بين الحديث عن “الاختراق الإيجابي” وأن العلاقة “في طريق عودتها بالكامل كما كانت”، و”القرار بالإجماع باستئناف العلاقات مع النظام السوري”، تعددت صيغة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون في حركة حماس، من دون ذكر أي أسماء، لوكالات الأنباء العالمية الرئيسية، لتسريب قرار العودة للتواصل مع النظام السوري، بعد 10 سنوات من القطيعة بسبب الثورة السورية.
وتطرح عودة العلاقة بين “حماس” والنظام بعد قطيعة دامت عقداً كاملاً الكثير من الأسئلة. لكن قيادات الحركة لا تجيب عنها في الوقت الراهن، على الأقل في العلن، مكتفية بتسريبات عبر مصادر.
حسام الدجني: ستجد “حماس” نفسها في بحر من الانتقادات
وبينما امتنع 7 مسؤولين من حركة حماس، تواصلت معهم “العربي الجديد” على مدى اليومين الماضيين، عن التعليق على الخبر نفياً أو إيجاباً، ورفض النظام السوري التعليق على استفسارات وكالات الأنباء، قال مسؤول رفيع المستوى في الحركة، فضل عدم الكشف عن هويته لوكالة “فرانس برس”، أمس الأول الثلاثاء، إن “الاتصالات مع سورية في تحسن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه”.
زيارات لقادة “حماس” إلى سورية
وأشار المسؤول إلى “زيارات عديدة قام بها قادة حماس إلى سورية”. وأضاف المسؤول للوكالة إن “سورية داعمة للقضية والشعب الفلسطيني، وحماس حريصة على العلاقة مع سورية وكل الدول العربية”.
وكان مسؤول في الحركة، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لوكالة “رويترز” أمس الأول، إن “الطرفين عقدا لقاءات على مستويات قيادية عليا لتحقيق ذلك”. وقال مسؤولان في “حماس” إن الحركة “اتخذت قراراً بالإجماع لإعادة العلاقة مع سورية”.
في موازاة ذلك، بدا “مصدر فلسطيني”، تحدث لـ”الأناضول” الثلاثاء الماضي، أكثر استفاضة في شرح تفاصيل التحول وكيفية حدوثه، بالقول إن جهود قيادة “حزب الله” أفلحت أخيراً في تليين موقف رئيس النظام بشار الأسد، باتجاه إعادة التقارب مع “حماس”.
وقال إن ذلك مثّل “ضوءاً أخضر لفتح قنوات اتصال بين الطرفين، فيما يجري الترتيب تدريجياً لترجمة الجهود المبذولة إلى خطوات عملية على أرض الواقع”.
وأضاف أنه تم الاتفاق على عقد لقاء على مستوى رفيع بين النظام السوري وقيادة “حماس” خلال الفترة المقبلة، وأنه يجري الترتيب لذلك على عدة مستويات داخلية وخارجية لدى الحركة. وبيّن أن قيادة الحركة أطلعت عدداً من الدول العربية والإسلامية على تطورات جهود استعادة علاقتها مع النظام السوري، والتي بدورها أبدت ترحيباً بهذه الخطوة.
ورغم استبعاد أن تعود العلاقة كما كانت لظروف كثيرة، إلا أنّ الواقع بات يوضح بشكل أكيد أنّ الطرفين اقتربا من إعادة العلاقة بعد القطيعة، والتي بدأت بطلب النظام، مع بداية الثورة في سورية، موقفاً مؤيداً له ورفض الحركة لذلك، قبل أن تغادر دمشق إلى الدوحة، وتعلن وقوفها إلى جانب الشعب السوري في ثورته على النظام خصوصاً بعد تعامله الوحشي مع المحتجين في سورية، ومنهم الكثير من اللاجئين الفلسطينيين.
يذكر أن خيار “حماس” نقل مكاتبها الخارجية إلى دمشق في العام 1999 جاء بعد قرار السلطات الأردنية إغلاق مكاتبها في عمّان، جراء توتر العلاقة بين الطرفين نتيجة عدم التفاهم حول بعض الملفات في القضية الفلسطينية ومنها علاقة “حماس” بالسلطة والضفة الغربية.
ويومها كان ترحيب النظام السوري بالحركة ومكتبها السياسي في دمشق، نابعاً من تحقيق المصالح المشتركة، أي أن النظام عزز دعايته في دعم محور المقاومة، واستخدام ورقة “حماس” أمام إسرائيل والمنطقة، فيما تجد الحركة لها منصة للدفاع عن مبادئها وممارسة السياسة التي تنتهجها انطلاقاً من قاعدة إقليمية راسخة، أي دمشق.
النظام لن يقدم لحماس الامتيازات السابقة
غير أنّ النظام السوري بوضعه الحالي لن يقدم لـ”حماس” ما حصلت عليه سابقاً من امتيازات في التدريب العسكري والدعم اللوجستي وغيره، ما يضع مزيداً من التساؤلات عن حاجة الحركة لإعادة العلاقات كما كانت سابقاً مع النظام.
وحاولت إيران ومعها “حزب الله”، حليفا النظام السوري، إعادة العلاقة في العام 2018 بين النظام و”حماس”، لكن النظام كان معارضاً لذلك بشدة، وكانت وسائل إعلامه والإعلام المقرب منه يشهران سيف “الإساءة” لبعض قيادات ورموز “حماس” رداً على هذه المحاولات، وفق مصادر “العربي الجديد”.
كما تكررت المحاولة في 2019 و2021 عندما نقل الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، طلال ناجي، تحيات رئيس النظام السوري بشار الأسد للفصائل الفلسطينية ومن بينها “حماس” بعد زيارته لدمشق ولقائه الأسد قبل أن يأتي الرد بعد أيام من خلال ممثل الحركة في لبنان أسامة حمدان بقوله في تصريح تلفزيوني “من يحيّنا بتحية نرد بخير منها”.
وفي العام نفسه، وفق المصادر نفسها، التي تحدثت مع “العربي الجديد”، بدأت جهود إيران و”حزب الله” تأخذ منحى آخر، مع موافقة النظام على الالتقاء بقيادات في “حماس”، إلى أن توج ذلك بإعلان من مصادر في الحركة أنّ قراراً اتخذ بإعادة العلاقة مع النظام السوري.
غياب تبريرات نشطاء “حماس”
وفي العادة، تجد تبريرات من ناشطي “حماس” لقرارات اتخذتها الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذه المرة لم يكن هناك تفاعل من نشطاء الحركة مع خبر عودة العلاقة مع النظام السوري، ما يعطي مؤشراً على وجود “تعليمات” بعدم الخوض في الأمر.
بدأت جهود إيران و”حزب الله” في 2021 تأخذ منحى آخر، مع موافقة النظام على الالتقاء بقيادات في حماس
وغياب التبريرات والمواقف المكملة لما أعلن، يجعل من الصعب على الحركة تبرير موقفها الذي لاقى انتقادات من مؤيديها في الساحة العربية وكثير من السوريين.
وعن هذا الأمر، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، حسام الدجني، لـ”العربي الجديد”، إن التبرير ليس سهلاً، وستجد “حماس” نفسها في بحر من الانتقادات، لا سيما من السوريين والدول التي لا تزال تخالف النظام السوري.
غير أنه أشار إلى أنّ حالة الاستقطاب والمحاور باتت واضحة، وتفرض نفسها، في ظل التحولات الإقليمية وسرعة قطار التطبيع بين بعض العرب وإسرائيل.
وأوضح الدجني أنّ “حماس” معنية بأن يكون لها موطئ قدم في المعادلات السياسية الجديدة، وتطوير العلاقة بين الحركة والنظام السوري جزء من ذلك، مشيراً إلى أنّ العلاقة مع إيران و”حزب الله” عوامل ستفتح الطريق لأن يكون هناك استكمال للتقارب.
وبينّ أنّ “حماس” ستكون على موعد مع جدل إعلامي وسياسي كبير في المرحلة المقبلة، بين الإجرام الذي يمارسه النظام بحق شعبه وبين احتياجاتها كحركة مقاومة محاصرة من الجميع.
من جهته، أعرب الباحث والمعارض السوري رضوان زيادة عن اعتقاده أن العامل الرئيسي الذي دفع النظام و”حماس” للقيام بهذه الخطوة هو إيران. وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”: “طبعاً النظام لم يخسر شيئاً، لكن حماس خسرت ثمن موقفها الذي اتخذته، وستخسر بعداً إقليمياً من وراء هذه الخطوة”.
وأضاف: “بالنسبة للنظام، حماس لا تمثل شيئاً مفيداً سوى ورقة للتدخل في الموقف الفلسطيني، ولا أدري ماذا ستجني حماس من هذه الخطوة التقاربية مع النظام سوى فتح مكتب لها في دمشق”.
ولفت زيادة إلى أن “النظام أثخن قتلاً وتعذيباً بفلسطينيي الداخل وفلسطينيي 1967، وهو حتى لم يفرق بينهم وبين السوريين المدنيين، ولم يُقم لهم أي اعتبار. وبالنهاية حماس الخاسر الأكبر من هذه الخطوة شديدة الغباء”.
العربي الجديد