يقود الإطار التنسيقي جملة من المشاورات لتشكيل حكومة عراقية ائتلافية تنهي المأزق السياسي في البلاد، بعد أن فشل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في ذلك، إلا أن مراقبين يقولون إن الاحتكام إلى الشارع بات سيناريو أكثر ترجيحا سواء نجح الإطار التنسيقي في تشكيل حكومة أو فشل في ذلك.
بغداد – يواجه العراق صيفا ساخطا بعد سحب أكثر السياسيين شعبية حزبه من البرلمان، بعد الفشل في تشكيل حكومة. ولكن حتى مع استعداد بغداد لشهور من الاضطراب في الشوارع، يتعين على العالم الأوسع نطاقا الاستعداد لمواجهة التداعيات الاقتصادية والأمنية.
ويقول الكاتب والمحلل الأميركي بوبي جوش إن النتيجة الأكثر ترجيحا لقرار مقتدى الصدر الانسحاب من العملية السياسية، هي عودة الاحتجاجات العنيفة التي عصفت بالبلاد في أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020.
وفي الواقع، ستكون الاضطرابات المنتظرة أكثر إرباكا، حيث إن أنصار الصدر، الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات السابقة، أفضل تنظيما من المجموعة التي بلا قيادة، التي كانت تمثل جوهر تلك الاحتجاجات وهم أكثر غضبا أيضا.
وأضاف جوش أن الصدر الذي اكتسب شعبية في الانتخابات الأخيرة في الخريف الماضي، شعر بالإحباط في جهوده لتشكيل ائتلاف حاكم.
الفوضى السياسية في بغداد سيئة تماما مثل وجود حكومة عراقية جديدة تعمل بالوكالة لحساب إيران
وسوف يشعر هو وأتباعه بأن العملية السياسية خذلتهم، تاركين الميدان العام ليكون المرحلة الأولى لاستعراض القوة. فالاحتجاج، الذي غالبا ما يكون عنيفا، هو السمة التي يبرع فيها الصدر.
وفي ظل انتمائه إلى أسرة من رجال الدين الشيعة ضحوا بحياتهم لمعارضتهم صدام حسين، صنع اسمه بنفسه في عام 2003 بتشكيل ميليشيا، عرفت بجيش المهدي، ضد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بصدام حسين.
وقد تمت هزيمة مقاتلي الصدر، لكن خطابه المضاد للولايات المتحدة لم يفتر مطلقا.
ومؤخرا، تصرف الصدر كشخصية قومية، وعارض النفوذ الخبيث لإيران ذات الأغلبية الشيعية في شؤون العراق.
وعلى الرغم من أن الصدر حل رسميا جيش المهدي عام 2008 بعد دخوله السياسة الانتخابية، فإن الكثير من أتباعه ظلوا مسلحين ومنظمين وخطيرين.
ولكن الجماعات السياسية التي أحبطته في البرلمان، بما في ذلك منافسوه الذين تدعمهم إيران، لديها الميليشيات الخاصة بها.
ويشكل الشيعة نسبة 60 في المئة من الشعب العراقي، وسوف تتجنب الحكومة المركزية الضعيفة برئاسة مصطفى الكاظمي التدخل في أي نزاع داخلي.
وتعتبر هذه بوادر كئيبة بالنسبة للعراقيين الذين يواجهون احتمال رؤية الدماء في شوارعهم. كما أنها نذير سوء بالنسبة للاقتصاد العالمي، ففي الوقت الذي يشهد ارتفاعا في أسعار النفط، من الواضح أن حدوث عدم استقرار مطول في ثاني أكبر دولة منتجة سيكون هو آخر ما يريده أي أحد.
ويعاني السوق بالفعل من نقص في الإمدادات من جانب دولة عربية أخرى منتجة للنفط مزقتها الفوضى السياسية، وهي ليبيا.
وبإمكان المشترين للنفط أن يأملوا فقط في أن يكون الكاظمي قادرا على تأمين المنشآت النفطية والحفاظ على استمرار عمل خطوط الإمداد، إذا اندلع قتال طائفي في المناطق الجنوبية التي يهيمن عليها الشيعة، والتي تضم غالبية احتياطيات البلاد النفطية.
ويرجح مراقبون تواصل الفوضى السياسية في العراق حتى وإن تمكن الإطار التنسيقي، الذي بات الكتلة البرلمانية الأكبر، من تشكيل حكومة جديدة، في ظل عدم مشاركة التيار الصدري النافذ في السلطة التنفيذية.
ويذهب هؤلاء إلى التكهن بعدم استمرار الحكومة العراقية الجديدة، إن تم تشكيلها، لأكثر من عام واحد، مشيرين إلى احتكام أنصار الصدر (الفائز بالانتخابات النيابية) إلى الشارع لإسقاطها.
وكان الصدر حذّر في خطاب تلفزيوني من النجف منتصف يونيو الجاري من غضب المظلوم والحليم في حال انتهاء مهلته، بذهابه إلى المعارضة وعدم استطاعة القوى الأخرى تشكيل حكومة جديدة.
ويشير مراقبون إلى أن تلويح الصدريين بالتحول إلى المعارضة الشعبية بدلا من المعارضة السياسية، ربما يدخل العراق في نفق اضطرابات تغذيها غضبة شعبية قد تتحول إلى أعمال عنف في الشوارع.
واعتبر المراقبون أن ترك الكتلة الصدرية لمقاعدها في البرلمان لأول مرة منذ عام 2005، مقامرة كبيرة من قبل الصدر، أكثر الساسة العراقيين نفوذا، مشيرين إلى قدرته الكبيرة على حشد أنصاره في الشارع وإفشال أي محاولة من قبل خصومه لتشكيل حكومة والمضي قدما لاستكمال أي استحقاقات.
ولا تعد استقالة نواب الكتلة الصدرية انسحابا كاملا للتيار من الحياة السياسية.
وحذر المحلّل حمزة حداد من “انعدام الاستقرار، خصوصا إذا لم يحصل الصدريون على مناصب داخل السلطة التنفيذية”.
وتواجه إدارة بايدن خطرا مزدوجا، فمن الواضح أن أي فقدان للإمدادات العراقية سوف يقوض الجهود الرامية إلى تهدئة سوق النفط، وخفض الأسعار في محطات الوقود قبل الانتخابات النصفية في الخريف المقبل. والأمر الذي لا يقل أهمية، هو أن انسحاب الصدر سوف يعزز موقف إيران في وقت جغرافي سياسي حساس، يسعى فيه الرئيس الأميركي في الوقت نفسه للتفاوض لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة إلى طمأنة الدول العربية المجاورة للعراق بأنه ليس هناك ما يدعوها إلى الخوف.
وسوف يكون الاضطراب السياسي في العراق مفيدا لإيران، على الأقل على المدى القصير. فوفقا للقانون العراقي، أصبحت المقاعد البرلمانية التي تخلى عنها الصدر من نصيب مرشحين حصلوا على ثاني أكبر عدد من الأصوات.
وفي معظم الحالات، كان أولئك مرشحين من أحزاب تدعمها إيران. وتعتبر تلك الكتلة، المعروفة بالإطار التنسيقي الآن في أقوى وضع لتشكيل حكومة ائتلافية.
وسوف يعني هذا عودة رئاسة الوزراء إلى نور المالكي الذي اتسمت الفترتان السابقتان له في المنصب، من 2006 إلى 2014، بالحصول على ترخيص مفتوح من إيران لتعميق نفوذها في الشؤون العراقية، خاصة في القوات الأمنية.
كما دعمت إيران شبكة موازية من الميليشيا الشيعية، استخدمتها لمهاجمة القوات الأميركية في العراق وإطلاق هجمات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة ضد المملكة العربية السعودية.
وكان نجاح الكاظمي الذي يعتبر مواليا للغرب، محدودا في كبح الميليشيات، ومن المحتمل ألا يحاول المالكي حتى القيام بذلك. وبدلا من ذلك، سوف يستخدم قوات الأمن لقمع أي انتفاضة من جانب أتباع الصدر.
وقد تمضي أسابيع وربما شهور قبل تشكيل حكومة جديدة. ولكن إيران، بوجه خاص، ليست في أي عجلة لتحقيق ذلك. فإذا ما فشلت المفاوضات النووية، كما هو محتمل بصورة متزايدة، سوف تكون كامل الحرية متاحة لإيران لاستغلال العراق لإثارة المتاعب للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
وإذا ما أدى نزاع بين الشيعة إلى عرقلة تدفق النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، فإن ذلك سيكون مناسبا لإيران تماما، إذ إن أي ارتفاع في الأسعار سوف يعزز إيراداتها من التصدير الذي تقيده العقوبات.
وبالنسبة للولايات المتحدة ليست هناك نتائج جيدة، فالفوضى السياسية في بغداد سيئة تماما مثل وجود حكومة تعمل بالوكالة لحساب إيران.
العرب