السعودية وتركيا: لقاء يحتاجه الطرفان؟

السعودية وتركيا: لقاء يحتاجه الطرفان؟

أعلنت زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، نهاية شهر نيسان/ ابريل الماضي، إلى السعودية، ولقاؤه ولي عهدها محمد بن سلمان، عن بدء صفحة جديدة بين البلدين، بعد الأزمة السياسية الحادة بينهما إثر مقتل الصحافي السعودي الشهير جمال خاشقجي، وإعلان أنقرة إحالة 26 سعوديا للمحاكمة باشتباه ضلوعهم في تلك الحادثة.
ويأتي تصريح «مسؤول تركي كبير» لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس، أن ولي العهد السعودي سيزور تركيا الأسبوع المقبل، ليؤشّر إلى أن القيادتين في البلدين تتجهان إلى مزيد من التقارب السياسي الذي يحتاجه الطرفان، لأسباب عديدة، وإلى الفوائد السياسية التي ستحصل عليها القيادتان، والفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها البلدان، فإن انخراطا سياسيا أكبر، لو حصل بين القيادتين، قد يساهم في تغييرات تمسّ بعض الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، والعالم.
من أسباب الترحيب التركي بهذا اللقاء هو أن القيادة الحالية، التي أعلنت بشخص رئيسها رجب طيب اردوغان، قبل أيام، عن بدء حملة الانتخابات الرئاسية، قررت، مدفوعة بالضغوط الكبيرة الناجمة عن الأزمة المالية التي تخوضها البلاد، إلى إعطاء الأولوية للاقتصادي على السياسيّ، وهو ما انعكس أيضا في انفتاحها على مصر، بعد معارك سياسية حادة على مدى سنوات مع القاهرة، على خلفيّة عزل الرئيس محمد مرسي، والاضطهاد الذي تعرض له الإخوان المسلمون، وكما انعكس على تقاربها مع تل أبيب، بعد قطيعة على خلفية القمع المتواصل الذي يتعرض له الفلسطينيون، رغم أن هذا القمع لم يتراجع بل يشهد تصعيدا كبيرا.
زيارة ولي العهد السعودي، إلى أنقرة، تبدو، بدورها، خاتمة ضرورية لـ «الاشتباكات» السياسية الطويلة الممتدة بين البلدين، على اتساع الجغرافيا العربية والعالم، وكان حدث حصار قطر، ذروة أخرى كبيرة فيها. كل ذلك يجعل الزيارة مناسبة لردم شرخ لم يعد ممكنا التعايش معه بين قطبين ولاعبين سياسيين واقتصاديين كبيرين في المنطقة.
خاضت القيادتان في تركيا والسعودية، ضمن السياق التاريخي الآنف، معارك كثيرة مع الخصوم المحليين والخارجيين.
اتخذت القيادة التركية قرارا سياسيا كبيرا، بعد القمع الوحشي الذي تعرّض له السوريون إثر الثورة على نظام بشار الأسد عام 2011، فانخرطت في النزاع بشكل مباشر، واستقبلت ملايين اللاجئين، كما خاضت نزاعا عسكريا مع روسيا بعد إسقاط طائرة سوخوي 24 عام 2015، وتعرضت لخذلان حلف الأطلسي الذي رفض دعمها في تلك المواجهة، وتبع ذلك محاولة انقلاب عسكري عام 2016، وتفسّر هذه الوقائع، جميعها، أشكال التوتّر بين أنقرة والغرب، كما تفسّر ضعف الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية.
في الحقبة نفسها تدخّلت الرياض في اليمن، الذي شهد بدوره ثورة ضد نظام علي عبد الله صالح، الذي قام بالتحالف مع الحوثيين، وهو قرار أدى لاحتلالهم للعاصمة صنعاء عام 2014، حيث ردّت السعودية، وكان بن سلمان حينها وزيرا للدفاع، بإعلان تحالف عسكري عربي ودخول الحرب التي أدت بدورها لضغوط كبيرة على الرياض، وإلى انفتاح ملف كبير لم يغلق حتى الآن.
مثل اردوغان، فقد تعرض حكم بن سلمان لتحديّات كبيرة، وبعد الحظوة الكبيرة التي حصل عليها خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبدّلت الأوضاع مع إدارة جو بايدن، وتعرّض ولي العهد السعودي لأشكال من الضغوط غير المسبوقة، وأدى الصدع الكبير مع واشنطن، إلى مواقف جديدة للرياض على الساحة الدولية، بما فيها الموقف من روسيا والحرب الأوكرانية، ورفض التجاوب مع طلبات «البيت الأبيض» في المساهمة في سد النقص الناجم عن الحرب على صعيد النفط.
رغم الاختلافات بين البلدين، والنظامين السياسيين، والزعيمين، تظهر معارك الداخل، وحروب الجغرافيا السياسية في الإقليم والعالم، حاجة إلى التقارب، وأنماطا من التشابه غير المحسوسة، والتي يمكن، لو تم استثمارها بحنكة، ضمن المستجدات الدولية والعواصف التي يمكن تحسس إنذاراتها، في مجالات السياسة والطاقة والغذاء، إلى تغيير محسوس في معادلات المنطقة.

القدس العربي