في شهر تموز/ يوليو المنصرم كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قد تفاخر بأن جيش بلاده جرّب أكثر من 320 سلاحاً جديداً في سوريا منذ بدء التدخل العسكري لصالح النظام في أيلول/ سبتمبر 2015، وخصّ بالذكر سلاح المروحيات مشيراً إلى أن شركة «روست فيرتول» طورت واحدة من أفضل مروحياتها خلال العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الروسي في مواقع انتشاره على امتداد الأراضي الروسية.
يومئذ لم يتجاسر أي من الصحافيين المنصتين إلى شويغو على سؤاله إن كان الجيش الروسي قد استفاد من خبرات جيش النظام السوري على أي نحو، فالأمر غير وارد منطقياً بالقياس إلى فوارق لا تعد ولا تحصى تنفي المقارنة أصلاً بين الجيشين من جهة أولى، كما أن هذا الطراز من الأسئلة يمكن أن يثير حفيظة شويغو وقد ينطوي على إهانة لقدرات صناعة الأسلحة الروسية من جهة ثانية.
لكن الحال تغيرت تماماً بعد الاجتياح الروسي في أوكرانيا وصار سؤال تبادل الخبرات بين جيش الأسد والجيش الروسي حقيقة واقعة على الأرض، تتجاوز التقارير التي تحدثت وتتحدث عن استمرار تجنيد آلاف من السوريين للعمل كمقاتلين مرتزقة في أوكرانيا، سواء ضمن صفوف الوحدات النظامية الروسية، أو في عداد ميليشيات «فاغنر» المقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً. المؤشرات الجديدة، كما كشفت النقاب عنها صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخراً، تفيد بأن المئات من «خبراء» النظام السوري المتخصصين في صناعة البراميل المتفجرة وصلوا إلى روسيا منذ أسابيع، ويستعدون للمشاركة بإطلاق حملة تدمير براميلية في أوكرانيا.
صحيح بالطبع أن هذا السلاح البدائي، رخيص الثمن وعالي التدمير وعشوائي التوجيه، ليس من اختراع النظام السوري إذْ سبقته إليه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ إنشاء الكيان، وكذلك فعلت الولايات المتحدة في فييتنام، والجيش السوفييتي ذاته في أفغانستان، ونظام عمر البشير ضدّ أهالي دارفور وكردفان. لكن الأصح في المقابل أن «خبراء» جيش النظام السوري اضافوا إليه عدداً من «التحسينات» أبقت على الكثير من بدائيته وعشوائيته، لكنها نوّعت الحشوات المتفجرة بما يفوق عبوات الديناميت والمواد المتفجرة إلى غاز الكلور والمسامير والخردة المعدنية والسوائل شديدة الاشتعال.
ومن الواضح أن الجيش الروسي في حاجة إلى هذه «الخبرات» على وجه التحديد، لسبب أول هو أن استيرادها على هذه الشاكلة يجعلها قابلة للاستخدام الفوري من دون حاجة إلى تدريب أو تأهيل، ولسبب ثانٍ منطقي هو أن الصناعة العسكرية في روسيا أكثر انشغالاً بتطوير أنواع أخرى من الأسلحة المعقدة المتقدمة من أن تنخرط في تأهيب سلاح بدائي مثل البرميل المتفجر. وبهذا المعنى فإنّ التعاون البراميلي بين الكرملين والنظام السوري هو واحد من ميادين توظيف التدخل العسكري الروسي في سوريا، حتى إذا لاح أنه بين الأكثر ابتذالاً بالمقارنة مع مكاسب جيو – سياسة واقتصادية وعسكرية واستثمارية أخرى تجنيها موسكو.
وهذه وجهة أخرى للتذكير بالأثمان الراهنة والآتية التي يدفعها الغرب نتيجة السكوت عن المشروع الروسي في سوريا، بما في ذلك تواطؤ بعض الدول على تشجيعه وتسهيل عملياته.
القدس العربي