لأول مرة منذ بداية الأزمة السياسية الحالية التي يشهدها العراق، منذ ما يزيد على ستة أشهر، تظهر مواقف معلنة لفصائل مسلحة حليفة لإيران، وأخرى مرتبطة بالتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتتعلق تحديداً بأزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
التدخل، الذي حمل تلميحات واضحة للأجنحة المسلحة في العراق، وانحاز إلى طرفي الأزمة، أثار مخاوف المراقبين من ارتدادات أمنية سلبية على أمن البلد عموماً، وتحديداً العاصمة بغداد الهش أساساً، حيث تتركز مقرات أكثر من 50 فصيلاً مسلحاً فيها.
وبعد ساعات من كلمة للصدر أعلن فيها رفضه التحالف مع “الإطار التنسيقي”، متهماً إياه بالاستقواء بالخارج، و”التكالب”، لإفشال مشروع حكومة الأغلبية الوطنية، وأنه لن يقبل بعودة المحاصصة الطائفية لتشكيل الحكومة الجديدة، أصدرت ما تعرف بـ”الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية” بياناً، قالت فيه إنها ترى أن الخلافات السياسية تتصاعد، على عكس ما كانت تأمله وهناك تشبث بالموقف.
وتضم “الهيئة” نحو 10 فصائل مسلحة رئيسية، أبرزها “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”، و”كتائب سيد الشهداء”، و”الإمام علي”، و”بدر”، و”جند الإمام”.
وأضاف البيان أن “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية تخشى من أن هذا الأمر سينعكس على المجتمع العراقي، بسبب التشدد غير المعهود، ما يستوجب الاحتكام إلى المنطق، والعقل، والمرونة، في طرح الأفكار، والمبادرات، للخروج من الأزمة“.
مسؤول الجناح المسلح للتيار الصدري يتوعد
وبين البيان أن “فصائل المقاومة تهيب بالجميع عدم الانجرار إلى التشنج، الذي قد يهلك الحرث والنسل، ويقود البلد إلى فتنة عمياء لن يسلم منها أحد، وعندها لن ينفع النادمين ندمهم”.
وعقب البيان الذي اعتبر موجها للتيار الصدري، وزعيمه مقتدى الصدر، نشر المسؤول العام عن جماعة “سرايا السلام”، الجناح المسلح للتيار الصدري، أبو مصطفى المحمداوي، على حسابه في موقع “تويتر”، موقفاً اعتبر رداً على موقف الفصائل المسلحة، الحليفة لإيران، في “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية”.
وقال المحمداوي، في الرد: “جاهزون فانتظرونا”. بينما نشرت قيادات في التيار الصدري صوراً استعراضية للفصائل المسلحة التابعة للصدر، ومنها “سرايا السلام” و”لواء اليوم الموعود” الذي قال الصدر في وقت سابق إنه قرر حله.
ووجه زعيم مليشيا “كتائب الإمام علي” شبل الزيدي انتقادات غير مباشرة لموقف الصدر، واستخدم، في تغريدة أمس الأول، عبارة “صاحب الطوبة”، التي ترتبط بالتراث الشعبي العراقي، أي الذي يملك كرة القدم ويفرض شروطه على من يريد أن يشارك باللعبة، ومن يريد استبعاده منها، وفي حال تم رفض ذلك “يُخرّب اللعبة”. واعتبر أن “الزمن تغير، وكثرت ساحات اللعب، وأصبحت الكرات كثيرة”.
نشرت قيادات في التيار الصدري صوراً استعراضية للفصائل المسلحة التابعة للصدر
وحذّر وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري من أن العراق بات في “مأزق سياسي وأمني خطير”. وقال، في بيان نشرته وسائل إعلام محلية، إن “الرئاسات الثلاث فشلت في تجنب ما وصلت إليه الأمور، بسبب مصالحها النفعية ورفض الاستحقاق الانتخابي، وانجرار القضاء إلى قرارات منحازة”.
وأضاف زيباري: “هؤلاء لا يدركون خطورة الوضع. لا بد من مراجعة من قبل الجميع واتخاذ خطوة إلى الوراء لإنقاذ الوطن”. وذكر باحتمال عودة الاحتجاجات مرة أخرى بسبب الوضع الحالي وتفاقم مشاكل العراقيين.
دخول الفصائل العراقية على خط أزمة الحكومة مؤشر خطير
وقال الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني إن “دخول الفصائل المسلحة على خط الأزمة السياسية مؤشر خطير، وقد تكون محاولة إبراز، أو استعراض قوة خاصة من جانب خصوم الصدر، حيث بدا بيان ما يعرف بالهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية إلى جانب الإطار التنسيقي”.
واعتبر الحمداني، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “رئيس الحكومة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، يتحمل جانباً من المسؤولية، على اعتبار أن تلك الفصائل منضوية ضمن الحشد الشعبي، الذي هو أساساً جهاز أمني لا يحق له التدخل بالسياسة ولا بالأزمة الحاصلة”.
ووفقاً للحمداني، فإن “حزمة المواقف التي صدرت عن الجماعات المسلحة أثارت قلقاً كبيراً لدى المراقبين وحتى الشارع، وقد يكون حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة أفضل بكثير من استمرار التوتر بهذا الشكل”. واعتبر أن “التلويح بالسلاح يؤكد على ضرورة معالجة مشكلة المليشيات، قبل التفكير ببناء دولة مؤسسات قوية في العراق”.
الصدر يتعرض لاستفزازات كثيرة
وقال عضو بارز في التيار الصدري، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ”العربي الجديد”، إن الصدر “يتعرض إلى استفزازات كثيرة، لدفعه إلى أخذ موقف متشنج أكثر”.
واتهم قوى “الإطار التنسيقي” بأنها “تهدف لتحجيم التيار الصدري، والسيطرة عليه ليس الآن فقط، بل مستقبلاً باعتباره مشروعاً وطنياً غير مستورد ونجح في الصمود أمام ضغوط الخارج”.
وحذر من أن “هناك محاولات لاستفزاز جمهور التيار الصدري، تحديداً في بغداد، والاحتكاك معهم منذ أيام، لكن قرارات صارمة صدرت عن قيادة التيار الصدري لكل القيادات والأعضاء بعدم الانجرار نحو الصدام، ووقف أي تصريحات يُفهم أنها رد فعل على أي تهجم أو انتقاد للصدريين”.
واعتبر العضو البارز في التيار الصدري أن أقصى ما يمكن أن يقوم به الصدريون الآن هو ترك أزمة تشكيل الحكومة نهائياً، وعدم المشاركة فيها، لكنه لم يستبعد استخدام الصدر ورقة الشارع، والتحشيد لتظاهرات مليونية في بغداد وعدد من المدن، للتأكيد على تأييد الشارع لمشروع حكومة الأغلبية الوطنية، وهو أسلوب اعتمده الصدر في كثير من الأزمات السياسية السابقة.
واعتبر نائب زعيم جماعة “حركة الأبدال”، أحد الفصائل المسلحة الحليفة لطهران في العراق، كمال الحسناوي، التصريحات الصادرة عن الجماعات المسلحة بأنها “إبداء مواقف سياسية عادية”.
لا صدام مسلحاً بين الفصائل العراقية
وأضاف الحسناوي، متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أنه “لن يكون هناك أي صدام مسلح، وسلاح الفصائل لا يستخدم في ما بينها، ويجب عدم القلق من المواقف الأخيرة، رغم الاختلاف في التوجهات السياسية الحالية. نحن ندعم حل الخلافات السياسية وفق الحوار والتفاوض بعيداً عن لغة التهديد والتلويح بالقوة”. وتحدث عن “علاقات طيبة مع قيادات وأعضاء التيار الصدري، ولا يمكن أن تصل الأمور بيننا إلى أي صدام أو حتى احتكاك”.
حذر عضو بالتيار الصدري من محاولات لاستفزاز جمهور التيار في بغداد
في المقابل، قال عضو تحالف “الإطار التنسيقي”، النائب أحمد الموسوي، لـ”العربي الجديد”، إنهم يعملون “على إبعاد الملف الأمني عن الصراع السياسي الحالي، حتى لا تكون له تأثيرات سلبية قد يستغلها البعض لتحقيق بعض أهدافه”.
واعتبر أن “مشروع إحداث فتنة بدأ منذ تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، من قبل أطراف خارجية ما زالت تعمل حتى اللحظة على إحداث صدام مسلح بين الفصائل واقتتال شيعي ـ شيعي”.
لكن السياسي المقرب من التيار الصدري مناف الموسوي حذر، في تصريح لـ”العربي الجديد”، من محاولات “لجر جمهور التيار الصدري نحو الصدام مع جماهير القوى السياسية والفصائل المسلحة المرتبطة بها، بهدف إشعال فتنة”.
وأكد أن “التيار الصدري وزعيمه لن ينجرا إلى مثل هذه المساحات، وهدف حكومة الأغلبية هو مشروع إصلاح لجميع العراقيين، وليس لجمهور التيار فقط”.
وتتواصل الأزمة السياسية غير المسبوقة في العراق منذ ما يزيد عن ستة أشهر، عقب إجراء الانتخابات التشريعية التي أفرزت فوز التيار الصدري بفارق كبير عن أقرب منافسيه من قوى “الإطار التنسيقي”، الحليف لإيران.
ويُصر الصدر، الذي نجح في استقطاب قوى سياسية عربية سنية وأخرى كردية ضمن تحالف أطلق عليه اسم “إنقاذ وطن”، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، في الوقت الذي ترفض فيه القوى المدعومة من طهران، والمنضوية ضمن “الإطار التنسيقي”، الذي يتكون من عدة كتل، أبرزها “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، تشكيل حكومة توافقية، على غرار الحكومات السابقة القائمة على نهج المحاصصة داخل مؤسسات الدولة وفقاً للأوزان الطائفية وليس الانتخابية.
العربي الجديد