الباحثة شذا خليل*
شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، مؤخراً، توقيع اتفاقيتين في قطاع الطاقة بين حكومة إقليم كردستان وشركتين أمريكيتين هما HKN Energy وWestern Zagros، وذلك خلال مراسم جرت في غرفة التجارة الأمريكية بحضور رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني. ووفقاً لما أُعلن عنه، تُقدّر قيمة الاتفاقيات بأكثر من 110 مليارات دولار، وهو رقم يرى كثير من المراقبين الاقتصاديين أنه مبالغ فيه بشكل كبير إذا ما قورن بقدرات الشركات المعنية وحجم الاحتياطيات المؤكدة في الحقول المتعاقد عليها.
الملف النفطي بين المركز والإقليم: خلفية ضرورية
تأتي هذه الاتفاقيات في ظل استمرار الخلاف بين بغداد وأربيل حول إدارة الثروات الطبيعية، وبشكل خاص قطاع النفط والغاز. فبينما يسعى الإقليم منذ سنوات لإدارة موارده النفطية بشكل مستقل، تؤكد الحكومة الاتحادية في بغداد أن الثروات الطبيعية هي ممتلكات اتحادية ويجب أن تخضع لإشراف وزارة النفط المركزية، استناداً إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا لعام 2022، والذي قضى بعدم دستورية قانون النفط والغاز الكردي.
أبعاد اقتصادية بحتة: بين الطموح والمخاطرة
بعيداً عن الجدل القانوني والسياسي، تحمل هذه الاتفاقيات أبعاداً اقتصادية متعددة:
جذب الاستثمار الأجنبي: تسعى حكومة الإقليم إلى تحفيز الاستثمارات في قطاع الطاقة، وإيجاد بدائل تمويلية لتعزيز بنيتها التحتية في ظل الضغوط المالية. وهذا التوجه قد يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، في حال تم تنفيذه ضمن بيئة قانونية مستقرة.
المخاطر القانونية والتجارية: إبرام العقود بدون موافقة الحكومة الاتحادية يُعرّض الشركات المتعاقدة لمخاطر قانونية مستقبلية، ويضعف إمكانية تنفيذ الاتفاقات على الأرض، خصوصاً في ظل استمرار توقف تصدير النفط عبر خط أنابيب تركيا-جيهان منذ مارس 2023.
الخسائر المشتركة: توقف تصدير نفط الإقليم كبّد الاقتصاد العراقي خسائر كبيرة، حيث تشير التقديرات إلى فقدان مئات الملايين من الدولارات شهرياً، ما يؤثر على الموازنة الاتحادية وعلى الإيرادات المحلية في الإقليم على حد سواء.
الديون المتراكمة: تُشير رابطة شركات النفط في كردستان (APIKUR) إلى وجود أكثر من مليار دولار من المستحقات غير المسددة للشركات العاملة، ما يُضيف عبئاً إضافياً على بيئة الاستثمار في العراق.
تشكيك في الأرقام المعلنة
الرقم المُعلن عنه بقيمة أكثر من 110 مليارات دولار يثير تساؤلات جدية في الأوساط الاقتصادية. إذ أن حجم استثمارات بهذا المستوى يفوق بكثير ما هو متوقع في مشاريع تطوير الحقول النفطية في الإقليم، ويُحتمل أن يتضمن تقديرات بعيدة المدى أو عناصر غير معلنة تتعلق بالبنية التحتية أو الشراكات التمويلية.
نحو مقاربة اقتصادية عقلانية
إن معالجة هذا النوع من الخلافات يتطلب رؤية اقتصادية شاملة تتجاوز الحسابات السياسية، وتركّز على تحقيق الاستفادة القصوى من موارد البلاد. فاستمرار النزاع بين المركز والإقليم يُعطل الاستثمار، ويُربك الأسواق، ويُضعف من موقع العراق كمنتج نفطي مهم في السوق العالمية.
خاتمة
الاتفاقيات الموقعة بين إقليم كردستان والشركات الأمريكية تُعبر عن طموحات اقتصادية مشروعة، لكنها في ذات الوقت تطرح تحديات قانونية وتجارية لا يمكن تجاهلها. وحتى تُحقق هذه المشاريع فائدة فعلية، فإن التنسيق المؤسسي بين أربيل وبغداد يجب أن يكون حجر الأساس لأي نشاط اقتصادي طويل الأمد، بما يخدم الاقتصاد العراقي ككل وليس طرفاً دون آخر.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية