بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس «حكومة إقليم كردستان»، يسلط ثلاثة خبراء الضوء على الإرث المثير للإعجاب بين الولايات المتحدة والأكراد إلى جانب التحديات الحالية التي تواجه الشراكة بينهما.
“في 6 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جينيفر جافيتو وقوباد طالباني وبلال وهاب. وجافيتو هي نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إيران والعراق. وطالباني هو النائب الحالي لرئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» والممثل السابق لـ «حكومة الإقليم» في واشنطن. ووهاب هو “زميل فاغنر” في المعهد ومؤسس “مركز التنمية والموارد الطبيعية” في “الجامعة الأمريكية في العراق – السليمانية”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
جينيفر جافيتو
على مدى الثلاثين عاماً الماضية، أثبت دور الولايات المتحدة في إرساء ورعاية علاقتها مع «حكومة إقليم كردستان» فعالية التحالف المصمم لمواجهة التهديدات المشتركة. لذلك فإن العلاقة ليست تكتيكية وإنما استراتيجية، ونضجت لتصبح شراكة متوازنة مع مرور الوقت. وقد شهدت العلاقة تعاوناً متبادلاً بشأن التحديات الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتنمية الاقتصادية وقضايا التراث الثقافي وحقوق الإنسان. وخلال هذا الوقت، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في «كردستان العراق». وفي عام 2017، أعلنت واشنطن، تأكيداً على التزامها، أنها ستبني في أربيل أكبر القنصليات الأمريكية في العالم. أما قوام هذه العلاقة الاستراتيجية فهو قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان المشتركة بين الولايات المتحدة و«حكومة إقليم كردستان». وبالنظر إلى أهمية هذه القيم في تحسين الحكم الديمقراطي، تعتبر الولايات المتحدة أن «إقليم كردستان» ضروري للاستقرار العام في العراق. وبالتالي، يُظهر دعم الحزبين الأمريكيين لكردستان التزاماً طويل الأمد تجاه الإقليم ودوره في السياسة العراقية، ويبشر بالخير لمستقبل هذه العلاقة المتعددة الأوجه.
غير أن التراجع الديمقراطي وتقويض الحريات المدنية في كردستان يثير مخاوف الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، استغلت إيران الانقسامات بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» وتسببت بتأخير إضافي في تشكيل الحكومة العراقية. ومن النقاط الأخرى المثيرة للقلق “اتفاق سنجار” الذي يركز على الأمن في المنطقة، والذي يعود تاريخه إلى تشرين الأول/أكتوبر 2020 ولكنه لم ينفَّذ بعد.
واليوم تتعرض «حكومة إقليم كردستان» لهجمات إيرانية مباشرة بالصواريخ الباليستية وهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ من الميليشيات التابعة لإيران. وعلى الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن تقلص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، تبقى واشنطن ملتزمة أساساً التزاماً تماماً بعلاقتها مع أربيل ومستعدة لتوفير مسار بديل لذلك الذي تقدمه إيران. كما تواصل الولايات المتحدة الاستثمار بكثافة في قطاعات التعليم والاتصالات والطاقة في «كردستان العراق»، كما تحث «حكومة إقليم كردستان» بشكل خاص وعلني على إجراء الإصلاحات الضرورية التي تصون الحريات المدنية وحقوق الإنسان. وفي حين تدرك الولايات المتحدة أنه ما زال يتعين بذل الجهود في هذا الصدد، إلا أنها ملتزمة بشراكة استراتيجية دائمة مع «كردستان العراق».
قوباد طالباني
نشأ الحكم الذاتي لـ «كردستان العراق» والتطلعات الوطنية المرتبطة به نتيجة لـ “عملية توفير الراحة” التي أطلقها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 1991. وما بدأ كمسعى إنساني – لإنشاء ملاذ آمن لأكراد العراق – تطوّر إلى علاقة سياسية وثقة متبادلة أتت ثمارها. فقد جنت «حكومة إقليم كردستان» مكاسب جمّة من دعم الحزبين الأمريكيين، وكانت شريكاً مهماً خلال الغزو الأمريكي لعراق صدام حسين عام 2003. علاوة على ذلك، أزالت هذه العلاقة عقبات كثيرة، بدءً من التحديات الإنسانية وإلى بناء الدولة، وهو ما يشهد على متانتها وقيمتها. وخلال الفترة بين 2005 و 2012 على وجه الخصوص، ازدهرت هذه الشراكة ذات المنفعة المتبادلة، حيث فصل الأكراد أنفسهم عن بقية البلاد. والقنصلية في أربيل هي تذكير بالتزام الولايات المتحدة واستثمارها في المنطقة، وهو ما يبني بدوره الثقة في العلاقة. وتشمل الاتجاهات الإيجابية الأخرى ذات الصلة المزيد من الاستثمار الأمريكي في المساعدات التقنية والممارسات التجارية.
ومن ناحية الإصلاحات، تشعر «حكومة إقليم كردستان» بالقلق من التراجع الديمقراطي وتضاؤل الحريات المدنية، شأنها شأن الحكومة الأمريكية. لذلك، تدعو الحاجة إلى وضع رؤية للإصلاحات وتحقيقها، فضلاً عن الالتزام بالشفافية في السياسة والاقتصاد. وتتطلب هذه الإصلاحات خبرة تقنية والتزامات مالية. ويمكن أن تتخذ الإصلاحات على المستوى السياسي شكل تحسينات قانونية مثل تدريب القضاة وضمان الاستقلال السياسي، والتوفيق بين الأحزاب السياسية بحيث تتجاوز سلطة الحكومة سلطة الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى الإصلاح داخل الأحزاب السياسية نفسها. وفي حين تتبنى «حكومة إقليم كردستان» هذه القيم، ومعها الحاجة إلى الإصلاح، إلا أنها لا تمانع تنبيهات الولايات المتحدة ودعمها.
بلال وهاب
منذ أوائل التسعينيات، ترى الولايات المتحدة في «كردستان العراق» شريكاً مستقراً في منطقة غير مستقرة. وقد بدأت العلاقة بين الطرفين كجهود إغاثة إنسانية خلال “عملية توفير الراحة”، وتطورت لتصبح ركيزة أساسية للاستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة الأوسع على مدى الأعوام الثلاثين الماضية. وقد بنى الأكراد سمعتهم كشريك موثوق به من خلال معارضتهم لنظام صدام حسين خلال التسعينيات ومساعيهم لإحلال الاستقرار ومكافحة الإرهاب في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003. وقد سمحت هذه العملية للمسعى الأمريكي إلى بناء الأمة بالتطور إلى مساعٍ متواصلة، ليس فقط في مجال الحماية الإنسانية ولكن أيضاً في مجال السياسة، وكان لها تأثير إيجابي على كل من الأمريكيين والأكراد.
وبينما تتطلع الولايات المتحدة و«حكومة إقليم كردستان» إلى الأعوام الثلاثين المقبلة، إلّا أن التصور الخاص بكردستان استثنائية في العراق آخذ في التضاؤل. فقد تآكلت الحريات والحوكمة الخاضعة للمساءلة، بينما يتعرض استقرار «حكومة إقليم كردستان» لتحديات متزايدة بسبب الهجمات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة. وحتى الآن، لم تقمُ «حكومة الإقليم» بإعادة ترسيخ مكانتها القوية منذ الاستفتاء الفاشل على الاستقلال الذي أجرته عام 2017. وإذا بقيت «حكومة إقليم كردستان» شريكاً ضعيفاً ومنقسماً، فلن تنجح في تحقيق أهداف الولايات المتحدة بقيام عراق مستقر وذو سيادة. ومن جانبها، تعقد «حكومة الإقليم» آمالاً كبيرة على واشنطن وتتوقع منها الحفاظ على دعمها وحمايتها للمنطقة التي ساهمت في بنائها. لذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان بوسع الأكراد الصمود، بل الازدهار أيضاً، خلال الثلاثين عاماً المقبلة.
معهد واشنطن