بدا عاموس هوكشتاين، مستشار الرئيس الأمريكي جو بايدن لأمور الطاقة، متفائلا خلال زيارته إلى لبنان التي بدأها بتغريدة عبر حسابه على تويتر يصبّح فيها على بيروت ويعتبرها «منظرا رائعا للاستيقاظ من مقر السفارة الأمريكية» وأنهاها بـ«خبر سار» هو أنه تلقى من «ترويكا» الرؤساء اللبنانيين، ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري، أفكارا تظهر أن «الحكومة اللبنانية قامت بخطوة قوية جدا إلى الأمام».
تضاربت تحليلات اللبنانيين، لما حدث فعلا فالإعلام القريب من «حزب الله» لاحظ أن الزيارة تزامنت مع تحليق للطيران الإسرائيلي وخرق جدار الصوت فوق قرى الجنوب اللبناني، وذكر أن هوكشتاين كان مهتما بالاستفسار عن مدى جدّية الحزب الشيعي، الموالي لإيران، في تنفيذ تهديداته، وأن المندوب الأمريكي لاحظ إجماع الرؤساء اللبنانيين، وكذلك موقف قائد الجيش، العماد جوزف عون، وأن المندوب لم يُظهر مرونة تجاه الطرح اللبناني «لكنه لم يرفضه».
اتجاه آخر للتحليل قدّم التطوّر الحاصل ضمن خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، حيث تجاوز سعر الدولار سقف 30 ألف ليرة، وارتفعت أسعار المحروقات لتصل صفيحة البنزين لسقف 700 ألف ليرة، وتشير هذه الخلفية، وسرور هوكشتاين مما سمعه، إلى أن الإدارة السياسية اللبنانية قدّمت اقتراحات معتدلة تساعدها على حل الإشكاليات الاقتصادية الخانقة التي تحيق بالبلاد، وهو ما يلاقي هوى لدى الأمريكيين، المشغولين بدورهم بحلول لقضايا الطاقة في العالم بعد الأزمات الكبيرة التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك للحكومة الإسرائيلية المنهمكة أيضا بالاستفادة من الإمكانيات التي فتحتها الأزمة العالمية في مجالات الطاقة، وهو ما يعني أن الأطراف كلّها تحاول خفض سقف توقعاتها والوصول إلى تسوية لهذه القضايا العالقة بسرعة.
تقاطع مصادر المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الإدارة السياسية للبنان تخلت عن الخط 29 حيث تجنب الرؤساء الثلاثة طرحه في لقاءاتهم مع المبعوث الأمريكي، وهو ما يعني إخراج حقل كاريش من منطقة النزاع، وبذلك أقرت السلطات اللبنانية أن الخط الحقوقي للبلاد هو الخط 23 مع تعرج قبالة حقل قانا، ويضاف لذلك مطالبة إسرائيل بوقف الأعمال في المنطقة الحدودية إلى حين حصول اتفاق يفترض أن يجري توقيعه في بلدة الناقورة الحدودية، وبذلك انتقل توصيف المنطقة الجنوبية المحاذية للخط 29 من «منطقة متنازع عليها» إلى «منطقة حدودية».
يضع هذا الحل حقل قانا كاملا ضمن النطاق اللبناني ويخلق خطا جديدا بين الخطين 23 و29 يقوم على تقسيم الحقول و«البلوكات» بحيث لا يكون هناك منطقة مشتركة بين لبنان وإسرائيل، وبذلك يفقد تهديد الأمين العام لـ«حزب الله» بما يتعلق بحقل كاريش معناه، وذلك مقابل وعود أمريكية باستكمال ما وعدت واشنطن به لبنان من حيث استثنائه من قانون قيصر، والسماح بمدّه بالغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، وكذلك السماح بتجديد المساعدات النفطية العراقية، واستمرار المساعدات الإنسانية.
تقدم الخلفيات الاقتصادية لموضوع الترسيم البحري اللبناني مع إسرائيل تفويضا للرؤساء اللبنانيين للهبوط عن سقف التهديدات الإسرائيلية الساعية لإرهاب اللبنانيين بالحديث عن تحضيرها لقصف «آلاف الأهداف» كما تسمح لـ«حزب الله» أيضا بالهبوط عن سقف تهديداته لسفينة التنقيب اليونانية ما دامت صارت خارج «المناطق المتنازع عليها» ويسمح كل ذلك، لأمريكا، بالحديث عن سعيها لإعادة الاستقرار والأمن للبنان، وكذلك الحفاظ على أمن إسرائيل.
لا ندري، مع ذلك، إن كانت إسرائيل، التي ستحظى بمنطقة للتنقيب غير متنازع عليها، ستحاول مجددا التفاوض مع اللبنانيين على حقل قانا، أم سيكون للخطة الأمريكية المشغولة بقضايا استراتيجية أكبر من الشرق الأوسط، دور في إقناعها بالقبول بالمقترحات اللبنانية «المعتدلة» وخصوصا في حالتها الراهنة، كحكومة ضعيفة مهددة بالسقوط في أي لحظة؟
القدس العربي