بعد انتخابات البرلمان.. هل يتجه لبنان نحو السيناريو العراقي؟

بعد انتخابات البرلمان.. هل يتجه لبنان نحو السيناريو العراقي؟

فرضت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تغيراً ملموسا في موازين القوى بالبرلمان، ما دفع بعض الخبراء للتحذير مما أسموه “عرقنة لبنان” وسط تخوف من “فراغ” حكومي ورئاسي، شبيه بما حل بالعراق مؤخراً.
ووفق نتائج الانتخابات باتت موازين الكتل البرلمانية وتحالفاتها موزعة بين عدة قوى سياسية، بعدما كان “حزب الله” (حليف إيران) والتيار “الوطني الحر” وحلفاؤهما يستحوذون في الانتخابات الماضية (2018) على الأغلبية النيابية.
وتراجع عدد مقاعد “حزب الله” و”حركة أمل” (شيعيتان) و”الوطني الحر” (مسيحي) وحلفاؤهم من 71 إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، والبعض الآخر مستقل.
ومع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن “الأغلبية البرلمانية” لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعاً في عدة اتجاهات، الأمر الذي يرى فيه خبراء بأنه قد “يعقد المشهد السياسي في البلاد”.
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بواقع: 27 للسنة و27 للشيعة و8 للدروز، و2 للعلويين، مقابل 34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و6 للأرمن، 1 إنجيلي، و1 أقليات مسيحية.
هذا التغير سيكون له انعكاس على الحياة السياسية اللبنانية التي ينتظرها استحقاقات عديدة في المرحلة المقبلة، أبرزها تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط توقعات بدخول البلاد في دوامة من “الجمود والفراغ”.

صدام داخل البرلمان
وفي هذا السياق، قال المحلل والكاتب السياسي طوني بولس إن “القوى الممسكة حاليا بالسلطة وهي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لم تعد تملك الأكثرية النيابية، وبالتالي قد تلجأ إلى عرقلة الاستحقاق الدستوري”.
وتوقع بولس أن “يكون هناك صدام داخل البرلمان، إذ إن القوى الجديدة التي دخلته ستحاول إثبات نفسها، كما أن الفريق المهزوم سيحاول التخفيف من الأضرار الواقعة عليه ولن يتخلى عن الحكم بسهولة”.
وعقب صدور نتائج الانتخابات، دعا أمين عام جماعة “حزب الله” في لبنان حسن نصرالله الأربعاء الماضي إلى “الشراكة والتعاون”، محذراً من أن “البديل هو الفراغ والفوضى والفشل”.

لا حكومة بالأشهر الخمسة المقبلة
ورجح بولس ألا تتشكل الحكومة خلال الأشهر الخمسة المتبقية من ولاية رئيس البلاد ميشال عون، مشيرا إلى أن عون يريد الإبقاء على مكاسب فريقه السياسي (التيار الوطني الحر) خصوصا في بعض الوزارات كالطاقة والخارجية.
وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، في 31 أكتوبر/ تشرين أول 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهراً.
وعن انتخاب رئيس للبرلمان، رأى بولس أن الرئاسة ستكون لصالح “حركة أمل” و”حزب الله” كون جميع النواب الشيعة الـ27 المنتخبين ينتمون للجماعتين.
والأحد، انتهت ولاية البرلمان الذي انتخب عام 2018، ومن المفترض خلال مهلة 15 يوماً أن يدعو رئيس السنّ (الرئيس الحالي لمجلس النواب نبيه بري) إلى جلسة لانتخاب رئيس لمجلس النواب.

صعوبة تشكيل الحكومة
من جانبه، اعتبر الكاتب والباحث السياسي وائل نجم أن أبرز مفاجأة بالانتخابات كانت عدم فوز أية قوّة سياسية بالأكثرية المطلقة، وهذا ما سينعكس بكل تأكيد على تشكيل الحكومة.
وأضاف نجم أنه “في ظلّ الانقسام السياسي القائم بين بقايا فريقي 8 و14 آذار، وفي ظلّ صعود قوى جديدة تمثّل المجتمع وتناصب كلا الفريقين الخصومة أو المنافسة، فإنّ تشكيل الحكومة ليس بالأمر السهل واليسير”.
هذا الواقع سيصعب عملية تشكيل الحكومة، وقد يُدخل لبنان في دوّامة من الفراغ أو المراوحة التي ستزيد بكل تأكيد من تعميق أزمته السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ نحو عامين ونصف، وفق المتحدث ذاته.
وشكّل دخول لاعبين جدد إلى البرلمان تحت اسم قوى “التغيير”، كسراً للتمثيل التقليدي لقوى السلطة الذي كان محصوراً طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران ودمشق) و14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن).
وبرز مصطلح “قوى التغيير” بشكل لافت خلال العامين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد أواخر 2019 واستمرت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.

شخصية سنية لرئاسة الحكومة
وأشار نجم إلى وجود أزمة في تكليف شخصية سُنية لتشكيل الحكومة، وذلك بناء على الدستور الذي ينصّ على قيام رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة له لتكليف شخصية لهذه المهمة.
وأجريت الانتخابات النيابية اللبنانية، في ظل مقاطعة تيار “المستقبل” أبرز مكون سُني في لبنان، بزعامة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي اعتبر في يناير/ كانون ثاني الماضي أنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
وإذا فرضنا أنّ هناك شخصية سُنية وسطية ومقبولة من معظم الأطراف، فإن تبعثر القوى السياسية داخل البرلمان سيؤدي إلى تشظّي الأصوات، وهذا لن يساعد على تسهيل تشكيل الحكومة، وفق نجم.
ولفت نجم الى أن ذلك مطروح بغض النظر عما إذا كان رئيس البلاد سيدخل هذا الاستحقاق في بازار المساومات بالنظر إلى اقتراب موعد مغادرته القصر الجمهوري، وسعيه غير المعلن لتوريث صهره جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) هذا الموقع.

اتجاه نحو الحالة العراقية
ورأى نجم أن استحقاق تشكيل الحكومة المقبلة، يوازي بحجمه وإشكاليته كل الاستحقاقات الأخرى، ومن غير المتوقع تشكيلها بسهولة في ظلّ التجاذبات القائمة محلياً في لبنان وخارجياً على المستويين الإقليمي والدولي.
واعتبر نجم أنه في ظل غياب التفاهمات الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يتصل بمفاوضات الملف النووي بين طهران وواشنطن، فإن الوضع في لبنان قد يتجه خلال المرحلة المقبلة للدخول بما يشبه الحالة العراقية حيث الشلل التام الذي أصاب الاستحقاقات الدستورية المنتظرة بعد انتخابات خريف 2021.
وفي أكتوبر/ تشرين أول 2021 أدت الانتخابات النيابية في العراق إلى خسارة ائتلاف “الحشد الشعبي” المؤيد لإيران، ولم تنجح البلاد منذ ذلك الحين إلى اليوم في عملية إعادة تكوين السلطة نظراً للفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد وعدم تشكيل حكومة.

(الأناضول)