بعد نحو ٥ سنوات من القطيعة الدبلوماسية، و43 عاما من الحرب الباردة، و خمس جولات – لغاية الآن- من المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران في بغداد.
قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إن المسافات أصبحت قريبة بين السعودية وإيران لحل الخلافات بينهما عبر جولات الحوار التي جرت وستجري مستقبلا بين الطرفين في بغداد. وأضاف الكاظمي -في مؤتمر صحفي الأربعاء- أن المباحثات وصلت إلى مراحل متقدمة جدا، وأن حجم الخلافات بين الطرفين كان كبيرا ويحتاج إلى عملية بناء الثقة، وهي مسألة تحتاج إلى وقت طويل، حسب توقعاته. وأوضح الكاظمي أن العراق أصبح اليوم محطة التقاء الكثير من الدول، إذ إن هناك 5 محاولات لتصفية خلافات بين الدول تمت في بغداد، حسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
وأضاف: سمعتم بالحوار الإيراني السعودي، الذي وصل إلى مراحل متقدمة، وهناك حوارات أخرى وجميعها نجحت، ولم نعلن عنها في حينها احتراما لطبيعة الدور السري الذي يقوم به العراق. ومما لاشك فيه أن حرص الكاظمي على نجاح المفاوضات السعودية الايرانية سينعكس بشكل ايجابي على العراق، لأن الوضع في العراق محتقن بسبب الصراع الإيراني الأميركي من جهة، والصراع الإيراني الخليجي من جهة ثانية.
من المُقرَّر حال نجاح جولات المفاوضات التي استضافها العراق أن ينتهي الحوار بين الرياض وطهران بإعادة العلاقات المقطوعة منذ منتصف عام 2016، لكن استعادة العلاقات وصولا إلى مرحلة تبادل السفارات بين البلدين يتطلَّب تنازلات كبيرة. فمن جهة، تتهم إيران السعودية بدعم الفصائل المعارضة للنظام الإيراني في الداخل والخارج، وتقديم الدعم السياسي والمالي لها، وفي مقدمتها “جيش العدل” جنوبي شرقي إيران (وهو يُمثِّل المعارضة السنية) ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بينما تتهم الرياض طهران بدعم الجماعات الشيعية المتمركزة في القطيف شرقي المملكة، والتدخُّل في شؤون الدول العربية ودعم جماعات تعتبرها السعودية إرهابية مثل حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية.
قد تشمل التفاهمات أيضا تحوُّلات كبرى في مواقف البلدين، إذ يقود التقارب السعودي مع إيران إلى تقبُّل النظام السوري باعتباره أمرا واقعا من جانب الرياض، لا سيما أنها لم تعد تشترط رحيله عن السلطة كما كان الحال خلال العقد الماضي، لكنها في المقابل تشترط رحيل إيران وميليشياتها من سوريا.
إن استضافة العراق للمفاوضات السعودية الايرانية وبرعاية مصطفى الكاظمي، هو انجاز يحسب له على مستوى العلاقات الإقليمية. فالعراق في عهد الكاظمي شهد الانفتاح الكبير في علاقاته العربية والإقليمية والدولية، فقد اتجه الكاظمي نحو تبني سياسة جديدة تركز على الاقتراب أكثر من محيطها العربي بإعادة بناء الثقة مع دول خليجية، هي السعودية والإمارات، واتخاذ مسارات اقتصادية جديدة لبناء نوع من العلاقات الاقتصادية المتميزة مع الأردن ومصر. فقد استضاف العراق القمة الثلاثية العراقية الاردنية المصرية، حيث عُدت علامة للدور الإقليمي الفاعل الذي يقدمه العراق في العمل على استقرار المنطقة وتطوير إقتصادها والتعاون المشترك الإقليمي بما يعزز أمن شعوبها وتقدمها. لكن ليس بالضرورة أن يكون اقتراب العراق من محيطه العربي على حساب العلاقات مع إيران، أو الابتعاد عن محورها على الرغم من تشديد الرئاسات الثلاث، الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، على ضرورة إبعاد العراق عن سياسة المحاور الإقليمية أو الدولية، وعدم السماح باتخاذ العراق ساحة لتصفية حسابات دول أخرى ، مثل الولايات المتحدة وإيران، أو الاعتداء على الدول انطلاقا من الأراضي العراقية.
دوليًا، أسس الكاظمي من خلال الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الإستراتيجى بين العراق والولايات المتحدة لعلاقات إستراتيجية جديدة منطلقها تغيير صفة ومهام ما تبقى من الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق، وتعمل فى الوقت نفسه على تحقيق قدر من الاستقرار الأمني والسياسي. فالكاظمي بما يمتلكه من الصفات جعلته رجل المرحلة، ومنها أنه شخصية مقبولة داخليا وخارجيا ولم تسجل عليه تجاوزات سياسية أو طائفية، فقد حقق الكاظمي خلال فترة رئاسة الحكومة، قبولاً وطنياً غير مسبوق، ورضا دولياً وإقليمياً، فهو يجسد عودة الدولة العراقية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية