لا شك أن المراقب المتابع لتطورات الأوضاع والمتغيرات والزيارات خلال الصيف الحالي يشهد حراكا غير مسبوق لإعادة ترتيبات التحالفات والتوازنات في المنطقة. تحضيراً لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولى لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وعلى رأسها زيارته القادمة في منتصف شهر يوليو لكل من إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية وعقد قمة مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يتبعها بقمة تساعية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. وطبعاً ستكون قضايا الأمن وتأكيد بناء الثقة وملفات أمن الطاقة وأسعار النفط وملف إيران النووي والأزمة في اليمن ومحاربة الإرهاب والتأكيد على أهمية التحالف الأمريكي مع الحلفاء في دول الاعتدال العربي على رأس أولويات المباحثات.
هذه الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن الغارق في أزمات وملفات الداخل الأمريكي والانقسامات حول التضخم وارتفاع الأسعار ورفع أسعار الفائدة والصراع المحتدم حول الإجهاض وانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر القادم- تفرض نفسها بقوة على إدارة بايدن في صراعها مع الحزب الجمهوري وخشية خسارة أغلبية الحزب الديمقراطي الضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ- مدفوعة بتداعيات حرب روسيا على أوكرانيا التي دخلت شهرها الخامس دون أن يكون هناك أي آفاق لحل دبلوماسي لأكثر الحروب ضراوة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
يصاحب ذلك كله تغير مقاربة الرئيس بايدن وإدارته من تقوقع وتغليب تفكير أيديولوجي عاطفي تجاه السعودية إلى واقعية سياسية فرضتها المتغيرات الدولية والإقليمية.
الملاحظ خلال الشهر الحالي تسارع الحراك حول تعويم إسرائيل لتكون جزءا من الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط- ضمن الاتفاق الإبراهيمي من تسريبات عن نصب إسرائيل شبكة رادارات في دول خليجية وعربية إلى تأكيد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي افيف كوخافي عن تشكيل تحالف عسكري جوي في المنطقة، و»التعامل مع 6 جبهات قتال ونواجه تهديدات أبرزها النووي الإيراني-وسنستهدف أهدافا عسكرية ومدنية تدعم الإرهاب، وتتضمن خططنا تدمير آلاف الأهداف في كان ملفتاً تصريح الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن لشبكة CNBC- يوم الجمعة «سأكون من أوائل من يدعمون تشكيل حلف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي.. وبدأت دول الشرق الأوسط التي تعمل مع بعض وتتفق في التفكير على العمل معاً ومساعدة بعضنا البعض لمواجهة تحديات حرب روسيا على أوكرانيا في حل يكون الجميع رابحا.»
هذه الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن الغارق في أزمات وملفات الداخل الأمريكي والانقسامات حول التضخم وارتفاع الأسعار ورفع أسعار الفائدة والصراع المحتدم حول الإجهاض
لكن دون ذلك عقبات كبيرة-وأسباب فشل مثل هذه المبادرة الطموحة المكررة أكثر من فرص نجاح تحالف شرق أوسطي يضم إسرائيل لتعوض وتملأ بعض فراغ التراجع والانكفاء الأمريكي وليس الانسحاب من المنطقة.
مبادرات التحالفات الأمنية والدفاعية في الشرق الأوسط انتهت جميعها بالفشل وهذا دون وجود إسرائيل من ضمن الأعضاء. من حلف بغداد إلى مبادرات الدفاع العربي المشترك والتحالف العربي في اليمن وحتى مبادرتي أوباما وترامب فيما عرف بـ التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط بين 6+2- دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن -ولم يبصر النور-وتراجعت عنه مصر ولم تتحمس له الدول الأخرى-لأنه يستهدف إيران وغير واضح مهمته ومن هو العدو وتركيبة الحلف وقواته وقياداته ومركز القيادة والتحكم وعديد القوات ونوعها ومقرها؟!
أما بإضافة إسرائيل فالأمور تزداد تعقيداً. إذا كانت إدارة بايدن تسعى لترتيبات تعوم فيها إسرائيل في تحالف شرق أوسطي-سياسي واقتصادي وأمني ودفاعي-تحضر الأرضية اليوم لذلك عشية زيارة بايدن للمنطقة-فهذه مبادرة لن تبصر النور. خاصة وأن إسرائيل لن تغامر بتعريض أمنها وجنودها للخطر لحماية حلفاء معدودين ونصب شبكات دفاعها وكشف إسراراها-
كما أنه لا يوجد إجماع خليجي وعربي حول التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل أو مواجهة واستهداف إيران. ويشكل تطوير إسرائيل لمبدأ أو عقيدة الأخطبوط باستهداف العمق والداخل الإيراني تهديداً مباشرا للدول الخليجية من إيران التي لم تتردد بتهديد الدول الخليجية من استهدافها إذا ما تعرضت لاعتداء من أراضيها.
ناهيك أن إسرائيل تحولت لدولة منبوذة في محيطها العربي بسبب سياسة غطرسة القوة والتنكيل والقتل الممنهج وتصاعد وتيرة الاعتداءات الممنهجة ضد الفلسطينيين وخاصة في القدس وحي الشيخ جراح والاعتداء وتدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى بحماية وغطاء أمني.
ليس من مصلحة الدول الخليجية والعربية إقامة تحالف عسكري تكون إسرائيل عضوا رئيسيا فيه-لن يقدم قيمة مضافة وضرره أكبر من نفعه، ولن يكون تحالفا استراتيجيا، خاصة أنه لا يحظى بإجماع حكومات الدول العربية المعنية وفاقد للدعم الشعبي-واستعداء إيران، والأهم لا تراه إيران أكثر من تكتل معادٍ لها لا يملك قدرة الردع-وستوظف آلتها الإعلامية وأذرعها العربية من المتوسط لليمن لنهشه وإحراج الأنظمة التي ستنضم له. لذلك سيكون مصير هذه المبادرة كسابقاتها قفزا في الظلام!!
الأهم من كل ذلك هو نجاح تفعيل مبدأ بايدن في زيارته للمنطقة الشهر القادم بتحريك عملية السلام وحل الدولتين ضمن خارطة طريق تنزع فتيل التصعيد وتمارس الولايات المتحدة دور القيادة الغائب. وطمأنة الحلفاء الخليجيين المشككين بمبادرة تلتزم أمريكا بموقف ثابت وداعم للأمن والاستقرار باتفاقيات أمنية وحضور أمني وعسكري وإنهاء النزاعات خاصة في اليمن ودعم العراق للخروج من المأزق الأمني والسياسي وفي لجم التغول الإسرائيلي، وفي نزع فتيل حرب تقرع طبوله لخلط الأوراق- بينما يتحضر الإسرائيليون لانتخابات خامسة خلال ثلاث سنوات لنظام مشلول سياسياً ومأزوم داخلياً وإقليمياً!
القدس العربي