عملية تسليم وتسلّم في شمال سوريا.. لصالح من

عملية تسليم وتسلّم في شمال سوريا.. لصالح من

 

أنقرة – تحاول أطراف مختلفة، من بينها تركيا والولايات المتحدة، أن تستغل انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا لفرض واقع جديد على الأرض. وهو ما انتقده نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي حين قال إنه لا يرى أي داع للاستمرار في تسليم المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، متهما الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف لتقديم المساعدات عن طريق دمشق والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكرة” لتحسين حياة الملايين من السوريين.

ويقول مراقبون إن تركيا تريد استغلال تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا، وسط حديث عن أن موسكو نقلت جنودا وآليات إلى هناك ما ترك فراغا أمنيا شجع تركيا على إنشاء منطقة آمنة تكون بمثابة “الدولة” التي تفصل بينها وبين سوريا، وفي نفس الوقت تأتمر بأوامر أنقرة وتنفذ أجندتها.

واعتبرت دمشق أن تصريحات أردوغان حول إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا “تكشف الألاعيب العدوانية التي يرسمها هذا النظام ضد سوريا ووحدة أرضها وشعبها”.

وأكّدت وزارة الخارجية السورية في بيان لها أنّ “إنشاء مثل هذه المنطقة لا يهدف إطلاقاً إلى حماية المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا”، كاشفةً أنّ “الهدف الأساسي استعماري، ويهدف إلى إنشاء بؤرة متفجرة تساعد بشكل أساسي على تنفيذ المخططات الإرهابية الموجهة ضدّ الشعب السوري”.

تركيا تريد استغلال تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا لفرض منطقة آمنة تكون بمثابة “الدولة” التي تفصل بينها وبين سوريا

واعتبر المراقبون أن قرار الأمم المتحدة تسليم المساعدات إلى السوريين من بوابة تركيا هو بمثابة دعم لمشروع أردوغان الذي يخطط من خلاله لإعادة توطين الملايين من اللاجئين السوريين في “المنطقة الآمنة” وتسليم الإشراف عليها إلى المعارضة الموالية لأنقرة، ومن بينها جماعات إسلامية متشددة.

وقال بوليانسكي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضية، “لا نوافق على استمرار الوضع الراهن بأي ثمن، ولا يمكننا غض الطرف عن حقيقة اغتصاب إرهابيي هيئة تحرير الشام (أقوى جماعة مسلحة في شمال غرب إدلب) للسلطة واستغلالها المساعدات الإنسانية”.

وحذر المراقبون من أن تمسّك الأمم المتحدة بإيصال المساعدات عبر بوابة تركيا هو بمثابة اعتراف بالسلطة الجديدة التي تريد أنقرة زرعها، وأن فيه إشارة إلى القبول بأنشطة أنقرة شمال شرق سوريا، وما قد تخطط له لاستهداف السلطة التي يقيمها الأكراد بدعم من الولايات المتحدة التي تبحث بدورها عن “تدويل” الاعتراف بهذه السلطة من خلال فتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية.

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي بالوكالة فيكتوريا نولاند قد قالت، خلال مؤتمر مراكش للتحالف الدولي ضد داعش، “إن واشنطن ستصدر رخصة عامة تحرر الشركات من قيود العقوبات الأميركية”.

وأضافت نولاند “الولايات المتحدة تعتزم خلال الأيام القليلة المقبلة إصدار رخصة عامة لتسهيل نشاط الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام والمحررة من تنظيم داعش في سوريا”.

وبحسب ما نقلته رويترز عن دبلوماسي أميركي فإن الترخيص سينطبق على قطاع الزراعة وإعادة الإعمار، لكنه لا ينطبق على النفط.

وتحدثت بعض المواقع الإخبارية عن أن روسيا بدأت تحرّك قواتها في سوريا للمشاركة في الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية.

وكانت أولى هذه التقارير من جانب صحيفة “موسكو تايمز” التي حجبتها هيئة مراقبة الاتصالات الروسية في السابع عشر من شهر أبريل الماضي، حيث قالت قبل أسابيع -وفق ما نقله موقع قناة “الحرة” الأميركية- إن “روسيا بدأت عملية سحب بعض قواتها من سوريا، للمساعدة على تعزيز قواتها في أوكرانيا”.

وأضافت الصحيفة التي تتخذ من هولندا مقرا لها أنه “تم نقل العديد من الوحدات العسكرية من قواعد في جميع أنحاء البلاد إلى ثلاثة مطارات متوسطية، حيث سيتم نقلها إلى أوكرانيا”، مشيرة إلى أن “القواعد التي تم التخلي عنها نقلت إلى الحرس الثوري الإيراني، وكذلك إلى جماعة حزب الله اللبناني”.

وسبق أن أشار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى هذه التغييرات في مقابلته الأخيرة مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر بقوله إن الوجود الروسي في جنوب سوريا كان يشكل مصدرا للتهدئة، مبينا أن “هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.

ويعتقد محللون سياسيون أن التحركات التركية الحالية شمال سوريا لم تتم من فراغ، وأن أردوغان وجد في انشغال سوريا فرصة لتحقيق ما عجز عنه حين كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مركّزا على سوريا.

وكان أردوغان كشف عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، في وقت تطالب فيه المعارضة بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا فورا معتبرة أن وجودهم فاقم معاناة الأتراك وحدّ من فرص العمل في البلاد.

ويتخوف الرئيس التركي من تصويت عقابي بسبب قضية اللاجئين السوريين، وهو ما قد يقلل من فرص فوزه وفوز حزبه العدالة والتنمية. وقال أردوغان إن نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016.

وأضاف “نحضّر لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”، وأن المشروع سيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، وأنه سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار هذا المشروع مثل المدارس والمستشفيات. وبيّن أن المشروع يتضمن جعل التجمعات السكنية المقرر تشييدها مكتفية ذاتيا من حيث البنية الاقتصادية التحتية، انطلاقا من الزراعة وصولا إلى الصناعة.

العرب