سقطت الجهود التي استمرت لأشهر لتشكيل حكومة جديدة في العراق في حال من الفوضى، بعد أن طلب رجل الدين الشيعي ذو النفوذ مقتدى الصدر من جميع نواب كتلته السياسية الانسحاب من البرلمان، الأحد الماضي، وقبول رئيس مجلس النواب طلبهم وتراجع مرشح الصدر لمنصب رئيس الوزراء عن التنافس على المنصب أيضا.
وقد أدى الانسحاب إلى اضطراب كبير في تشكيل الهيئة التشريعية المكونة من 329 مقعداً، وفقا لمجلة «تايم» ومن المرجح أن يمنح هذا الانسحاب المزيد من السلطة البرلمانية للأحزاب الموالية لإيران، ويمكن أن يساعد أيضاً في مواءمة حزب الصدر مع المحتجين العراقيين الذين أدانوا منذ عام 2019 النظام السياسي في البلاد، إذا تم النظر إلى هذه الخطوة على أنها رفض للوضع الراهن.
وحسب ما ورد، يقول الخبراء إن الشلل السياسي منذ الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر يعود جزئياً إلى السخط المستمر منذ فترة طويلة بين العراقيين الذين يشعرون أن النظام السياسي يعطي الأولوية لإبقاء النخبة في السلطة على توفير الخدمات الأساسية مثل الحصول على الكهرباء والمياه النظيفة على المدى القصير، ويعود السبب أيضاً إلى عدم قدرة الصدر على المضي قدماً في الإصلاحات السياسية التي من شأنها أن تعزز قوة حزبه.
ولاحظ محللون أمريكيون أن النظام السياسي العراقي قد نشأ تحت رعاية الولايات المتحدة في أعقاب الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2013 كحكومة توافقية توفر مقعداً على الطاولة لجميع الأحزاب السياسية الرئيسية.
وقال ديفيد رومانو، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة ميسوري وفقا لـ«تايم» إن الأمر قد يبدو جيداً من الناحية النظرية ولكن ما تم التوصل إليه كان مجرد تقسيم للغنائم والسلطة السياسية، ولذلك انتشر الفساد، وأضاف «لم يكن على أي شخص فعل أي شيء لأنهم حصلوا على نصيبهم من السلطة في كل الانتخابات بحكم أنهم قادمون من مجتمعات عرقية طائفية رئيسية».
الطائفية السياسية وفشل الدولة
وقد جادل الصدر، الذي ينظر إليه إلى حد كبير على أنه زعيم قومي وشعبي عراقي بأن دعوته لسحب أنصاره من البرلمان هي في خدمة الشعب العراقي.
ووفقا للخبراء، بحسب تقرير «تايم» فإن وجود حكومة توافقية هو المسؤول جزئياً عن ترسيخ نظام لا يستجيب لاحتياجات الشعب العراقي، وقالوا إن النخبة سرقت مؤسسات الدولة واستخدمتها لبناء شبكات رعاية شخصية في ظل هذا النمط من الحكم، وهناك اتفاق بين العديد من المحللين الأمريكيين على أن سبب الشلل في العراق يعود في المقام الأول إلى النخبة المفلسة.
وأشار المحللون إلى المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت المدن العراقية بين عامي 2019 و2021 احتجاجاً على الطائفية السياسية وفشل الدولة في توفير الوظائف أو الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصرف الصحي، وهي المظاهرات التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد الهادي وانتخابات تشريم الأول/أكتوبر، التي شهدت فوز كتلة الصدر.
واستنتج العديد من المحللين أن خطة الصدر قد لا تكون مجرد حشد الناس، ولكن الدعوة إلى التظاهر من إجل إسقاط الحكومة المقبلة وإهانة خصومه.
وعلى أية حال، تشترك الولايات المتحدة في بعض المسؤولية عن فشل الحكم في العراق، بسبب دعمها لنظام التوزيع الطائفي المستمر، حيث يقسم نظام الكوتا الأدوار الوزارية والوزارات ومواردها بين الأحزاب العرقية والطائفية.
ومن المرجح، وفقا للعديد من المحللين الأمريكيين، أن يكون للولايات المتحدة دور ما في تشكيل النتيجة النهائية للمعركة السياسية الحالية في العراق، وبالنسبة لواشنطن فإن الحفاظ على الوضع الراهن أكثر أمناً من عدمه، وسيساعد في تجنب أزمة جديدة محتملة للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبغض النظر عن النتيجة النهائية للعبة السياسية في العراق فإن واشنطن مهتمة بالدرجة الأولى بالاحتفاظ بالقوات الأمريكية في البلاد بشكل ما والاستمرار في التأثير على دولة ذات أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط.
وبالنسبة للعديد من الخبراء في واشنطن، قد تشكل المتغيرات السياسية في العراق لحظة مناسبة لإدارة بايدن لإعادة النظر في كيفية تطوير العلاقات الاستراتيجية مع اللاعبين الرئيسيين في العراق خارج قوات الحشد الشعبي.
ولاحظ محللون أن الانتقال السياسي في العراق قد يستغرق عدة أشهر ولكن ملامح البيئة المستقبلية تتشكل في وقت مبكر.
الشرق الأوسط