خلال عام 2021، وقّعت إيران اتفاق شراكة استراتيجية مع الصين لمدة 25 عاماً، وفي نهاية العام ذاته أعلنت نيتها عقد اتفاق شراكة مماثل مع روسيا، ومنذ شهر وقّعت اتفاق شراكة مماثلاً مع فنزويلا، فما دلالة اتفاقات الشراكة طويلة الأجل بالنسبة لإيران؟ ولماذا مع هذه الدول؟
منذ تأسيسه، اعتمد النظام الإيراني على عناصر القوة غير المادية من أجل رسم صورة إيران الخارجية، لخلق جاذبية للنموذج السياسي الإيراني، وبشكل يجعلها تحظى بقدر كبير من القبول. وقد اعتمدت إيران على أكثر من عنصر، منها الأيديولوجية الشيعية، والتحدث باسم الإسلام الثوري، ودعم المقاومة في المنطقة، وتعزيز العلاقات مع الدول المناوئة للولايات المتحدة.
تحالفات تستهدف تقويض النظام العالمي
وعملت إيران على تحقيق تلك الأهداف عبر توظيف أدوات أيديولوجية واقتصادية وثقافية وتجارية، وكان دعم النظم الثورية في أميركا اللاتينية، كما كان إعلان الخميني مبدأ “لا شرقية ولا غربية”، بما يعنى حياد إيران، وعدم موالاة أي من المعسكرين الشرقي والغربي، إلا أن سياسة إيران سارت على نحو مناقض للمبادئ المعلنة. فتؤشر الاتفاقات المبرمة بين إيران والصين وروسيا وفنزويلا إلى اشتراك هذه الدول مع إيران لبناء تحالفات تستهدف تقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وإلى جانب إعلان النية عن عقد اتفاق شراكة استراتيجية طويل الأجل مع روسيا، فإنه لم يتوقف التعاون العسكري والتكنولوجي والاقتصادي بين الطرفين، لا سيما في الشرق الأوسط، فقد أجرت روسيا مناورات بحرية مشتركة مع الصين وإيران في المحيط الهندي، كما تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمام نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو حول محور المقاومة لتدمير النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كذلك فإن الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين، التي جرى التوصل إليها العام الماضي، التي استمرت 25 عاماً، دخلت حيز التنفيذ، يأتي ذلك في إطار تزايد نفوذ الصين في الشؤون العسكرية للشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات مع معظم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
أحدث اتفاقات إيران في هذا السياق، كان الإعلان عن اتفاق شراكة استراتيجية طويل الأجل مع فنزويلا لمدة 20 عاماً، حيث أعلن الرئيس الفنزويلي أن لدى بلاده مشاريع تعاون مهمة مع إيران، مثل الطاقة، والنفط، والغاز، والمصافي، والبتروكيماويات، مشيراً إلى أن البلدين يعملان أيضاً على مشاريع دفاعية جرى توقيعها، خلال زيارة رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو، إلى إيران.
عالم متعدد الأقطاب
وذكر بيان صادر عن مكتبه كذلك أن البلدين يعملان نحو “عالم متعدد الأقطاب”. تتعامل إيران مع فنزويلا باعتبارها حليفاً. فكلاهما من كبار منتجي النفط وعضوين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وقد قامت إيران بتسليم الوقود إلى فنزويلا عدة مرات، ونقل النفط الفنزويلي لبيعه في الخارج في السنوات الأخير، كما يخضع البلدان لعقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة.
وتتمحور مصالح إيران مع فنزويلا في أن البلدين اقتصادان مكملان ويدعم أحدهما الآخر في مواجهة العقوبات الأميركية، فقد أشار المرشد الإيراني لدى استقباله الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، والوفد المرافق له، إلى صمود إيران وفنزويلا أمام الضغوط الشديدة والحرب الأميركية المركبة.
فقد جرى فرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاقية النووية لعام 2015 المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. أما فنزويلا، فقد فرضت إدارة أوباما وعديد من الدول الغربية عقوبات مستهدفة بعض الأفراد، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، كما وسّعت إدارة ترمب العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك على صناعة النفط.
التأثير في السوق العالمية
وأخيراً، حظر عديد من الدول واردات النفط الروسية بعد حرب أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، بالتالي فربما تستهدف الدول الثلاث التعاون فيما بينهما للتأثير في السوق العالمية في مجال الطاقة والنفط.
إجمالاً، توظف إيران مبادئ القوة غير المادية من أجل تشكيل تحالف مناهض للقيادة الأميركية للنظام العالمي، متخلية منذ تأسيس النظام الإيراني عام 1979 عن مبدأ “لا شرقية ولا غربية”، فقد اتجهت شرقاً منذ تأسيسها، وفي ظل انخراط قوى دولية جديدة في المنطقة، مثل روسيا والصين، فربما تحاول طهران استعادة دور شرطي الخليج، لكن لصالح الصين وروسيا.
انديندت عربي