تداعيات الانسحاب الجزئي الروسي من سوريا والأهداف الإيرانية

تداعيات الانسحاب الجزئي الروسي من سوريا والأهداف الإيرانية

تداعيات الصراع الروسي الأوكراني لا يتعلق فقط بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الاوروبي بل يمتد حيث التواجد والنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ومنها التواجد الروسي على الأرض السورية منذ ايلول عام 2015 وما النتائج التي ستؤول إليها ومنها مستقبل الدور الإيراني ومديات الصراع القائم بين طهران وتل أبيب حول التحركات والتموضعات العسكرية والأمنية للنظام الإيراني داخل الأراضي السورية والتي ترى فيها حكومة تل أبيب خطرا أمنها على تواجدها في المنطقة ، وامام هذا المنعطف المهم على الساحة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي العربي بمجمل أركانه وأهدافه فإن الصراع الذي ستشهده المنطقة هو مزيد من الانتشار العسكري الإيراني الذي سيعمل على احتواء الفراغ الأمني بعد أي انسحاب جزئي للقوات الروسية من بعض المواقع والمطارات العسكرية السورية وهي التطورات التي أصبحت محل اهتمام ومتابعة ميدانية جادة من قبل القوات الإسرائيلية لمجمل النشاطات الميدانية الإيرانية من حيث التمدد والانتشار ووجود منظومات الدفاع الجوي والمعدات العسكرية الثقيلة والتي جوبهت بعمليات عسكرية مستمرة من قبل القوات الإسرائيلية على القوات والمليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية .
بعد اشتداد المواجهة بين روسيا وأوكرانيا بدأت عملية إعادة تم وضع القوات الروسية داخل سوريا في شهر آذار عام 2022 في نقاط مهمة منها قاعدة حميميم العسكرية ومطارات القامشلي ودير الزور والتيفور ومطار التيرب العسكري، وبدورها قامت المليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهي حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية وحزب الله العراقي وكتائب فاطميون الأفغانية بالسيطرة على بعض هذه الأماكن المهمة بعد انسحاب القوات الروسية منها .
أصبحت الأرض السورية في حالة تبادل وانتشار جديد لقوات ومليشيات النظام الإيراني صاحبها ازدياد في العمليات العسكرية من قبل تل أبيب باستمرار ضرباتها الصاروخية والجوية على المقرات والمواقع الإيرانية الجديدة.
شعرت القيادة السورية بالاهتمام الروسي في أوكرانيا لهذا جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران في الثامن من أيار 2022 لتعطي انطباعا سياسيا وامنيا واقتصاديا على اشتياق الأحداث القادمة في سوريا وطبيعة الدعم الروسي الذي بدأ يتأثر بالأحداث التي تمر بها موسكو ، ولهذا تمثلت نتائج الزيارة بإعادة فتح خط الائتمان الإيراني الذي يساهم في حصول سوريا على تسهيلات مالية لاستيراد سلع ومواد غذائية ايرانية أو من بعض الأسواق العالمية نقابل حصول إيران على امتياز لاستخراج الفوسفات من المناجم الواقعة شرق الأراضي السورية بعدما كانت حكرا على الشركات الروسية ومساهمة إيران في شركة سوريا القابضة التي تدير منطقة تفريغ الحاويات في ميناء اللاذقية.
رغم أن روسيا عملت ومنذ دخولها الأراضي السورية على منع تعزيز الدور الإيراني في المواقع العسكرية المهمة وشكلت مجموعات مسلحة بعيدة عن الحرس الثوري الإيراني ومنها ( قوات فاغنر) وهي مجموعة شركات روسية يعتمد عليها الجيش الروسي في الميدان السوري ومنعت العديد من القادة العسكريين السوريين المواليين للنظام الإيراني من السيطرة على الجيش السوري، ولكن الأحداث الأخيرة التي تمر بها موسكو جعلت نفوذها اقل تأثيرا ولهذا نرى أن هناك تغييرات حدثت في مواقع للقيادات العسكرية السورية والتي تحظى بعلاقة جيدة مع طهران .
وعلى الواقع الميداني بدأت بعض المليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية بالسيطرة على مخازن الأسلحة والمعدات الثقيلة بمنطقة( مهين العسكرية ) بداية شهر نيسان 2022 وبعد انسحاب القوات الروسية منها إلى مطار تدمر العسكري الذي أصبح تحت سيطرة المليشيات في 15نيسان2022 .
تبقى الأحداث قائمة بصورة متواترة وستشهد الجبهات العسكرية القريبة من الحدود السورية مع تل أبيب العديد من الفعاليات العسكرية والضربات الصاروخية والجوية التي تستهدف المليشيات والقوات الإيرانية.
ان عملية الانسحاب الجزئي للقوات الروسية ستؤدي إلى تغيير المعادلات الميدانية على الأرض السورية وستشهد تغييرات عديدة على المشهد السياسي والعسكري بسبب التوسع والتواجد الإيراني الذي يتطلب منه جهدا عسكريا ولوجستيا يتمثل بالحصول على الإمدادات التسليحية والمادية والاقتصادية وما يتعلق بالمؤن الغذائية وإسناد حركة وتموضع قواته ومليشياته المسلحة وتأمين الطرق الرئيسية لتحقيق هذه الاغراض والأهداف الميدانية وهذا ما سيؤدي إلى مواجهة وممانعة عديدة من أطراف إقليمية ودولية خاصة وأن الطرق قد لا تصبح مؤمنة بصورة كاملة عبر الحدود العراقية السورية المشتركة بسبب المتابعة الجوية الأمريكية وحركة قوات سورية الديمقراطية وفعالية الجهد العسكري التركي.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية