اياد العناز
تصاعد حدة التطورات الميدانية والمناكفات السياسية والتصريحات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قبل تحديد موعد قادم لعقد الجولة الخامسة من المفاوضات بين الدولتين بحضور الوسيط العربي العُماني، وتتمحور معظم الأحاديث حول الآفاق المستقبلية لكيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني والموقف الإيراني من المقترحات والرسائل التي قدمتها الإدارة الأمريكية للقيادة الإيرانية.
وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده قدمت اقتراحًا إلى إيران، مع استمرار المفاوضات بين الجانبين بشأن البرنامج النووي لطهران، في تصريح على متن الطائرة الرئاسية (إير فورس وان)، بعد أن أنهى جولته الخليجية التي شملت السعودية وقطر، وأضاف أن الإيرانيين قدموا اقتراحًا استلمه ( ستيفن ويتكوف) ولكنهم الأهم أن يدركوا حقيقة الأوضاع والمواقف الأمريكية ويتعين عليهم المضي قدمًا بسرعة وإلا سيحدث أمر سيئ.
واضح أن الرئيس ترامب لا يزال ملوحًا بغصن الزيتون الذي يمثل الحوار الدبلوماسي والاسلوب السياسي في إدارة المفاوضات ولكنه في الوقت نفسه يوضح لإيران أن عليها عدم إطالة الوقت والسعي للعمل الجاد من أجل إيجاد الصيغ الفاعلة لإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم والالتزام بالمحددات والنسب التي تسمح لها بالاستخدامات السلمية،وإلا فإن العودة للتلويح بالعمل العسكري وتفعيل سياسة الضغط الأقصى وتنفيذ العقوبات على الكيانات والأشخاص الذين يتعاملون مع إيران في تبادل المعلومات وتوفير الأدوات والوسائل الداخلة في تطوير المفاعلات النووية والقائمين على استيراد الطاقة الإيرانية سيكون هو الفاعل الميداني.
تعود إيران إلى اسلوبها في إدارة الأزمات بمحاكاة مواطنيها وبث روح الأمل ورفع المعنويات لديهم وتعزيز مكانتها داخليًا عندما تستخدم سياسة إظهار القوة والممانعة والوقوف أمام الإدارة الأميركية وما تقوله وتعلم عنه، وهو ما فعله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في السادس عشر من آيار 2025 بقوله ( لا وجود لأي سيناريو تتخلي فيه إيران عن حقها في التخصيب للأغراض السلمية ولم نتلق أي عرض مكتوب من واشنطن لا بشكل مباشر ولا غير مباشر)، وهذا نفي واضح لما سبق وأن اعلنته واشنطن وأكد علية ترامب في أحاديث التي أدلى فيها أثناء زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأن هذا الأسلوب الإيراني لا يفيد في تقدم مسار المفاوضات بل يعمل على عدم إيجاد فسحات من تبادل الثقة بين الجانبين الأمريكي والإيراني وتضعف حالة التوافق والوصول إلى اتفاق دائم.
وأمام هذه الوقائع يمكن أن نعزز ما نقوله ونكتبه بالسؤال عن إمكانية نجاح المفاوضات وماهي المسارات الإيجابية التي من الممكن العمل وفقها وما الذي يجب أن تفعله سياسة الحوار المتبادل ودبلوماسية التفاوض وكيفية التعامل مع إيران وفق المعطيات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي؟
أسئلة محورية تحتاج إلى أجوبة دقيقة وفق المنظور الميداني والأفق المستقبلي والأهداف والغايات التي تسعى إليها طهران وتتمسك بها واشنطن، فكلا الطرفين لهما افكارهما وتطلعاتهما في الحفاظ على المصالح العليا والمكاسب الكبيرة التي تهم بلديهما، إيران عليها أن تنظر بمنظار واقعي وتقف قليلًا لتقرأ حقيقة المتغيرات الإقليمية والدولية وتعمل ضمن المسار الدبلوماسي في معالجتها لبرنامجها النووي دون الوصول إلى مواجهة عسكرية محتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية والأفضل لها لكي تحقق أهدافها في رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وعودتها لسوق الطاقة العالمية أن تتعامل بجدية ووضوح وقبول مع الاستراتيجية الأمريكية وعلاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي والاستفادة من هذه الثنائية المهمة لاتاحة الفرصة التاريخية لها في المضي بشكل إيجابي في تعزيز الحوار مع واشنطن للوصول إلى اتفاق دائم ومشروع حول البرنامج النووي الإيراني الذي يحقق للجميع اطارًا أمنيًّا يكون فيه الترابط الاقتصادي عاملًا من عوامل الاستقرار.
أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة والتي امتدت للأيام من 13-16 لشهر آيار 2025 منحت انطباعًا ميدانيًا ورسمت ملامح إيجابية أكدت عمق العلاقات الثنائية بين واشنطن وعواصم دول مجلس التعاون الخليجي العربي وسياسة الحوار المتبادل والفهم المشترك لما تعيشه المنطقة من أزمات سياسية واقتصادية وضرورة إيجاد البدائل المكافئة لحلها والابتعاد عن الحلول العسكرية في انهائها، وهي الثوابت الركائز الأساسية التي اقتنع بها الرئيس الأميركي ترامب وانتقل بها من مسار التلويح بالعمل العسكري وتوجيه ضربات حاسمة لإيران إلى مسار الدبلوماسية والحوار المشترك.
وإيران على قناعة تامة بما تراه وتشهده من تحولات سياسية ألقت بظلالها على واقع الحال الجديد الذي تمر به بعض عواصم الأقطار العربية، وتعلم حقيقة الأمر أن مشروعها السياسي الإقليمي أصابه الانكسار والضعف بضياع سوريا وانهيار القوى الركائز الأساسية لحزب الله اللبناني وبعض الضربات التي طالت أذرعها في المنطقة.
ويمكن قراءة تصريحات علي شمخاني المستشار السياسي للمرشد الأعلى علي خامنئي بعد ساعات من الحديث الذي أدلى به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته للعاصمة القطرية (الدوحة) بالتلويح بغصن الزيتون دون التلويح بالعمل والمواجهة العسكرية، بقول شمخاني (إيران ستلتزم بعدم تصنيع أسلحة نووية مطلقًا والتخلص من مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب، والموافقة على تخصيب اليورانيوم فقط إلى المستويات الدنيا اللازمة للبلاده مستعدة للتخلص من مخزوناتها من اليورانيوم مع الولايات المتحدة مقابل رفع العقوبات الاقتصاديةاستخدام المدني، والسماح بإشراف مفتشين دوليين على العملية).
وتبقى الإدارة الأمريكية عند موقفها من المفاوضات مع إيران وترى فيها حالة من الأمل والتفاؤل في التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي وأن الاقتراب من تعزيز حالة التفاهم المشترك قائمة ويمكن إنهاء المفاوضات بشكل إيجابي على أن تغادر إيران سياسية امتلاك السلاح النووي وإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة تنشيط العمل في منشأتها النووية، رغم التصريحات التي أعلنها مساعد وزير الخارجية الإيراني مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية (كاظم غريب آبادي) في السادس عشر من آيار 2025، والتي أوضح فيها أن ( عملية وقف تخصيب اليورانيوم مرفوض تمامًا ونعده خطًا احمر لا يمكن تجاوزه ولا تنازل عن حقنا في التخصيب ولن نفكك أي منشأة نووية وإنجازاتنا النووية ليست محل مساومة وحق التخصيب ثابت قانوني)،وجاءت في سياق عقد الجولة الخامسة من المحادثات بين إيران والدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا) التي جرت في القنصلية الإيرانية في إسطنبول، بحضور مساعدي وزراء الخارجية ومديري الشؤون السياسية لتلك الدول.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة