تترقّب روسيا وأوكرانيا جولة الإعادة في الانتخابات النيابية الفرنسية المقررة اليوم الأحد، وسط توقعات بأن يدعم فوز تحالف “معاً” بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، الموقف الأوروبي الموحد الداعم لأوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية، بينما قد يعزز فوز “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” اليساري بقيادة المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، جان ـ لوك ميلانشون، القوى الأوروبية الداعمة لتطبيع العلاقات مع روسيا.
ومع ذلك، ثمة شكوك في أن تحدث الانتخابات المرتقبة أي تغييرات جذرية في السياسات الفرنسية والأوروبية تجاه موسكو وكييف، في ظل تحول ميلانشون إلى التنديد بالأعمال الروسية في أوكرانيا، وسعي ماكرون للمناورة بين الجناحين المؤيد والمعارض للتطبيع مع روسيا في المجتمع الفرنسي.
وفي هذا الإطار، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن الفوز المحتمل لميلانشون سيؤدي إلى انقسام النخبة السياسية الفرنسية، مقللاً في الوقت نفسه من واقعية تحقيق روسيا مكاسب كبيرة جراء ذلك.
وقال كوكتيش في حديث مع “العربي الجديد”: “في حال فوز تحالف ميلانشون في الانتخابات النيابية، سيؤدي ذلك إلى انقسام في مؤسسة الحكم الفرنسية، إذ سيضطر ماكرون الذي يبقى رئيساً، للتعامل مع برلمان يصعب التحكّم فيه، ما سيشبه الوضع حين شغل جاك شيراك منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس فرانسوا ميتران”.
روسيا غير مستفيدة من الانتخابات الفرنسية
ومع ذلك، قلل كوكتيش من أهمية الادعاءات بشأن استفادة روسيا من انقسام النخب السياسية في الدول الأوروبية، مضيفاً: “تعيش أوروبا حالة انقسام منذ سبع أو ثماني سنوات، ولم تجن مكاسب جراء ذلك سوى الولايات المتحدة، التي تمكنت من التحكّم في بروكسل وحرمان دول الاتحاد الأوروبي من استقلاليتها بواسطة حلف الأطلسي”.
كيريل كوكتيش: فوز ميلانشون سيؤدي إلى انقسام في مؤسسة الحكم الفرنسية
وكان لافتاً أن ماكرون استبق الجولة الثانية من الانتخابات النيابية بزيارة إلى كييف برفقة المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، دعموا خلالها منح أوكرانيا صفة بلد مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وسط تسريبات إعلامية كشفت عن سعيهم أيضاً لإقناع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خلف أبواب مغلقة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا.
أما موقف ماكرون، فبدا متناقضاً في ظل دعمه لترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي من جانب، وتلويحه بإمكانية قيامه بزيارة إلى روسيا، من جانب آخر.
وأشار كوكتيش إلى أن زيارة ماكرون إلى كييف وتصريحاته الأخيرة لا يمكن قراءتها خارج سياق حملة الانتخابات النيابية، قائلاً: “أصبحت الدعاية الانتخابية في الاتحاد الأوروبي تحل محل السياسة، فسعى ماكرون لمخاطبة الناخبين في الداخل الفرنسي بشقيهما الداعم لأوكرانيا والمؤيد لتطبيع العلاقات مع روسيا في آن معاً. وفي جميع الأحوال، لا يعني منح أوكرانيا صفة بلد مرشح قبولها تلقائياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وخير مثال على ذلك تركيا المرشحة لعضوية الاتحاد منذ عام 1999″.
وعلى صعيد الإعلام، بدت الصحف الروسية الموالية للكرملين منحازة لليسار الفرنسي، إذ نشرت صحيفة “فزغلياد” الإلكترونية مقالاً بعنوان “لدينا ما نتحدث عنه مع ميلانشون”، للمؤرخ أندريه بولونسكي.
وذكّر بأن ميلانشون ظل حتى بدء أعمال القتال في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، يمتنع عن أي تصريحات مناهضة لروسيا، بل تحدث مراراً عن ضرورة امتنان العالم لروسيا والاتحاد السوفييتي على التغييرات والآمال العظيمة في القرن الـ20، مطالبا بإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا.
ومع ذلك، أشار بولونسكي إلى أن ميلانشون ندد بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وأعرب عن دعمه لكييف، من دون أن يمنعه ذلك من السخرية من تزايد شهوة أوكرانيا ورغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من دون المساهمة في اقتصاده.
ميلانشون الأقرب إلى روسيا
من جانب آخر، لفتت صحيفة “سترانا” الإلكترونية الأوكرانية إلى أن ميلانشون يعارض توريد الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانياوفتح السوق الأوروبية أمام الأيدي العاملة الأوكرانية الرخيصة، قائلة إن تعزيز مواقع اليساريين في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) قد يؤثر سلباً على الدعم الفرنسي لأوكرانيا.
فيتالي بورتنيكوف: نجاح ميلانشون لن يكون مؤثراً على السياسات الفرنسية تجاه روسيا وأوكرانيا
واعتبر الإعلامي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، أن نجاح ميلانشون لن يكون مؤثراً على السياسات الفرنسية تجاه روسيا وأوكرانيا طالما لم يحصل تحالفه على الأغلبية.
وقال بورتنيكوف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”: “يجب النظر إلى نتائج الجولة الثانية، ولكن نجاح ميلانشون لن يكون له معنى كبير في حال شكل الاشتراكيون الأقلية، وليست أمامهم فرصة واقعية للحصول على الأغلبية”.
يذكر أن ميلانشون عرف على مدى السنوات الماضية بمجموعة من المواقف الداعمة لتعزيز العلاقات مع موسكو، بما فيها زيارته إلى روسيا في عام 2018، حين شارك في فعالية “الفوج الخالد” التي تُقام في 9 مايو/أيار من كل عام لتخليد ذكرى من حاربوا ضد ألمانيا النازية، كما سبق له أن دعا مراراً إلى تحسين العلاقات الروسية الفرنسية وندد بتبعية بلاده للولايات المتحدة.
العربي الجديد