باشر تنظيم “داعش” في سورية أخيراً تغيير تكتيكاته، مع استهدافه على نحو متزايد مخازن الأسلحة التابعة للنظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الهجمات مجرد غطاء لتسليم التنظيم أسلحة، تحت ذريعة أنه استولى عليها بالقوة، ومدى ارتباط ذلك بوجود رغبة في استخدام التنظيم في أي مواجهة مقبلة، في حال شنت تركيا العملية العسكرية التي تلوح بها في سورية.
وقبل يومين، شن عناصر التنظيم هجوماً على نقطة عسكرية لقوات “قسد” في قرية البواردي، شرقي منطقة الهول في ريف الحسكة الشمالي، واستولوا على مستودع للأسلحة يحتوي على ذخائر وأسلحة فردية.
ويعتبر هذا الهجوم الأول من نوعه للتنظيم في مناطق سيطرة “قسد” بهدف اغتنام أسلحة وذخائر، وذلك بعد تكثيف هجماته في الآونة الأخيرة مستهدفاً النقاط الصغيرة والعربات والمجموعات الفردية.
زاد التنظيم من نشاطه اعتباراً من عام 2020، معتمداً على استراتيجيات مرنة لتأمين التسليح والأموال والآليات
كما هاجم عناصر التنظيم، يوم الخميس الماضي، موقعاً لـ”لواء القدس” الداعم للنظام السوري في ريف حمص الشرقي قرب مدينة القريتين.
ودارت اشتباكات بين الطرفين تسببت بسقوط قتلى بين عناصر الموقع، واستيلاء عناصر التنظيم على جميع الأسلحة في النقطة، بالإضافة للمعدات العسكرية فيه وسيارتي دفع رباعي عسكريتين. ووفق شبكات محلية، فإن شاحنة محملة بالأسلحة والذخيرة، وصلت إلى النقطة قبيل الهجوم، استولى عليها التنظيم.
مع العلم أن “داعش” استطاع في السنوات الأخيرة إعادة تنظيم قواته، عقب إعلان “قسد” والأميركيين والنظام السوري القضاء عليه اعتباراً من عام 2017، عبر استغلال شبكات الفساد داخل المؤسسة العسكرية للنظام والمليشيات المتنفذة في ريف حماة وحمص لشراء الأسلحة والمعدات.
نشاط “داعش” يتزايد
وزاد التنظيم من نشاطه اعتباراً من عام 2020، معتمداً على استراتيجيات مرنة لتأمين التسليح والأموال والآليات والطعام والدواء واللباس.
ويسمح لبعض الشبكات التي تهتم بالبحث عن الآثار، والآتية من مناطق السخنة وحمص وريف حماة، بالتنقيب في بعض المواقع الأثرية في البادية، مقابل حصوله على نسبة مالية. كما يعتمد على عدة مصادر لتأمين السلاح، ومنها مدافن الأسلحة التي تركها في فترة سيطرته على شمال سورية وشرقها بين عامي 2015 و2016، وما يستولي عليه عقب هجماته على قوات النظام وحلفائها، وعمليات شراء السلاح من السوق السوداء عبر وسطاء متعاونين مع خلايا التنظيم، أو من قوات النظام و”قسد” عبر شبكات الفساد لدى الجانبين.
وخلال السنوات الأخيرة، ألقت قوات النظام القبض على العديد الضباط وقادة المليشيات بتهمة سرقة الأسلحة وبيعها لتنظيم “داعش”. وفي عام 2020، ضبطت القوات الروسية في مدينة تدمر شحنة أسلحة كانت متجهة إلى التنظيم، كان مصدرها مليشيات “صقور الصحراء” ومباعة للتنظيم مقابل مبلغ 100 ألف دولار، إضافة إلى ما اشتراه التنظيم من أسلحة من بقايا فصائل المعارضة بعد توقيعها اتفاقيات تسوية مع النظام قضت بتسليم أسلحتها له، فلجأت إلى بيع جزء منها لسماسرة لهم صلة بالتنظيم، بدلاً من تسليمها للنظام.
ووفق مصدر مقرب من “قسد”، فإن هناك تفاهمات وتنسيقاً وصل إلى مستويات عالية بين النظام وإيران و”قسد”، بهدف توظيف أنشطة “داعش” في المواجهة المقبلة مع تركيا، وبغية حث الأميركيين على تقديم المزيد من الدعم لـ”قسد”.
واعتبر المصدر، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “قسد مجبرة على فتح المناطق التي تسيطر عليها أمام تحركات الإيرانيين والنظام وبتنسيق مع الجانب العراقي، المتمثل حصراً في جهات داعمة لإيران كالحشد الشعبي العراقي وجماعات حزب الله، في ظل التهديد التركي وتراخي الجانب الأميركي”.
وأوضح المصدر أن هذا الاتفاق يحصل بمعزل عن الجانب الروسي، الذي كثف ضرباته الجوية ضد “داعش”، غرب الفرات وفي بادية حمص، مشيراً إلى قيام “قسد” بنقل سجناء “داعش” من سجن الحسكة إلى سجن علايا في القامشلي، والأرجح أن يُسلّموا للعراق. ومن غير المعروف ماذا سيكون مصيرهم بعد ذلك، مع احتمال أن يُعاد إرسالهم إلى الأراضي السورية، ضمن السيناريو المذكور أعلاه.
وفي هذا الإطار، رأى المحلل الكردي فريد سعدون أنه في ظل التهديد التركي، فإن إعادة وضع حسابات جديدة للمنطقة ممكنة وأقرب للواقع، “خصوصاً أن تركيا لا تشكل خطراً على قسد وحسب، بل على حكومة دمشق وإيران. ومثلاً، إذا دخلت القوات التركية إلى بلدتي تل رفعت ومنغ، فإن المسافة بين منغ ونبل والزهراء هي 10 كيلومترات، ما يشكل تهديداً كبيراً لوجود القوات الحكومية والفصائل المدعومة من إيران”.
وأضاف سعدون في حديث مع “العربي الجديد” أنه في تلك المنطقة، ما زالت نحو 13 قرية تحت سيطرة “قسد”، وهي قريبة من نبل والزهراء، ويمكن القول إن هناك انتشاراً مشتركاً لقوات هذه الأطراف (وحدات حماية الشعب) وقوات النظام والروس وإيران.
كما تسربت أخبار عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين هذه الأطراف في منطقة حارة تنين القريبة من تل رفعت، بهدف التعاون ضد العملية العسكرية التركية.
عُقدت لقاءات بين الإدارة الذاتية والنظام السوري لـ”حماية” الحدود
ولكن سعدون استبعد وجود مثل هذا التحالف في مناطق شرق الفرات، نظراً لانتشار القوات الأميركية هناك. وأوضح أن الوجود الإيراني هناك ضعيف وكذلك وجود قوات النظام، على الرغم من الانتشار الذي حدث لقوات النظام بعد عام 2019.
و”الحديث عن تحالف بين هذه الأطراف في شرق الفرات ما زال مستبعداً نظراً لوجود القوات الأميركية في المنطقة، ولن تسمح واشنطن لقسد بالتحالف مع الإيرانيين في المنطقة، وهذا لا يمنع من وجود تنسيق أمني بين هذه الأطراف”.
أما بالنسبة لتسرب خلايا “داعش” إلى شرق الفرات، فقال سعدون: “هي موجودة أساساً هناك، لكن يمكن تقديم تسهيلات لها من بعض الأطراف ودفعها لاستهداف القوات الأميركية أو حتى قوات قسد”.
تفاهمات لـ”حماية الحدود” السورية ـ التركية
وبالإضافة إلى هذا التعاون، كشف مسؤول كردي بارز عن لقاءات بين “الإدارة الذاتية” الكردية شرقي الفرات وممثلين عن النظام السوري بوساطة روسية، للتوصل إلى تفاهمات حول “حماية الحدود” السورية – التركية، وهي اللقاءات الأولى من نوعها بعد تصاعد وتيرة التهديدات التركية بعملية عسكرية جديدة.
وذكر نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة الذاتية” بدران جيا كرد، في حديث مع راديو “روج آفا إف إم” الكردي، أنهم بحثوا أخيراً مع ممثلين عن النظام السوري سبل “حماية الحدود السورية التركية شمالي البلاد”، مضيفاً أنه “يوجد تفاهم بين الإدارة ودمشق على حماية الحدود منذ عام 2019، والآن يجرى النقاش بوساطة روسية لتوسيع ذلك التفاهم بما يخدم مصلحة المنطقة والاستقرار فيها”.
وأضاف أن البحث تناول “توسيع تلك التفاهمات لحماية الحدود لردع أي هجوم تركي محتمل”، مطالباً النظام السوري بأن تكون لديه “مواقف واضحة إزاء هذه التهديدات، لا سيما في موضوع السيادة، وضرورة التصدي لأي توغل تركي كونه يستهدف عموم سورية ويشكل خطراً على وحدتها واستقرارها ومستقبلها”.
وتسعى “الإدارة الذاتية” من لقاءاتها مع النظام السوري للتوصل إلى اتفاق يفضي إلى تسلم قوات النظام مهمة حماية الحدود مع تركيا لمنع وقوع الهجوم المرتقب، في حين يريد النظام نشر المزيد من قواته في شرق الفرات، بعد سنوات من خروجها من هذه المناطق الغنية بالنفط والطاقة ومصادر الغذاء، خصوصاً محصولي القمح والشعير، حيث يقتصر وجود قواته هناك حالياً على مربعات أمنية داخل مدينتي الحسكة والقامشلي.
العربي الجديد