يشكل تحسين العلاقات الأمريكية مع الرياض السبيل الوحيد لتغيير الموقف السعودي تجاه روسيا – وفي حالة الإخفاق في ذلك، فمن غير المرجح أن تحقق رحلة بايدن نجاحاً استراتيجياً.
من المقرر أن يسافر الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية خلال شهر تموز/يوليو في محاولة لتأمين خفض أسعار النفط وتحسين العلاقة الحيوية من الناحية الاستراتيجية مع الحليف الأمريكي القديم. والوقت من ذهب.
منذ غزو روسيا لأوكرانيا، استمرت أسعار النفط في التصاعد، كما ارتفع التضخم ويلوح الركود العالمي في الأفق. واليوم أصبحت غالبية الأمريكيين لا تؤيد بايدن. لذلك، يحتاج الغرب إلى مصادر بديلة عن النفط الخام الروسي، وليس هناك من هو أفضل من السعودية لتوفيره.
ولكن إعادة ترتيب العلاقات مع الرياض، أسهل أن تقال من أن تُنفذ. فالعديد من السعوديين ينظرون إلى حرب روسيا في أوكرانيا بطريقة مختلفة عن الغرب، وهو تصوّر أكثر تعمقاً من التحوط القائم على عدم اليقين في السياسات الأمريكية. ومن وجهة نظر الرياض، ليست هذه الحرب واضحة ما بين إيجابية أو سلبية. ويقيناً، صوتت السعودية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. ويتفق السعوديون على أنه ما كان على الكرملين اللجوء إلى القوة العسكرية؛ ولكن الغرب، من وجهة النظر هذه، ربما يكون قد استفز روسيا من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي (“الناتو”).
سيقضي المؤرخون سنوات في تحديد مَن كان على حق ومَن كان على خطأ، ولكن على السعودية أن تعيش في اللحظة الجيوسياسية الغامضة الحالية، والتي تختلف عن عام 1991، عندما برزت الولايات المتحدة منتصرة واضحة في نهاية “الحرب الباردة”. وبالطبع تساهم قناة “آر تي” العربية (“RT Arabic”)، في تضخيم السردية الروسية، كونها المنفذ الرئيسي للدعاية الروسية في الخارج وتتمتع بوقت بث بارز في المنطقة.
وقد يشير المرء بحق إلى عدم جواز الاستيلاء على الأراضي من خلال الحرب بموجب القانون الدولي، وهو مبدأ أساسي لاحترام سيادة جميع الدول المنصوص عليه في النظام الدولي الليبرالي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية – وهو نظام يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القضاء عليه. ولكن في حالة أوكرانيا، ينظر السعوديون إلى الغرب على أنهمنافق في معاقبته الأوليغارشية الروسية بعد الحرب. فمن وجهة نظرهم، إذا كان ينبغي معاقبة هؤلاء الأفراد، فكان يجب أن يكون ذلك قبل غزو 24 شباط/فبراير، وأن قرار معاقبتهم يسلط الضوء على الاستخدام التعسفي للسلطة بدلاً من الرد الشرعي على عدوان غير مقبول.
وفي السر، يقلق السعوديون بشأن من الذي ستعاقبه الولايات المتحدة بعد ذلك، بدلاً من التركيز على الكيفية التي أدى بها الفساد المدعوم من الكرملين إلى تقويض النظام العالمي القائم على القواعد الليبرالية. لذلك فإن وجهة النظر السعودية بشأن أوكرانيا غير متسقة عندما يتعلق الأمر بموقفها من إيران والقضية الإسرائيلية الفلسطينية، إذ تركز بشكل رئيسي على الاستحواذ المتصور على الأراضي بالقوة. بالإضافة إلى ذلك، ينظر السعوديون إلى تحرك الولايات المتحدة على أنه أبطأ فيما يتعلق بالرد على انتهاكات السيادة السعودية في الهجمات من الأراضي اليمنية مقارنة بردها على غزو أوكرانيا.
فضلاً عن ذلك، تتصرف السعودية اليوم بثقة متزايدة بشأن سياستها الخارجية وتريد ما هو أكثر من مجرد علاقة معاملات مع الولايات المتحدة. ولن تغير الرياض سياستها نزولاً عند طلب بايدن ببساطة. كما أن السعوديين لا يعرفون كيف (أو متى) ستنتهي الحرب الأوكرانية، ويعتبرون روسيا (والصين) طرفاً دائماً على الساحة السياسية العالمية. والأهم من ذلك أن الطرفيْن استفادا من “أوبك بلس”، ومن وجهة نظر عملية لا يوجد ببساطة حافز يدفع الرياض إلى التخلي عنها. وقد تساهم الرياض في المساعدة في عزل بوتين على المستوى التكتيكي، لكنها لن تنهي الشراكة معه.
ويتوجه بايدن إلى الرياض لمحاولة “إعادة تقويم” العملية الأولى التي دعا إليها في الأيام الأولى من توليه الإدارة الأمريكية من أجل “إعادة تقويم” العلاقات الأمريكية السعودية. ولكن هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة والموقف السعودي تجاه روسيا سيعقدان تلك الجهود. وبالتالي، قد يبدو أن أوكرانيا مجرد عرض جانبي في العلاقة الأكبر بين الولايات المتحدة والسعودية، لكنها توفر خلفية مهمة لواقع لم يعترف به بايدن بعد. ونحن بعيدون كل البعد عن “العلاقة الخاصة” التي جمعت بين الرياض وواشنطن في ثمانينيات القرن الماضي، حين عمل رونالد ريغان مع الملك فهد لخفض أسعار النفط سعياً إلى دفع الاتحاد السوفياتي نحو الانهيار الاقتصادي.
إن نزعة روسيا الانتقامية باقية لا محال، ولا تزال الصين خصماً طويل الأمد، والسعي إلى إعادة ضبط العلاقات مع الرياض هو الهدف الصحيح. ولكن إدارة بايدن قد لا تدرك ما يستوجبه بلوغ هذا الهدف، خاصة وأن بايدن قلل من أهمية الاجتماع المرتقب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. على بايدن أن يثبت بشكل موثوق أن الولايات المتحدة تقدّر الصداقة مع حليف جيوستراتيجي قديم وستبذل المزيد لمعالجة مخاوفه الأمنية الصحيحة على الرغم من تحويل انتباه الجيش الأمريكي إلى آسيا. بالإضافة إلى ذلك، لن تستطيع الولايات المتحدة مساعدة السعوديين على فهم الموقف الغربي من روسيا بشكل أفضل إلا بعد تحسين هذه العلاقة. وخلافاً لذلك، كما هو الحال الآن، من الصعب رؤية الكيفية التي ستنتهي بها رحلة بايدن بنجاح استراتيجي.
آنا بورشيفسكايا
معهد واشنطن