بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على انسحاب “التيار الصدري” من المشهد السياسي في العراق، مع استقالة نوابه المنتخبين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من البرلمان، يطرح سياسيون ومراقبون في البلاد تساؤلات حول مصير تحالف “إنقاذ وطن”، والذي يجمع “التيار الصدري” وحلفائه بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة. ويعتبر هذا التحالف السياسي فعلياً الأول العابر للهويات الفرعية الطائفية والقومية في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003.
وكان قد أعلن عن تحالف “إنقاذ وطن” رسمياً في 23 مارس/ آذار الماضي، وجمع كلاً من “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدرت كتلته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (73 نائباً)، وتحالف “السيادة”، الممثل السياسي عن العرب السنة في العراق، بزعامة خميس الخنجر (يضمّ التحالف حركة “تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي وحركة “عزم”)، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان العراق بزعامة مسعود البارزاني. ونجح التحالف في جمع نحو 180 نائباً في البرلمان من أصل 329 نائباً، لكنه فقد الركن الأساسي منه بانسحاب الصدريين من البرلمان والعملية السياسية ككل.
الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة”: تواصل ثنائي
وكان من المقرر أن يعقد تحالف “السيادة” والحزب الديمقراطي الكردستاني اجتماعاً في مدينة أربيل للإعلان رسمياً عن موقفهما من التطورات العراقية الجديدة، بعد انسحاب الصدريين واستبدالهم في البرلمان بنواب آخرين معظمهم من قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران.
أبقى تحالف “السيادة” و”الديمقراطي الكردستاني” على التنسيق بينهما بشكل ثنائي خلال المرحلة الحالية
لكن وفقاً لمصادر رفيعة في بغداد وأربيل تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن مناورة سياسية متفقاً عليها بين الطرفين الأساسيين في تحالف “إنقاذ وطن”، ألغت فكرة تنظيم الاجتماع والإعلان عن مخرجات له. وتمّ الاتفاق عوضاً عن ذلك على الإبقاء على التنسيق بينهما بشكل ثنائي خلال المرحلة الحالية من دون تحديد المواقف في سلّة واحدة، كما كان متوقعاً منهما.
وفي هذا السياق، تحدث عضو بارز في “التيار الصدري”، لـ”العربي الجديد”، عن “استمرار التنسيق والتواصل حتى الآن بين قيادات تحالف إنقاذ وطن، بما فيهم التيار الصدري”. وأوضح المصدر في اتصال أجري معه عبر الهاتف من مدينة النجف، جنوبي العراق، أن “هدف التحالف لم يكن تشكيل الحكومة فقط، بل هو تحالف سياسي فكرته تحقيق أهداف ذات بعد مستقبلي، تؤمن بالشراكة وسيادة القانون والقرار الوطني من داخل العراق”، وشدّد على أن “التحالف لا يزال مدعوماً وبقوة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر”.
تنسيق مستمر مع قادة “التيار الصدري”
ولفت المصدر نفسه، طالباً عدم الكشف عن هويته، إلى أن “قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة على تواصل مع قادة التيار الصدري بشأن أي تطورات تشهدها الأزمة السياسية، خصوصاً المتعلقة بحراك تشكيل الحكومة”، وأضاف “لهذا فإن التنسيق مستمر وعلى مستوى عال بين أطراف التحالف الثلاثي، ولن ينقطع إطلاقاً، والتحالف لا يزال موجوداً على أرض الواقع”، على حدّ تعبيره.
بدوره، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، لـ”العربي الجديد”، إن تحالف “إنقاذ وطن” لا يزال موجوداً ولم يتفكك، مشيراً إلى “وجود تنسيق في مواقف قوى هذه التحالف حتى اللحظة”. وبيّن عبد الكريم أن “تنسيق المواقف السياسية والبرلمانية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، قائم ومتواصل”، وأن “الطرفين متفقان على الكثير من القضايا السياسية المهمة خلال المرحلة المقبلة”، وأن “التنسيق مستمر تحت هذا العنوان”.
وأشار القيادي في “الديمقراطي الكردستاني” إلى أنه “رغم انسحاب زعيم التيار الصدري من العملية السياسية، لكن أطراف تحالف إنقاذ وطن على تواصل مستمر مع قادة التيار والتفاهمات لا تزال مستمرة وبقوة مع الكتلة الصدرية، حتى وإن كانت خارج مجلس النواب”، وأكد “عدم وجود أي توجه لتشكيل أي تحالف سياسي جديد خلال المرحلة المقبلة”.
من جهته، قال العضو البارز في تحالف “السيادة”، النائب محمد قتيبة البياتي، لـ”العربي الجديد”، إن التحالف مع الصدريين والحزب الديمقراطي الكردستاني “قائم، والتنسيق والتفاهم موجودان وبقوة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة”.
وبيّن البياتي أن “الاتفاق على المبادئ ذاتها التي تأسس على أثرها التحالف، قبل انسحاب زعيم التيار الصدري من العملية السياسية في العراق، يجعل من التحالف مشروعاً سياسياً متكاملاً ومستمراً”، وتحدث عن “تنسيق” للمواقف السياسية بين تحالفه و”الديمقراطي الكردستاني” داخل البرلمان وخارجه.
لكن الخبير في الشأن السياسي العراقي إياد العنبر، رأى في حديث لـ”العربي الجديد”، معلقاً على مآلات التحالف السياسي بعد انسحاب الصدريين منه، أن “التحالف تشكّل من أجل غاية أساسية، وهي تشكيل الحكومة الجديدة”. ولفت العنبر إلى أن “تحالف إنقاذ وطن لم يكن تحالفاً انتخابياً، بل تحالفاً سياسياً لتشكيل حكومة، وهو لم ينجح في تحقيق هدفه، ولهذا لم يبق أي سبب لاستمرار التحالف في المرحلة المقبلة”.
وتوقع الخبير في الشأن السياسي أن يكون “حراك الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة منفرداً، وأن كل جهة تفاوض وتتحاور بشكل منفرد عن الجهتين الأخريين”.
مهدي عبد الكريم: أطراف تحالف إنقاذ وطن على تواصل مستمر مع قادة التيار
وكان تحالف “إنقاذ وطن” قد أعلن رسمياً عند تشكلّه ترشيح (وزير داخلية إقليم كردستان العراق) ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية العراقية، و(السفير العراقي في بريطانيا) جعفر الصدر لمنصب رئاسة الحكومة الجديدة، مؤكداً مضّيه بمحاولة تشكيل حكومة أغلبية وطنية، ومتعهداً بإكمال المسيرة الإصلاحية وخدمة الشعب العراقي عبر برنامج حكومي واضح وشفاف.
ودخلت الأزمة السياسية في العراق منعطفاً جديداً بعد تقديم نواب الكتلة الصدرية (73 نائباً) استقالاتهم من البرلمان، وانسحاب الصدر من العملية السياسية. وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يكون فيها “التيار الصدري” خارج البرلمان، بعدما ظلّ طوال السنوات الماضية محافظاً على نسبة لا تقل عن ثلث مقاعد القوى السياسية الشيعية، وسط هواجس من أن يكون “التيار الصدري” يعدّ لمرحلة جديدة من التحركات عبر قواعده الشعبية.
وبات تحالف “الإطار التنسيقي” الآن الكتلة الكبرى داخل مجلس النواب، بعد حصوله على غالبية مقاعد نواب الكتلة الصدرية، ما يجعله الفاعل الأساسي في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، إلى جانب تمرير أي قرار أو مشروع قانون يريده.
العربي الجديد