينية لاستيلاء إسرائيل الأخير على الأراضي بهدف إنشاء مستوطنة جديدة، والتي تسمى أيفاتار، وشاهدت أدلة مباشرة على انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وتشمل ذخيرة جيش الدفاع الإسرائيلي في بيتا القوة المفرطة والعقوبات الجماعية وغارات الاعتقال الليلية والحرب الاقتصادية. كما لم تسلم البلدة من التصعيد الحالي الذي انطوى على سلسلة من الهجمات الإرهابية داخل إسرائيل، واشتباكات في المسجد الأقصى والتي ضاعفت من حدة التوترات الإقليمية، فضلا عن عمليات الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية.
وقُتل فواز الحمايل بالرصاص خلال غارة شنتها القوات الإسرائيلية في الثالث عشر من أبريل، وقد كان مسؤولا في السلطة الفلسطينية وشخصية بارزة في المجتمع النابلسي، ويعتقد السكان المحليون أن العملية شنت ضدهم لأنهم يعارضون بناء مستوطنة غير شرعية على أرض يقول المجتمع الدولي إنه يتصورها في صورة قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية.
ما يحدث في بيتا هو صورة للضم الإسرائيلي و”القائم على سياسة الأمر الواقع” لأراضي الضفة الغربية التي احتلتها قبل 55 عاما
وما يحدث في بيتا هو صورة مصغرة للضم الإسرائيلي المتسارع و”القائم على سياسة الأمر الواقع” لأراضي الضفة الغربية التي احتلتها قبل 55 عاما. وحكمت إسرائيل المنطقة من خلال الدكتاتورية العسكرية منذ ذلك الحين، على الرغم من منح حكم ذاتي صوري لبعض المناطق الفلسطينية في عام 1993. وتتصرف إسرائيل دون التعرض لأي ضغوط حقيقية من المجتمع الدولي، وعدم تحميلها المسؤولية ساعدها على الانخراط في ما يسميه الخبير الإسرائيلي في الضفة الغربية درور إتكس “السرقة المؤسسية للأراضي”، وتوطين مواطنيها على الأراضي الفلسطينية، على الرغم من المحظورات المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة.
إن الدعوة لمساءلة إسرائيل عن أعمالها في الضفة الغربية لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تُنسينا الهجمات المؤسفة التي شهدناها مؤخرا ضد اليهود الإسرائيليين داخل إسرائيل نفسها.
وخاض سكان مدينة نابلس انتفاضة ضد التحركات الإسرائيلية لإقامة المستوطنة الجديدة منذ شهر مايو 2021، حيث قام البعض برشق الحجارة على القوات أثناء الاحتجاجات واستعان البعض الآخر بالإطارات المحترقة، وتسبب رد الجيش الإسرائيلي في مقتل 10 فلسطينيين وإصابة أكثر من 1200 جراء الرصاص الحي أو الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وذلك وفقا لمكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في القدس.
وقد أصيب 150 من سكان بلدة بيتا بإعاقة نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل الجيش الإسرائيلي، وفقا لبيانات البلدية المحلية، وذلك في بلدة يبلغ عدد سكانها 17000 نسمة، كما أصيب ما لا يقل عن 10 جنود إسرائيليين “بجروح خطيرة” وآخرون إصابات طفيفة، بحسب بيانات الجيش.
وقد انتقد مسؤولون من منظمة “كسر جدار الصمت”، وهي عبارة عن مجموعة من قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي يعارضون الاحتلال، ما يرون أنه إساءة استخدام للجيش لصالح المستوطنين المتطرفين، كما أدركوا أن مهمة الجيش أصبحت فاسدة، وأن هذا قد يجهض أي أمل حول التوصل إلى حل وسط يقوم على أساس دولتين يتم فيه تحرير الفلسطينيين من الاحتلال وتصبح إسرائيل أكثر ديمقراطية. ووصف مدير منظمة “كسر الصمت” أفنير جفارياهو الخسائر في بيتا بأنها “مروعة”.
وأخبرني ناشط إسرائيلي شارك في الاحتجاجات تضامنا مع مدينة نابلس بما شاهده خلال المظاهرات، وإيدو الذي (طلب نشر اسمه الأول فقط خوفا من انتقام اليمين السياسي) رسم صورة لجيش يعمل دون الخوف من أي حساب أو عقاب، حيث قال “هناك أشخاص أعرفهم أصيبوا برصاصة في ساقهم واعتقلوا، وخرجوا من السجن بعد شهرين، ثم أصيبوا برصاصة في الرأس، فمن الشائع جدا أن يصاب المرء بالرصاص”.
أنشطة الاستيطان والاحتلال الإسرائيلية غير القانونية تزداد قسوة كما هو واضح من مجزرة نابلس، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة فشلت في كبح جماح سلوك إسرائيل
وعلى سبيل المثال “أعرف شخصا أصيب برصاصة في عينه وهو يحمل علما، وهناك الكثير من الإصابات في الجزء العلوي من الجسم والرأس، فقبل أسبوعين فقط، أصيب صبي يبلغ من العمر 12 عاما يدعى ريان برصاصة مطاطية في رأسه“.
ويبدو أن أنشطة الاستيطان والاحتلال الإسرائيلية غير القانونية تزداد قسوة كما هو واضح من مجزرة نابلس، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة فشلت في كبح جماح سلوك إسرائيل، بل إنها تشارك في الواقع من خلال تسليم حزم المساعدات الخارجية غير المشروطة إليها بينما تدعي معارضة المستوطنات. وكما أخبرني أحد سكان بيتا سعيد حمايل أنه بينما وثقت الجماعات الحقوقية أنشطة إسرائيل في الضفة الغربية، فإن الحكومات فشلت في التصرف بناء على نتائج تلك الوثائق.
وقال سعيد، الذي قُتل ابنه محمد البالغ من العمر 16 عاما برصاصة من الجيش الإسرائيلي في صدره في شهر يونيو الماضي “لا أحد يعمل أي شيء لردع إسرائيل عن ارتكاب تلك الجرائم”.
ولا عجب في أن استطلاعا للرأي نشره مؤخرا المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله، أظهر أن الغالبية العظمى من المشاركين يعتقدون أن هناك “معايير مزدوجة” ما بين رد فعل الغرب على غزو أوكرانيا ورضوخه للاحتلال الإسرائيلي، الذي يعانون منه يوميا.
وقد وصف خليل الشقاقي، وهو رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، الأمر بهذه الطريقة “إن المجتمع الدولي يدرك أن هذا احتلال عسكري وأن سلوك إسرائيل في الاستيطان وهدم المنازل والإجراءات الأخرى هي سلوكيات غير قانونية وأن إسرائيل تحتل أراضي دولة أخرى، ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي لا يقوم بفعل أي شيء سوى الكلام“.
صحيفة العرب