اياد العناز
حضر المرشد الأعلى علي خامنئي حفل التأبين الذي اقيم في العاصمة الإيرانية ( طهران) لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل الرئيس الإيراني السابق أبراهيم رئيسي في 19 آيار 2024 وبحضور عدد من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية وعلماء الدين وتحدث في عدة مضامين ومواضيع تهم الأحداث الميدانية والسياسية في المشهد الايراني العام، وأهمها ما يخص المفاوضات الأمريكية الإيرانية المشتركة والتي تشهد الايام المقبلة عقد جولتها الخامسة، وتحظى باهتمام ومتابعة من جميع الأوساط الدولية والإقليمية بانتظار ما ستؤول إليه نتائجها ومضامينها على مجمل القضايا والأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتأثيراتها وآفاقها المستقبلية على جميع الأصعدة التي تهم المصالح العليا لبلدان واقطار عديدة دولية وإقليمية وعربية.
تحدث المرشد الأعلى وأوضح الموقف السياسي من مجريات الحوارات التي شهدتها جولات المفاوضات بقوله ( أن الحديث عن عدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم خطأ فاحش وطهران لا تنتظر إذنًا من أحد)، وهو تصعيد حاد في الخطاب الإيراني من أعلى قمة سياسية في البلاد تؤشر حالة عدم التوافق مع الشروط الأمريكية وما تضمنته رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة الإيرانية بخصوص البرنامج النووي الإيراني وضرورة العمل على توقيع اتفاق دائم يضمن إيقاف إيران عن تخصيب اليورانيوم والتصرف بالنسب التي وصلتها عبر الاحتفاظ بها بإشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو إرسالها إلى إحدى الدول الحليفة مع إيران وتحظى بعلاقة مع الولايات المتحده الامريكيه.
أن الموقف الإيراني يعكس طبيعية السياسية التي يقرها علي خامنئي بإعتباره المشرف والمسؤول على ثوابت السياسة الخارجية والعلاقة مع دول العالم واعتماد الصيغ والوسائل المتاحة في ادامتها بما يحقق لإيران حماية مصالحها والدفاع عن نظامها السياسي، ولهذا جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي موافقًا لطروحات المرشد الأعلى وملتزمًا بالدفاع عنها واقرارها في أي جولة قادمة للمفاوضات باشارته إلى أن ( إيران تواجه مواقف أميركية غير منطقية بالكامل خلال المفاوضات النووية وتخصيب طهران لليورانيوم أمر غير مطروح للتفاوض)،وهو ما يعني عدم وجود قواعد ومرتكزات رصينة تجعل من المفاوضات عاملًا رئيسيًا وقاسمًا مشتركًا للوصول إلى أولويات ثابتة تساهم في تعزيز حالة التوافق السياسي بين واشنطن وطهران.
أن الوصف السياسي للشروط الأمريكية من قبل خامنئي واعتبارها من الأمور المبالغ فيها والفظيعة والتي تتعلق بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، وأن الإستمرار بها إنما هو نوع من العبثية والتصريحات الفارغة، إنما يؤكد حالة التداعي وعدم التفاهم بين الإدارة الأميركية المسؤولين الإيرانيين ويؤشر عن مستقبل غامض حول استمرار المفاوضات من عدمها وتغيير واضح في الموقف السياسي الإيراني والذي سبق وان أعلن عنه المستشار السياسي للمرشد الأعلى ( علي شمخاني ) بقوله
أن (إيران تتعهد بعدم بناء أسلحة نووية والتخلص من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب، وستوافق على تخصيب اليورانيوم فقط إلى المستويات الأدنى اللازمة للاستخدام المدني، والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على العملية)، على أن يرافقها رفع للعقوبات الاقتصادية واطلاق الأموال المجمدة وإعادة التوازن في العلاقات السياسية لإيران مع محيطها الدولي والإقليمي.
ان الإصرار الإيراني على سياسة التعنت والعودة إلى بداية الخلاف مع الولايات المتحدة وعدم الوضوح في دعم الحالة الإيجابية التي ابتدأت بها المفاوضات واعتماد الصيغ والوسائل المتاحة في مناقشة المواضيع المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني وباقي الملفات الخاصة بالسلوك السياسي الإقليمي لإيران دعمها للفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وبرامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، إنما يعني فتح مسارات جديدة تعيد الإدارة الأميركية للتلويح بالعمل العسكري والمواجهة المباشرة، رغم أنها ارسلت لإيران لتحديد موعد لانعقاد الجولة الخامسة والتي من المؤلم اختيار العاصمة الإيطالية (روما) مكانًا لانعقادها وبحضور وزير الخارجيه العُماني بدر البوسعيدي، ولكن سياسة التعنت والمطاولة الإيرانية لم توافق بعد على موعد تفاوضي جديد مع واشنطن.
يحاول المرشد الأعلى علي خامنئي إعطاء صورة للداخل الإيراني عن الموقف الثابت للمفاوض الإيراني وتمسكه بالحقوق الإيرانية في الحفاظ على خاصية نسب تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة والتي تدخل في عملية إنتاج المواد الانشطارية الداخلة في صناعة الأسلحة النووية، ولهذا فإنه يعتبر استمرار جولات المفاوضات ( غير ناجحة) وأنه سيأتي الوقت المناسب ليكشف الأسباب لاحقًا، مستبعدًا الوصول إلى اتفاق دائم بخصوص البرنامج النووي والملفات الأخرى ذات الطبيعة السياسية والأمنية.
تواصل الإدارة الأمريكية مطالبتها لإيران بوقف تخصيب اليورانيوم الذي تقول إنه طريق محتمل لصنع قنابل نووية، وأنها لا تسمح لإيران ولو بنسبة 1٪ من التخصيب وأي اتفاق محتمل مع إيران يجب أن يتضمن عدم تخصيب اليورانيوم، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مقابلة تلفزيونية في السابع عشر من آيار 2025 بأنه ( لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي أبدًا، ونأمل التوصل لاتفاق معها بالطرق الدبلوماسية ونحن ملتزمون بذلك).
تصاعد الخطاب الإيراني وعلى لسان المرشد الأعلى مع قرب عقد الجولة الخامسة إنما يعطي دلالة على أن طهران لا زالت متمسكة بسياسية إظهار القوة والممانعة في تنفيذ الشروط الإيرانية التي عبر عنها خامنئي بقوله ( أنها وقاحة زائدة) وأن لإيران سياستها ومنهجها الخاص بها، وهو ما سيدفع بإدارة الرئيس ترامب لتشديد النقاش واستخدام سياسية الضغط الأقصى التي لا يمكن لإيران ان تصل بسببها لغاياتها وأهدافها في الغاء العقوبات الاقتصادية عنها وتخفيف الأعباء والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها وتهدد وجود وبقاء نظامها السياسي.
وإيران لا زالت تتحدث عن موقفها بعدم سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية لأنها محرمة، ولكنها بدأت تغيير من لهجتها واسلوبها حول التعامل مع برنامجها النووي والتهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ردًا على أي حالة وموقف من التوجهات التحركات الأوربية والامريكية.
وإيران تستبعد فكرة تفكيك البرنامج النووي لانه تعتبره خط أحمر لن تتنازل عنه وأن المفاوضات المستمرة تؤكد على موقف واشنطن بمنعها من تخصيب اليورانيوم إلا بالقدر الذي يسمح لها باستخدامه في الجوانب السلمية وإلا فإن التلويح بالعمل العسكري سيكون التوجه والاسلوب الذي من الممكن اللجوء إليه واستخدامه عامل ضغط سياسي ميداني للوصول إلى اتفاق نووي دائم.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة