اعتراف بوش الفرويدي بشأن العراق

اعتراف بوش الفرويدي بشأن العراق

في لحظاتهم الأقل حذرًا، حتى أسوأ مديري الإمبراطورية يعرفون بعمق ما هي الحقيقة، ويتركونها تنزلق من على ألسنتهم.
* * *
لا أصدق أن ذلك حدث حقاً.
خلال خطاب ألقاه في دالاس في “مركز جورج دبليو بوش الرئاسي” بجامعة “ساوثرن ميثوديست” يوم الأربعاء، قام الرجل نفسه، جورج دبليو بوش، بعمل عظيم.
أثناء انتقاده روسيا على تزوير الانتخابات وقمع المعارضة السياسية (وهو ما سيكون في حد ذاته مضحكًا عندما يصدر عن أي أميركي بشكل عام -وعن جورج بوش على وجه الخصوص)، أدلى الرئيس الثالث والأربعون بالتعليق الآتي:
“النتيجة هي غياب الضوابط والتوازنات في روسيا، وقرار رجل واحد شن غزو وحشي وغير مبرر مطلقاً للعراق. أعني، أوكرانيا”.
بل إن الأمر أصبح أفضل بعد ذلك. بعد تصحيح نفسه بضحكة خافتة عصبية، كسر بوش التوتر في الحشد الموالي للإمبراطورية بعبارة: “والعراق، أيضًا.. على أي حال”. ثم قال بمرح إنه يبلغ من العمر 75 عامًا، ويعتمد بشكل بشكل أكثر على شخصه الذي وصفه بقوله: “لكم أنا شخص أحمق متحمس”، أكثر من أي وقت مضى طوال حياته.
وضحك جمهور بوش. اعتقدوا أنه كان رائعًا. كان الرئيس الذي نفذ غزوًا غير قانوني أدى إلى مقتل ما يزيد على مليون شخص (ربما يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير)، واعترف صراحة بفعل ما قضى كل منفذ إخباري في العالم الغربي الأشهر الثلاثة الماضية في إبلاء رئتية بالصراخ بشدة حول قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفعله، رجلاً مرحاً ورائعاً بالنسبة لهم.
ليست هناك أحذية كافية في الكون كله تكفي للرد على هذا بالشكل الصحيح. وكما قال الممثل الكوميدي، جون فوغيلسانغ في تعليقه على هذا التصريح: “لم يرتكب جورج دبليو بوش زلة لسان فرويدية. لقد أدلى باعتراف فرويدي”.
أحد الأشياء العديدة المثيرة للاهتمام حول هذا الحدث هو احتمال أن تكون كلمات بوش قد انسلت خارجة من فمه بالطريقة التي خرجت بها لأنه إما سمع الكثير جداً من الانتقادات لغزوه، أو لأنه كان يفكر كثيرًا في هذا الغزو.
ثمة مسار عصبي مألوف يمكن أن يفسر سبب اختيار دماغه لأسوأ كلمة يمكن أن يضعها في مكان كلمة “أوكرانيا” في تلك اللحظة. وسيكون هذا ضوءًا صغيرًا في الظلام بالنسبة لنا نحن الناس العاديين الذين نعارض الحرب ونحب السلام، لأنه يشير إلى أنه حتى أسوأ مديري الإمبراطورية لا يمكنهم عزل أنفسهم تمامًا عن انتقاداتنا.
كل هذا الدوران وإدارة السرد التي كانوا يصبونها في حرب الولايات المتحدة بالوكالة في أوكرانيا، ثم يأتي بوش ليفسد كل ذلك بـ”بوشيَّة” فريدة تنهي كل أشكال “البوشيات”.
في حين تعكف الطبقة السياسية/ الإعلامية الغربية على تمزيق ملابسها بلا توقف احتجاجاً على “التضليل” حول حرب أوكرانيا، حتى عندما يعترف المسؤولون الأميركيون صراحة بأنهم يستخدمون وسائل الإعلام لنشر معلومات مضللة حول تلك الحرب نفسها، وحتى بينما تقوم إدارة بايدن بسجن واضطهاد صحفي لفضحه جرائم الحرب الأميركية، نحصل على اعتراف كامل بأن الولايات المتحدة ليست أفضل من روسيا، وأن الشيء الوحيد الذي يحجب هذا هو حقيقة أننا جميعًا نسبح في بحر من المعلومات المضللة والدعاية التي تنتجها الطبقة السياسية/ الإعلامية نفسها.
ولا يأتي هذا الاعتراف من أي تابع منخفض الرتبة للإمبراطورية، وإنما يأتي من الرجل نفسه. “الشخص”. الرجل الذي يمثل اسمه وحده فضحاً -بكلمة واحدة- لكل زيف وادعاء يتم تقديمه عن كم هو فلاديمير بوتين شنيع بطريقة فريدة على المسرح العالمي، وكم هو غزوه لأوكرانيا فاسد بشكل فريد أيضاً.
إنك إذا نظرت إلى ما حدث للتو واستوعبته حقًا، فإن هذه الحادثة وحدها كافية لتظهر لك أننا نسبح في بحر من الأكاذيب المصممة لمنحنا منظورًا مقلوبًا على رأسه وعكسيًا لما يحدث في العالم.
إذا كان بوش نفسه لا يستطيع أن يعرف دائمًا الفرق بين غزو العراق وغزو أوكرانيا، فهذا يعني أن وسائل الإعلام الإخبارية وساستنا يكذبون علينا باستمرار. لقد كذبوا علينا خلال العامين 2002 و2003، ولم يتوقفوا عن الكذب، وهم يكذبون الآن في العام 2022.
إن النظرة السائدة للعالم بأكملها هي عبارة عن مرشِّح تشويه إدراكي يحجب الفهم العام للأحداث العالمية بطريقة متطرفة، لدرجة أنه لم يتم غفران جرائم بوش فقط، وإنما تمت إعادة تأهيله فعلياً في عين الجمهور، في حين تتم مقارنة أعداء الولايات المتحدة باستمرار بأدولف هتلر وإدانتهم في جميع أنحاء العالم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
إن الولايات المتحدة هي الحكومة المفردة الأكثر استبدادًا وتدميرًا على هذا الكوكب، وذلك فقط لأن الجمهور يُحقن بطوفان لا يتوقف من الدعاية بأن هذا الواقع ليس واضحاً ومعروفاً عالمياً.
ولكن، حتى أسوأ مدراء الإمبراطورية يعرفون في أعماقهم أن هذا صحيح، وفي اللحظات الأقل حذرًا، تفيض الحقيقة وتزل عن ألسنتهم في بعض الأحيان.

الغد