انطلقت أعمال الجولة الخامسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية في العاصمة الإيطالية (روما) يوم الثالث والعشرين من آيار 2025 وسط العديد من التكهنات التقديرات السياسية على مديات نجاحها واستمرارها وطبيعة المواضيع الرئيسية التي سيناقشها المبعوث الأمريكي ( ستيف ويتكوف) مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وبحضور اللجان الفنية التي أُتفق على حضورها منذ الجولة الثالثة لدعم الاراء والأفكار المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
تنعقد الجولة الخامسة في مخاضات رسمتها المواقف السياسية والإجراءات الأمريكية الإيرانية، ومنها ما أعلنته الأمريكية بتاريخ الثاني والعشرين من آيار 2025 بفرض عقوبات اقتصادية على قطاع البناء والتشييد في إيران مع أخرى تتعلق ب( 10) مواد صناعية ذات طبيعة عسكرية، وهو الإجراء الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الإيرانية عبر ممثلها إسماعيل بقائي بالقول ( إن العقوبات الأميركية الجديدة على طهران تلقي بمزيد من الشكوك على استعداد واشنطن للانخراط في الدبلوماسية).
ثم جاء المتغير السياسي والموقف الأمريكي الذي طالب إيران بالتخصيب الصفري ويعني التفكيك الكامل للبرنامح النووي الإيراني، وهو في رأي غالبية الإدارة الأمريكية يشكل منعطفًا ايجابيًا في تحقيق اتفاق جديد ودائم مع إيران وتثبت خلالها مصداقيتها في العمل وتوصل لنجاح المفاوضات،ولكن الجانب الإيراني يرى أن موافقته لعقد جلسة الحوار الخامسة إنما انبثقت من سعيه إلى تحقيق المصالح العليا لإيران وتثبيت احقيتها في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات الاقتصادية وأنها عازمة على الثبات والدفاع عن موقفها.
جاء الموقف الإيراني قبل يوم من بدء الجولة الخامسة والذي أوضحه بشكل واضح ودقيق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تدوينته على موقع (X) وأُعتبر رسالة موجهة للمفاوض الأمريكي بقوله (عدم وجود أسلحة نووية يعني وجود اتفاق وعدم التخصيب يعني لا اتفاق، وحان الوقت لاتخاذ القرار)،وان إيران على استعداد لمزيد من عمليات التفتيش لمنشأتها النووية، وهو بذلك يمنح مسارًا جديدًا أكثر مقبولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ويعطي فسحة من التفاؤل في التغلب على عديد من العوائق والمشاكل المطروحة في المفاوضات المشتركة بين واشنطن وطهران.
إيران ترى أن التخصيب حق لها ومسألة تتعلق بمواقفها ودفاعها عن وجودها وأنها تتمسك برأيها حول امتلاكها لبرنامج نووي مدني سلمي، هذا ما لا يتوافق والرؤية الأمريكية الذي يسعى إلى تحديد النسب المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وعدم التوسع فيها مع ضرورة العودة إلى النسب التي بررها اتفاق 2015 والذي سمح لإيران بنسبة تخصيب لا تتعدى 3،67، وهذا ما يصر على مناقشته المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ومعه مدير تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية مايكل أنطون،مقابل تخفيف العقوبات.
لا زالت العقبة الرئيسية التي يراها الطرفان ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم وهي ما يمكن التغلب عليها إذا ما نظرت إيران إلى أهدافها وغاياتها من قبولها لعقد المفاوضات بعد ممانعة امتدت لسنوات عديدة، رأت في مصلحتها وبقاء نظامها ومعالجة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وأنها عليها الموافقة والبدأ لمناقشة الشروط الأمريكية التي وردت في رسالة الرئيس ترامب للقيادة الإيرانية.
أن المواقف الإيرانية لا زالت تخاطب المواطن الإيراني وترغب في اقناعه بثبات رأيها ودورها المؤثر في مراحل المفاوضات التي تريد أن تؤكد له أنها في حالة دفاع عن منجزاته العلمية ومكتسباته الوطنية، في حين أنها تسعى لتثبيت وضعها السياسي ونظامها الحاكم ودورها الإقليمي، وبغية تعزيز الدور الإيراني أمام الشعوب الإيرانية يأتي تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي بتاريخ العشرين من آيار 2025 حول الشروط الأمريكية وما يتم مناقشته في جولات الحوار بقوله ( أن الشروط زائدة عن الحد ومهينة) وأنه يرى انها سوف لا تفضي الى اتفاق دائم، ويأتي الرأي السياسي من المرشد الإيراني بعد التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من أن إدارة الرئيس ترامب تعمل على التوصل إلى اتفاق يسمح لإيران بامتلاك برنامج نووي مدني دون تخصيب اليورانيوم معتبراً أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لن يكون سهلاً.
تبقى موضوعة التعامل مع نسب التخصيب التي وصلتها إيران وكيفية التصرف بها من المواضيع العامة التي ستحدد مسار الجولة الخامسة وإضاف إلى موقف إيران وممانعتها في مناقشة برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، في موازاة لحملة من التهديدات تطلقها بعض القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري الإيراني في التمسك بعملية تخصيب اليورانيوم والدفاع عنها والالتزام بعدم تقديم أي تنازلات بخصوصها وإلا فإن الموقف السياسي سيتغير بإعلان الانسحاب من المفاوضات وهي مواقف لا تمثل الحقيقة الميدانية والأهداف التي ترغب إيران في التمسك بجولات الحوار وصولًا لرفع العقوبات الاقتصادية والتوصل لاتفاق نووي جديد.
تبقى المواقف الأمريكية الإيرانية رهينة بالمتغيرات السياسية والوقائع الميدانية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وما ستؤول إليه النتائج الإيجابية التي تعالج فيها الأزمات المحيطة بالمنطقة وكيفية التعامل مع أي مستجدات قد تحصل وتساهم في التأثير على المصالح الدولية والإقليمية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة