بيروت – تعهدت خطة إنقاذ قدمتها الحكومة اللبنانية الجمعة بإعادة بعض المدخرات بالدولار إلى المودعين الذين خسروا أموالهم خلال الأزمة التي عاشتها البلاد في الأشهر الأخيرة.
وقالت الخطة إنها ستعمل على “حماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار”، لكنها لم تحدد الحد الأدنى للمبلغ المطلوب حمايته، خلافا لمشاريع الخطط السابقة. وأضافت أن الحكومة ستوحد سعر الصرف الرسمي وتنهي وجود أسعار صرف مختلفة.
وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي خلال جلسة إقرار الخطة “سنضمن الودائع لصغار وكبار المودعين في البنوك”.
ومن شأن هذه الخطة أن ترسل إشارات إيجابية إلى الجهات المالية الدولية، وإلى الدول المانحة التي تأمل أن توفر نتائج الانتخابات دفعا جديدا يساعد على إجراء إصلاحات جدية للخروج من حالة الانهيار شبه التام في البلاد.
ولا يُعرف إلى حد الآن كيف ستقابل الأحزاب والكتل البرلمانية الجديدة هذه الإصلاحات؛ هل ستدعمها أم ستسعى لعرقلتها حتى لا تسمح بوجود تغييرات خارجة عن إرادتها؟
هل سيحصل توافق في البرلمان الجديد حول دعم الخطة أم عرقلتها، خاصة أن الدعم الخارجي سيظل مرتهنا بتنفيذها
وأدى الانهيار إلى عدم تمكن المودعين من الحصول على مدخراتهم وفقْد العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها. ورفضت جمعية مصارف لبنان مسودة سابقة للخطة في فبراير، قائلة إنها ستؤدي إلى فقدان الثقة في القطاع المالي.
وكانت المصارف اللبنانية مقرضا رئيسيا للحكومة طيلة عقود من الزمن، إذ ساعدت على تمويل دولة شاب ممارساتها الإسراف والفساد وتعرضت للانهيار المالي في عام 2019.
وشرع المودعون منذ أشهر في رفع دعاوى قانونية متهمين المصارف بالإهمال والاحتيال وسط مخاوف من تبدد مدخراتهم. لكن المصارف أكدت مرارا أن الودائع في أمان.
وفرض القطاع المصرفي طيلة أشهر قيودا متصاعدة على سحب الأموال، حيث لا يمكن للزبائن في بعض المصارف سحب أكثر من 800 دولار شهريا. ولم يتمكن أصحاب الودائع بالدولار من إجراء سحوبات نقدية إلا بتحويلها إلى الليرة وبسعر صرف أدنى بكثير من المتداول به في السوق السوداء.
وتقول خطة التعافي الحكومية التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني الجمعة إن الحكومة ستقوم بإلغاء “جزء كبير” من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف التجارية وحل المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية نوفمبر 2022.
وأقر المجلس الخطة قبل ساعات من تحويل الحكومة إلى تصريف الأعمال عقب انتخاب برلمان جديد في الخامس عشر من مايو. وتشمل الإصلاحات كذلك خططا لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ضمن إجراءات أساسية لإفراج صندوق النقد الدولي عن تمويل مطلوب.
وتوصل لبنان في أبريل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من “تسهيل الصندوق الممدد” لمدة 46 شهرا، وطلب لبنان بموجبه الوصول إلى ما يعادل نحو ثلاثة مليارات دولار.
ويقول مراقبون إن جدوى هذه الخطة لن يكون مرتبطا بما جاء فيها من إصلاحات، وإنما بالمناخ السياسي الذي سيتم تنفيذها فيه، ولا يعرف ما إذا كان سيحصل توافق في البرلمان الجديد حول دعمها أم ستتم عرقلتها، مشيرين إلى أن الدعم الخارجي للبنان سيظل مرتهنا بالدعم السياسي لهذه الخطة.
ورحبت الولايات المتحدة الجمعة بإجراء انتخابات نيابية في لبنان، ودعت الطبقة السياسية إلى أن “تشكل سريعا” حكومة قادرة على “إنقاذ الاقتصاد وإعادة الثقة” في هذا البلد الذي يشهد أزمة غير مسبوقة.
وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان “نهنئ اللبنانيين بمشاركتهم (في عملية الاقتراع) رغم الظروف الصعبة”، مشيدا أيضا بقوات الأمن لحفاظها على الأمن. وأضاف “نحض النواب والقادة السياسيين في البلاد على الإصغاء إلى دعوة اللبنانيين من أجل التغيير والعمل بجدية وبشكل عاجل على الإجراءات اللازمة لإنقاذ الاقتصاد”.
وتتوقع خطة الإنقاذ المالية اللبنانية كذلك إجراء مراجعة كاملة للوضع المالي للمصرف المركزي بحلول يوليو. وجاء في الخطة “سنلغي بداية، جزءا كبيرا من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وذلك لتخفيض العجز في رأس مال مصرف لبنان”.
كما جاء في الخطة “تحديد حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة وإعادة صياغة ميزانياتها. نعمل على إجراء تقييم لخسائر كل مصرف على حدة وتحليل لبنية الودائع وهيكلية الودائع لأكبر 14 مصرفا (ما يمثّل 83 في المئة من الأصول) سوف تجريه لجنة الرقابة على المصارف بمُساعدة شركات دولية مرموقة، تشمل مشاركة مراقبة من الخارج. وسوف ينجز هذا التقييم بحلول نهاية أيلول (سبتمبر) 2022”. كما ستتم إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف من خلال “مساهمات كبيرة” من مساهمي المصارف وكبار المودعين.
العرب