حسب تقرير خاص لـ«القدس العربي» نشر أمس، فإن قادة فصائل معارضة من محافظات الجنوب السوري الثلاث، القنيطرة ودرعا والسويداء، عقدوا مؤخرا اجتماعا في الإمارات ناقشوا خلاله إنشاء «منطقة آمنة» على امتداد الحدود السورية ـ الأردنية وبعمق يصل إلى خمسة وثلاثين كيلومترا، والهدف من ذلك، كما يظهر، هو حماية الأردن من التوغّل الإيراني، وكذلك وضع منطقة عازلة تمنع الهجمات المركزة التي شنّت من جهة النظام على الحدود الأردنية.
يحدث هذا في وقت تشهد فيه منطقة الشمال السوري استعدادات عسكرية تركيّة لإقامة «منطقة آمنة» أخرى على طول الحدود الشمالية لسوريا، وبعمق ثلاثين كيلومترا، الغرض المعلن منها، حسب تصريحات أنقرة، هو إعادة قرابة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، والواضح أن الهدف الآخر لها هو إبعاد الميليشيات العسكرية التابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة حزبا إرهابيا.
كان لافتا، في هذا السياق، تصريح صدر مؤخرا لأحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، بعد وصوله لمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت للمشاركة في لقاء لوزراء الخارجية العرب، قال فيه إن «كل الدول العربية» ستشارك في اللقاء «باستثناء سوريا المجمدة عضويتها».
تجيء هذه التطوّرات بعد فشل مناورات سياسية ودبلوماسية واسعة قامت بها دول عربية، بينها الجزائر والإمارات، لإعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وإعادة تطبيع العلاقات العربية معه، رغم استمرار الظروف والأسباب التي دفعت الجامعة لتجميد عضوية النظام نهاية عام 2011، ورغم تكشّف وقائع فظيعة جديدة عن ممارسات النظام، كان آخرها شريط الفيديو الذي عرضته صحيفة «الغارديان» البريطانية الذي وثّق قتل مواطنين سوريين وفلسطينيين التقطوا على الحواجز بسبب انتماءاتهم الدينية فحسب، ثم رميهم في حفرة وحرقهم.
أحد أسباب هذه التطوّرات على الجبهة الجنوبية هو تصاعد أهمية صناعة المخدرات تحت رعاية النظام السوري، والتكتيكات العنيفة التي اتبعتها عصابات «الكبتاغون» الرسميّة لشقّ طريق عبر الأراضي الأردنية نحو السعودية والخليج العربي، وهو أمر عزّز المخاوف الأمنية لدى الأردن، وخصوصا مع إمكانية حصول توغّل لميليشيات تابعة لإيران و«حزب الله» اللبناني.
الجديد في الموضوع، أن اجتماع القادة العسكريين السوريين جاء في الإمارات، التي كانت عنصرا فاعلا رئيسيا ضمن المنظومة العربية في التطبيع مع نظام الأسد، بحيث تراجعت الخلافات الأيديولوجية العربية، فالجزائر أخذت بالتنسيق مع أبو ظبي في خصوص استعادة نظام الأسد للجامعة العربية، متغاضية عن موقف أبو ظبي التي أصبحت الموقع العربي الأول للتطبيع مع إسرائيل.
المستجد الثاني هو، طبعا، هو انفتاح إمكانيّة تحرّك تركي لتحقيق مطلب «المنطقة الآمنة» السورية المزمن لأنقرة، والذي كان يلاقي دائما رفضا أمريكيا وروسيا وإيرانيا وأوروبيا، وذلك إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية، والحلف الأطلسي، لتأمين دعم أنقرة لقبول انضمام السويد وفنلندا للحلف، كما لتأمين «العالم التركيّ» الذي يشمل النفوذ التركي في آسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط.
عبر استغلاله سلطاته لتصنيع مخدرات ومحاولة تهريبها إلى الدول المجاورة وأوروبا، وبمقابلة اليد الممدودة من الأردن بهجمات مسلّحة على حدوده، وبصيرورته تابعا مباشرة لروسيا، التي تخوض حربا ضد المنظومة الغربية، قدّم نظام الأسد كل الأوراق المطلوبة لعزله، والتعامل معه كنظام خطر على العالم، وليس فقط على مواطنيه وجيرانه.
القدس العربي