الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) – حضّت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين هينيس – بلاسخارت الثلاثاء الطبقة السياسية العراقية على الخروج من المأزق والتغلب على حالة الجمود السياسي الذي تمرّ به مؤسسات البلاد منذ أكثر من سبعة أشهر، محذّرة من مخاطر حصول اضطرابات شعبية.
وقالت هينيس – بلاسخارت في تصريح لصحافيين، عقب جلسة دورية لمجلس الأمن الدولي حول العراق، إنّها دائما ما تسعى لرؤية الجانب الإيجابي من الأمور، “لكن حان الوقت لإحداث تغيير ولارتقاء القادة السياسيين العراقيين إلى مستوى أعلى”.
وأضافت “مازال العراقيون بانتظار طبقة سياسية تسعى، بدلا من الاكتفاء بمعارك السلطة التي عفّى عليها الزمن، إلى أن تشمر عن سواعدها لإحراز تقدم بتحقيق القائمة الطويلة من الأولويات المحلية المعلقة في العراق. ما الذي يتطلبه الأمر لإدراك أن هذا وضع من المتعذر الدفاع عنه على الإطلاق؟”.
ويعيش العراق انقساما سياسيا جراء خلافات بين القوى الفائزة بمقاعد برلمانية بشأن رئيس الوزراء المقبل وكيفية تشكيل الحكومة، كما تسود الخلافات بين الأكراد بشأن مرشح رئاسة الجمهورية.
ويسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية من خلال استبعاد بعض القوى منها، وعلى رأسها ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وهو ما تعارضه القوى الشيعية ضمن “الإطار التنسيقي” المقربة من إيران، التي تطالب بتشكيل حكومة توافقية على غرار الحكومات السابقة، القائمة على نهج المحاصصة داخل مؤسسات الدولة وفقا للأوزان الطائفية وليست الانتخابية.
وهاجم الصدر مؤخرا الإطار، قائلا “كلا وألف كلا، لن أتحالف مع الثلث المعطل لأن أفعال الثلث المعطل مشينة”، مؤكدا أن قوى الثلث المعطل في البرلمان العراقي “عطلت القوانين ولقمة الشعب العراقي”، في إشارة إلى موقف الإطار التنسيقي من مشروع الأمن الغذائي.
وكان الصدر أعلن قبل ذلك أنه تحول إلى المعارضة الوطنية لمدة ثلاثين يوما، بعد الإخفاقات المتكررة في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وحذّرت المبعوثة الأممية من زيادة السخط الشعبي الذي قد يخرج عن السيطرة في أي لحظة مع استمرار حالة الانسداد السياسي في العراق، وقالت “لا يمكن أن نسمح بالعودة إلى الأوضاع التي شهدناها في أكتوبر 2018″، في إشارة إلى التظاهرات الدامية التي شهدتها البلاد.
وشدّدت هينيس – بلاسخارت مرارا أمام مجلس الأمن على “أهمية الخروج من المأزق السياسي” الذي يشهده العراق منذ نهاية العام الماضي، والذي تقول إنه يثير نقمة شعبية.
وأشارت إلى تفاقم الأوضاع في البلاد من جراء “التداعيات المستمرة للجائحة والتوترات الجيوسياسية العالمية”.
وشدّدت على ضرورة أن “تسود نية صادقة وجماعية وعاجلة لحلّ الخلافات السياسية، لكي تتمكّن البلاد من المضيّ قدما والاستجابة إلى احتياجات أبنائها”.
وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الانتخابات التشريعية، لا تزال المؤسسات العراقية تشهد شللا، مع فشل مجلس النواب أكثر من مرة في تحقيق جلسة نصاب قانوني لتمرير مرشح رئاسة الجمهورية الذي يتطلب حضور 220 نائبا، مما دفع المشهد العراقي نحو الانسداد السياسي وتوقيف عقارب الزمن، والتي بموجبها دخلت البلاد في خرق للتوقيتات الدستورية الملزمة لاستكمال تشكيل الأضلاع الثلاثة للدولة.
وبانتظار الخروج من المأزق يستمرّ الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، المرشّح لولاية جديدة، ورئيس الوزراء مصطفى كاظمي بتسيير الأعمال.
وقالت الممثلة الأممية إن العراق يرفض فكرة معاملته بمثابة الفناء الخلفي للمنطقة، حيث ينتهك الجيران وغيرهم بشكل متكرر سيادته وسلامة أراضيه.
وأضافت حول الهجمات الصاروخية التي شهدها العراق مؤخرا، أن “دبلوماسية الصواريخ هي أفعال متهورة، مع ما قد يترتب عليها من عواقب مدمرة محتملة”، مشددة على أن “العراق ليس بحاجة إلى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماء”.
أما بشأن العلاقة بين بغداد وأربيل، فدعت المسؤولة الأممية كافة الأطراف المعنية إلى الاسترشاد بروح الشراكة والتعاون، بما في ذلك ما يخص الحكم الصادر مؤخرا عن المحكمة الاتحادية العليا بشأن قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، الثلاثاء الماضي أمرا يلزم حكومة إقليم كردستان بتسليم كامل النفط المنتج على أراضيه إلى الحكومة الاتحادية.
كما تضمّن الحكم الذي نشر على موقع المحكمة “إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادية بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه”.
وحول الانتخابات في الإقليم، قالت بلاسخارت إنه من الأهمية بمكان تهيئة الساحة الانتخابية، مع تمتع جميع الجهات الفاعلة السياسية، الكبيرة منها والصغيرة بتكافؤ الفرص، بمعنى توفير بيئة انتخابية مواتية. وأشارت إلى أن تعمق الانقسامات السياسية أثر سلبا على سكان إقليم كردستان.
وبشأن الوضع في سنجار، أشارت الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق إلى ما شهدته المنطقة من محن مروعة، بلغت ذروتها في الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش.
وقالت بلاسخارت “اليوم، بينما يحتاج السكان المحليون بشكل عاجل إلى إعادة بناء حياتهم، لا يزالون يواجهون عقبات غير معقولة. عقبات بسبب الخلاف على الترتيبات الأمنية وتقديم الخدمة العامة والإدارة الموحدة”.
وأضافت أن الافتقار إلى آليات تنسيق وتنفيذ واضحة وهيمنة المصالح الحزبية والوجود المستمر للمفسدين، يعوق بشكل كبير إحراز تقدم ملموس.
وأشارت إلى اندلاع الاشتباكات مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة، مما أسفر عن نزوح العائلات في سنجار إلى إقليم كردستان بحثا عن المأوى. وجددت التأكيد على ضرورة أن تكون سلامة وأمن أهالي سنجار أولوية.
وقالت “يتعين على بغداد وأربيل تحمل مسؤوليتهما، والعمل معا بشكل عاجل لتحسين حياة الناس على الأرض وتعزيز العودة الطوعية الكريمة للنازحين إلى ديارهم”.
العرب