الباحثة شذى خليل*
يعاني المواطن الإيراني من سوء الوضع الاقتصادي، والضغط الكبير، والزيادة اليومية في أسعار أغلب السلع في إيران، والتي وصلت إلى درجات غيرت من نمط الحياة ونوع الغذاء للناس بشكل كامل، حيث أكد مسؤول إيراني -عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام أحمد توكلي- ان نسبة 60% من سكان إيران يقبعون تحت خط الفقر، فالجوع والفقر في إيران هيمنا على أوضاع غالبية الناس.
الانهيار الاقتصادي في إيران تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، والتي تهدد الطبقة الوسطى بصورة أساسية، وفي هذا الشأن قال الباحث الاجتماعي الإيراني محمد رضا محبوب فر “إن الوضع الاقتصادي في بلدنا يجعل الطبقة الوسطى تقترب يومًا بعد آخر من فئة الدخل المنخفض، وأدى الافتقار إلى الحريات المدنية والصعوبات الاقتصادية وانعدام الأمن الوظيفي الى تدهور الوضع الاقتصادي في البلد.
خرج الإيرانيون الى الشوارع مطالبين بظروف معيشية أفضل، في وقت تظهِر مؤشرات وتقارير البنك الدولي أن الاقتصاد الإيراني يشهد تحسنا طفيفا، إلا أن الحقيقة قد تكون مختلفة تماما عما تظهره تلك المؤشرات، وفق تحاليل لمصادر دولية، ويطالب الشعب بضغط أكبر على الحكومة للعودة للاتفاق النووي الذي قد يعني تحرير مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، وفتح اقتصادها أمام التجارة العالمية.
أكدت بعض الدراسات الاقتصادية أن المواطن لم يشعر بحدوث تغيير إيجابي في وضعه المعيشي، بل العكس هو الذي حدث، فالعملة الوطنية فقدت نحو 20% من قيمتها منذ وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم قبل أشهر، وارتفاع أسعار السيارات المحلية بنسبة 30%، وإيجارات البيوت والشقق السكنية بنسبة 70%، في حين واصلت البورصة الإيرانية انهيارها وخسر مؤشرها الرئيس نحو 20% خلال الفترة ذاتها.
وانتقدت الدراسات عجز الفريق الاقتصادي الحكومي عن تثبيت سعر العملة الصعبة في البلاد، على الرغم من مضاعفة الموارد النفطية خلال الفترة الأخيرة وارتفاع الصادرات للخارج. وأكدت الدراسات أن سبب عدم النهوض بالاقتصاد الإيراني بعد مجيء حكومة رئيسي يعود إلى نفوذ المنافسين في الحكومة وترددها في اتخاذ القرارات الصعبة. بدوره قال عالم الاقتصاد الإيراني حسين راغفر يرى إن البيانات الرسمية غير دقيقة ولا تتناسب مع ما يلمسه المواطن على أرض الواقع.
في حين تذهب شريحة أخرى من الخبراء والباحثين في الشأن الاقتصادي إلى أن حكومة رئيسي ورثت تحديات جمة من الحكومة السابقة، وأن تحييد هذه القضايا والعبور بالبلاد إلى بر الأمان الاقتصادي بحاجة إلى مزيد من الوقت، وأن الحكومة لم تدخر جهدا في تخفيف وطأة التضخم والغلاء على معيشة الإيرانيين، وتسديد ديون الحكومة السابقة للمصرف المركزي، فضلا عن إيقافها طباعة العملة دون رصيد وتبنيها سياسة نقدية انكماشية للحد من التضخم المستفحل. وأن الحكومة الإيرانية الحالية تتبنى نهجا حكيما لتعزيز التجارة الخارجية للبلاد والانفتاح على دول الجوار، لكنها لا تزال تعاني مشكلات كثيرة، منها العقوبات الأجنبية التي تحول دون دخول الموارد الإيرانية بالعملة الصعبة إلى البلاد.
وقال محمد حسن أصفري، العضو في هيئة المجالس والشؤون الداخلية في البرلمان الإيراني، إن 9 ملايين أسرة تعيش تحت خط الفقر، مشيرا إلى ارتفاع سعر الطحين عدة أضعاف وإلغاء العملة الحكومية (4200 تومان) للسلع الأساسية، وارتفاع أسعار الخبز والمعكرونة والحلويات والمعجنات وغيرها من المنتجات المصنوعة من الطحين بشكل حاد، فضلا عن ارتفاع أسعار الأرز والفاصوليا بنسبة 120 إلى 130 في المائة.
تريد حكومة إبراهيم رئيسي، استبدالهما بزيادة المعونات النقدية زاعمة أن العملة الحكومية والطحين المدعوم يسببان الفساد، وبهذا الصدد، نشرت وزارة العمل الإيرانية، تقريرا في 22 أكتوبر من العام الماضي، أكدت من خلاله أنه في عام 2020، كان أكثر من ثلث سكان إيران في “فقر مدقع”. وتم تحديد “خط الفقر المدقع” عام 2020 بمليونين و 758 ألف تومان لأسرة مكونة من ثلاثة أفراد.
وأن 55 ٪ من الإيرانيين كانوا تحت خط الفقر الطبيعي مع دخل أقل من 5.7 ملايين تومان لعائلات مكونة من ثلاثة أفراد في عام 2020. ولم يتم نشر إحصائيات جديدة حول حالة الفقر في البلاد حديثًا.
الهجرة الاقتصادية:
إن الهجرة الاقتصادية هي من أهم أنواع الهجرة للإيرانيين، وحتى العديد من الهجرات التي تتم عبر القنوات التعليمية أو قنوات اللجوء لها دوافع اقتصادية، ومنذ أشهر يطالب المعلمون بزيادة رواتبهم لتعادل 80% من رواتب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، لكن الحكومة والبرلمان وعدا بزيادة 20 إلى 25% في رواتب المعلمين فقط، إلا أن السلطات لم تف بوعودها، مما انعكس سلبا وبشكل كبير على رغبة الشباب في الهجرة وزيادة دوافعهم نحوها.
تظهر إحصاءات مرصد الهجرة الإيراني ارتفاع نسبة المهاجرين الإيرانيين من إجمالي عدد سكان إيران من 1.45% عام 1990 إلى 2.29% عام 2019.
ووفقًا لآخر إحصائيات المرصد، فإن 37% من حاملي الميداليات في الأولمبياد الطلابي و25% من أعضاء مؤسسة النخبة الوطنية يقيمون حاليا في دول أخرى.
وكان محمد وحيدي، النائب الأول لرئيس لجنة التعليم والبحث بالبرلمان قال –لصحيفة همشهري الإيرانية الرسمية- “تعد إيران واحدة من الدول التي لديها أعلى نسبة هجرة من بين 98 دولة فقدت نخبها بسبب (هذه) الهجرة”.
وفي أعقاب الاضطرابات الاقتصادية وعودة العقوبات الأميركية عام 2018، زادت هجرة الطلاب والناشطين خاصة في مجال الشركات الناشئة بشكل كبير، الوضع الاقتصادي للبلاد، وكذلك عدم استقرار الوضع السياسي، وتقييد مساحة الإنترنت في البلاد، فمن المحتمل أن نرى موجة جديدة من هجرة الإيرانيين، وفق مراقبين.
قرارات خاطئة:
أما بالنسبة الى قرار الحكومة بالتوقف عن توفير دولارات رخيصة لواردات المواد الغذائية، قال نجم آبادي، إنه في مثل هذه الحالة سيكون من الضروري توفير قسائم غذائية للأسر الفقيرة حتى تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها.
وافق البرلمان الإيراني على الخطوط العريضة للميزانية بإلغاء الدولارات الرخيصة للواردات الغذائية دون أي خطة احتياطية لمساعدة الملايين من الفقراء، مهدي أصغري، نائب في الحكومة، حذر من أن “عشرة ملايين أسرة سقطت تحت خط الفقر” وأن وقف الدعم سيحدث صدمة للكثيرين ممن لن يكونوا قادرين على تحمل شراء حتى “الخبز والجبن” بينما قال معين الدين سعيدي، نائب آخر، إن الناس العاديين لن يكونوا قادرين على الأكل.
يؤكد مسؤولون إيرانيون مراراً ارتفاع عدد الفقراء في بلد يُعد من أغنى بلدان الشرق الأوسط، الخطط غير المدروسة وسوء الإدارة أدتا الى فشل وضعف الاقتصاد مما ألقى بظلاله على المواطن البسيط.
حتاما.. وحسب بعض المسؤولين، فإن “وضع الإيرانيين سيئ للغاية، و”يلزم الحكومة “بخرق حتى القواعد والمبادئ الأساسية ومساعدة الشعب، وإذا لم تفعل الحكومة ذلك، فقد يحدث شيئا لا يجب أن يحدث، وأصبحت الظروف المعيشية اليومية للناس أكثر تأزما، وبات تعدادا كبيرا من الناس يقعون تحت خط الفقر المدقع، مما يعني أنهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية