أسفر لقاء متعدد الأطراف عُقد في فيينا في ٣٠ تشرين الأول/أكتوبر عن إصدار تصريح عن «التفاهم المشترك» مؤلّف من تسع نقاط حول كيفية وضع حدّ للعنف في سوريا «بأسرع وقت ممكن». ويسعى «إعلان فيينا» الذي يكمّل ويشير إلى “بيان جنيف ٢٠١٢” إلى تأمين آليّة أكثر شموليّة «للتقليص من مناطق الاختلاف المتبقية وبناء مناطق تفاهم»، وقد يكون ذلك بداية لإشراك مؤيدي المعارضة والنظام (بمن فيهم إيران للمرّة الأولى).
لكن في حين تعني الشمولية في سوريا بالضرورة درجة معيّنة من الالتباس – كما يتجلى ذلك في نصّ الإعلان – إلا أن إيجاد طريقة قابلة للتطبيق للخروج من الأزمة سيستلزم دقّة أكبر في مسألة المرحلة الانتقالية، لا سيّما بشأن وضع إطار زمني لاختبار روسيا ونظام الأسد. فعلى سبيل المثال، أغفل الإعلان الحالي كلمة «انتقال» لصالح «الحوكمة»، وفشل في الاعتراف بأنّ تسوية مستدامة هي شرط أساسي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» والمجموعات الإرهابية الأخرى. إنّ مثل هذا الغموض قد يسمح لروسيا وإيران بالمجادلة بأنّ «إعلان فيينا» يعطيهما الحق الدبلوماسي للسعي لإيجاد حلّ عسكري يستند على إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. ولن يسفر هذا السيناريو سوى إلى إدامة الحرب، وتغذية الإرهاب، وإنتاج المزيد من اللاجئين، والأرجح أنّه قد يؤدّي إلى تقسيم سوريا على المدى الطويل.
ثغرات «الإعلان»
في بعض النواحي، يبدو «إعلان فيينا» وكأنه تقدّم دبلوماسي. فسبعة عشر دولة (بما فيها إيران) قد انضمّت إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في التوقيع على تسع نقاط تفاهم هي:
١- الحفاظ على سلامة أراضي سوريا وطابعها العلماني (المرة الأولى التي تلقى فيها النقطة الأخيرة هذا الاعتراف).
٢- الحفاظ على مؤسسات الدولة.
٣- حماية الحقوق (في النص: الأقليّة) المدنية.
٤- تسريع الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
٥- ضمان ولوج المساعدات الإنسانية.
٦- هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» و«مجموعات إرهابية أخرى».
٧- تأسيس «حوكمة» من خلال انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة بناءً على “بيان جنيف” وقرار مجلس الأمن رقم ٢١١٨. ويحق للسوريين المنتشرين في الشتات والآخذين بالتزايد المشاركة في هذه الانتخابات التي ستحدّد القيادة الجديدة في البلاد (وهي النقطة التي أثارت مخاوف في دمشق).
٨- ضمان عملية سياسية بقيادة سورية.
٩- تطبيق وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد.
إلّا أن الإعلان يسوده الالتباس حول عملية الانتقال أكثر بكثير من “بيان جنيف”. فعلى سبيل المثال، تتناول النقطة السابعة بشكل مبهم العملية التي تقود إلى «حوكمة موثوقة وشاملة وغير طائفية» من دون ذكر كلمة «انتقال» أو آليّات مرتبطة. وخلافاً لذلك، تمحور “بيان جنيف” حول تأسيس «جسم حكومي انتقالي» يتمتّع بـ «سلطات تنفيذية كاملة» ويتضمن «أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى». وعلى الرغم من أنه سمح شمل أعضاء النظام في المرحلة الانتقالية، منع “[بيان] جنيف” إمكانية وجود نوع من عملية «إصلاح» يقودها الأسد ويسعى إليها داعموه في الوقت الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعيد «إعلان فيينا» التشديد على دعوة جنيف إلى عملية حوار وطني وعلى إطلاق السجناء السياسيين، وحرّية التنقل للصحفيين، والحق بالتظاهر- جميعها شروط مسبقة لعملية انتقال حقيقية. كما يغيب عن «إعلان فيينا» جدول زمني للانتقال. ومن المقرّر أن تُستأنف المحادثات بعد أسبوعَين، ومن المرجح أن تتبعها اجتماعات أخرى، لذلك فإن وضع جدول زمني يُعدّ أمراً ضرورياً لتحديد ما إذا كانت روسيا – راعية الأسد الأهمّ حالياً على طاولة المفاوضات – قادرة ومستعدّة لتأمين انتقال حسن النيّة. لكن خلافاً لذلك، سيكون الموعد النهائي الافتراضي عام ٢٠٢١، عندما تنتهي ولاية الأسد الحالية بعد «إعادة انتخابه» العام الماضي. كما لم يتمّ ذكر أشكال الانتقال – في حين يذكر الإعلان أنّه يجب عدم المسّ بمؤسسات الدولة في سوريا وأنّ نقل السلطات التنفيذية إلى جسم حكومي انتقالي سيكون أساسياً، لا سيّما فيما يخصّ الأجهزة الأمنية.
يتعين على المجتمع الدولي التعقّل أيضاً حول أي نوع من الانتخابات هو ممكن حقاً في سوريا، وتحت أي نوع من الإشراف. فالنظام الحالي هو أحد أكبر المتلاعبين بالانتخابات في العالم، حيث فاز الأسد بنسب مثيرة للضحك وهي ٩٤.٦ في المائة خلال انتخابات عام ٢٠٠٠، و ٩٧.٦ في المائة في عام ٢٠٠٧، و ٨٨.٧ في المائة في العام الماضي. كما أنّ الأصوات البرلمانية لصالح مؤيديه في حزب البعث الذي يترأسه هي أمر مؤكّد أيضاً. وهذا يعني أنّ أي خطّة تستند على حجّة «يبقى الأسد حتّى الانتخابات الجديدة» هي بالفعل صيغة لاستمرار حكمه. إن قيام حكومة جديدة تخلق مناخاً آمناً للنقاش العام والتعبئة هي وحدها التي تستطيع أن تضع الأساس لإجراء انتخابات جديدة على المستوى المحلّي، ومستوى المحافظات، وعلى المستوى الوطني. وكما في البوسنة وكوسوفو قبل سنوات، يتعيّن على الأمم المتحدة أن تسعى إلى التوصل إلى صيغة أكثر جدّية واستدامة من نصّ النقطة السابعة لـ «إعلان فيينا»: «وينبغي إجراء هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة لاستيفاء الحوكمة وبالتزام أعلى المعايير الدولية للشفافية والمحاسبة».
الخطوات المقبلة
إنّ تحديد عملية انتقالية بشكل صريح (كما ذُكر في “بيان جنيف”) ووضع جدول زمني حازم سيساعدان على تفادي الأخطاء التي ارتُكبت في العام الماضي عندما طغت تطوّرات المعارك على الدبلوماسية. ففي أوائل عام ٢٠١٤، وعندما توقّعت واشنطن «انتصار» النظام وأيّدت «تخفيف التصعيد» و«عمليّات وقف إطلاق النار المحلّية»، قدّم الممثّل الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا «خطّة التجميد» لحلب، والتي بموجبها قد يوقف النظام محاولته محاصرة المدينة مقابل وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات مع المعارضة. إلّا أنّ الخطّة قد فشلت، وذلك، وبشكل رئيسي، لأنّ النظام كان يفتقر للقوّة البشرية لاستعادة حلب والمناطق المختلفة ذات الغالبية السنّية حيث القوّات المعارضة هي الأقوى، والحفاظ عليها. وفي حين أن تدخّل روسيا قد دعم الأسد في الوقت الحالي، يبقى الافتقار إلى القوّة البشرية حقيقة لا سبيل لإنكارها، كما أنّ تغيير مجرى الأمور الدبلوماسية من «الانتقال» إلى «الحوكمة» لن يلطّف هذا النقص، ولن يترك أي بديل قابل للتطبيق في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض.
إنّ الاتفاق على هذه المسائل قد يتطلّب أكثر من جولة واحدة من المفاوضات. وعلى الرغم من أنّه من غير الواضح ما إذا كان حلفاء الأسد سيقنعونه فعلاً بمثل هذه التسوية، يجب اختبار استعدادهم للمحاولة. وبالنسبة إلى إيران، لا تزال هناك أسئلة حول توكيل وزارة الخارجية للتفاوض على انتقال حقيقي نظراً إلى أنّه لدى “مكتب المرشد الأعلى” و «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» أسبقية في السياسة السورية وقد استثمرا الكثير من الدماء والأموال في الحفاظ على نظام الأسد. وفي خلال ذلك، حشر الأسد إنفه في المعارضة خلال محاولات التفاوض على تسوية في موسكو، وكان آخرها في نيسان/أبريل.
يجب القيام باختبارات أخرى على أرض المعركة: وتدّعي روسيا أنّ تدخّلها يهدف إلى محاربة الإرهابيين، لذلك يجب على قوّاتها الامتناع عن ضرب مجموعات لا يعرّفها مجلس الأمن الدولي على هذا النحو. كما أنّ دور موسكو العسكري يضعها في موقع خاصّ للضغط على الأسد لوقف الهجمات على المناطق المليئة بالمدنيين (بما في ذلك من خلال استخدام البراميل المتفجّرة) والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا. إنّ كلا الجهديْن قد يعملان كتدابير بناء ثقة قصيرة الأمد لتسهيل الدبلوماسية على التوصّل إلى اتّفاق حول قيام وضع نهائي مستقر. ومن دون اتّفاق كهذا وخطّة للتوصّل إليه، لن تطيل الحرب المعاناة البشرية وتهجّر المزيد من الناس فحسب، بل قد تصبح أيضاً آليّة لتقسيم سوريا الدائم إلى مناطق يسيطر عليها النظام وملاذات إرهابية آمنة ودائمة.
وأخيراً وليس آخراً هي أهمّية النقطة قبل الأخيرة للإعلان، بأن: « سوريا هي التي تملك وتقود هذه العملية السياسية، والشعب السوري هو من يحدد مستقبل سوريا». ينبغي على الجولات التالية من المحادثات أن تتشاور مع أوسع دائرة ممكنة من السوريين غير أولئك الذين يُدانون عالمياً كإرهابيين. لقد ولّت الأيّام التي كان فيها وضع حدّ للحرب يستلزم مفاوضات ثنائية ما بين النظام وكيان واحد معارض. على الإعلانات المستقبلية أن تنصّ على أنّه يجب على أيّ حلّ للأزمة أن يتمّ قبوله بشكل واسع كحلّ شرعي وملائم من قبل هذه الدائرة الواسعة من السوريين، وإلّا لن يكون «الحلّ» سوى قطعة فارغة من الورق.
آندرو تابلر
معهد واشنطن