إما أن تعود إيران إلى حجمها الطبيعي وتستبدل نظام ولاية الفقيه بنظام سياسي مدني يراعي مبدأ المواطنة أو أن ينهار النظام السياسي وتُطوى صفحة الدولة الدينية ويُنسى الخميني ومبدؤه في تصدير الثورة.
مَن يرغب في أن يصدق أن إيران صارت إمبراطورية لا تهمه حقيقة أن النظام الإيراني يعاني من أزمات في بنيته تسد أمامه الطرق التي تيسّر انضمام إيران إلى المجتمع الدولي. فإضافة إلى أنه لا يجد ضرورة في ذلك الانضمام فإنه لا يعترف بكل القوانين التي تنظم العلاقات بين الدول والتي من شأنها أن تضفي عليه نوعا من المصداقية.
إيران في ظل نظام الملالي هي دولة غير طبيعية بكل المقاييس.
عبر أكثر من أربعين سنة فشلت إيران في إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها العرب. وهي ظاهرة مرشحة للاستمرار إلى الأبد. لا ينفع لحل عقدها حوار يُجرى مع ذلك الطرف أو ذاك. فما لم تتخلص إيران من عقدها التاريخية والعقائدية فإنها ستظل تشكل مصدر خطر لا يمكن الاطمئنان إليه أو الثقة به حتى في الأمور الصغيرة.
ما لم تصل إيران إلى الإيمان بأن العلاقات بين الدول لا تحكمها العقائد فإنها ستظل عاجزة عن اكتساب احترام الدول الأخرى وهنا أقصد جيرانها الذين ابتلوا بتدخلاتها المزعجة وأوهامها التي جعلتها تعتقد أنها وصية على الآخرين من غير حق. وفي هذا فإن إيران تنتمي إلى عصور غادرها الإنسان المتحضر، هي عصور الطوائف والمذاهب، دينية أو سياسية على حد سواء.
إيران دولة منكمشة على نفسها، عاكفة على أوهامها وهي مؤهلة لمواجهة الكثير من الصدمات التي ستقلب أوضاعها رأسا على عقب. فالرفض الإقليمي لسلوكها نبه شعوبها إلى أن نظامها يهدر الكثير من الأموال الضرورية لاستمرار الحياة في مشاريع عسكرة المنطقة تحت شعارات طائفية لن ينتفع منها أحد. فهي مشاريع تسمّم حياة الشعوب الأخرى بعد أن تسمّم حياة الشعوب الإيرانية.
من غير أزمات في المنطقة لا يملك النظام الإيراني أسبابا للاستمرار. فذلك النظام ليس له استعداد لبناء إيران الدولة التي ترعى مواطنيها بأرقى الأساليب
يفاخر عسكريوها بالإمبراطورية القادمة فيما تعاني الأغلبية من سكانها من أزمات اقتصادية من شأن استمرارها أن تلحقها بالدول الفقيرة. وهي دولة ثرية بمواردها الطبيعية غير أن سياساتها الخارجية قائمة على نشر العصابات المسلحة في بلدان يمكن أن تكون العلاقة الطبيعية معها نافعة للشعوب الإيرانية على الأصعدة الاقتصادية والثقافية ويمكن لتلك البلدان أن تكون سندا لإيران في أزماتها إذا ما تخلت عن سياساتها واستعادت أوضاعها الطبيعية.
لقد بينت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران في مختلف المناسبات ولأسباب جوهرية أن هناك شرخا هائلا ما بين نظام الحكم الذي يتزعمه الولي الفقيه وبين الشعوب الإيرانية. فالدولة الدينية التي فرضها الفقهاء لم تتحول إلى دولة للمواطنين وليس في إمكانها أن تقوم بذلك بالرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على تأسيسها. ذلك لأنها ليست دولة مواطنة ولا تعترف بحقوق الإنسان ولا تضع الحرية في اعتبارها. العكس هو الصحيح. هي دولة استعباد تستعمل رعاياها في تنفيذ مشاريعها الظلامية. وليس لانتصارها معنى سوى العودة إلى أزمنة الاستبداد.
وبغض النظر عن الموقف الأوروبي المنافق والمتناقض لا يملك النظم الإيراني فرصة حقيقية لكي يفرض مشاريعه الظلامية تلك على شعوب المنطقة أو على شعوب إيران في الداخل. كل شروط الحياة السوية في عصرنا ترفضه وتضعه بين قوسي الأنظمة الذاهبة إلى سلة المهملات السياسية. ليست مناورات الاتفاق النووي أساسية في الحكم على مستقبل النظام الإيراني فهي مناورات يُراد من خلالها صناعة مناخ استفهامي مرير في المنطقة. يلعب سياسيو الغرب في ذلك لعبة قذرة لكن لا مستقبل لها. ذلك لأنها ستصطدم بحقيقة النظام الإيراني القائمة على العدوان.
من غير أزمات في المنطقة لا يملك النظام الإيراني أسبابا للاستمرار. فذلك النظام ليس له استعداد لبناء إيران الدولة التي ترعى مواطنيها بأرقى الأساليب. نظام من ذلك النوع كيف يمكنه أن يقود إمبراطورية على غرار الإمبراطورية الرومانية التي لا يمكن التفكير في استعادتها. لقد أغرت الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي جنرالات الحرب في إيران بالمضي قدما وراء أوهام فقهاء الظلام. وهو ما يعني العمى المطلق الذي سيقود إلى أن تصطدم إيران بالجدار الذي لن تقوى على اختراقه.
إما أن تعود إلى حجمها الطبيعي وتستبدل نظام ولاية الفقيه بنظام سياسي مدني يراعي مبدأ المواطنة أو أن ينهار النظام السياسي وتُطوى صفحة الدولة الدينية ويُنسى الخميني ومبدؤه في تصدير الثورة وينتهي الفيلم بانتصار الشعوب الذي يجب أن يقع، رغب الغرب في ذلك أم لم يرغب.
العرب