أجرى السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام رفقة قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال الأمريكي، جون برينان، الأربعاء، زيارة إلى مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، وبحثا مع قيادات «قوات سوريا الديمقراطية» و»مجلس سوريا الديمقراطية» ملفات عسكرية وأمنية بالتزامن مع تصاعد التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة غراهام لأنقرة ولقائه مع مسؤولين أتراك ضمن مساعيه للعب دور الوساطة بين «قسد» وتركيا وإنهاء التوتر بينهما وإتمام مبادرة لتجنيب شمال شرق سوريا عملية عسكرية تركية مزمعة.
وأعلنت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» عقب لقاء غراهام مع قيادة «سوريا الديمقراطية» حال الطوارئ ورفعت جاهزيتها القصوى في مناطق نفوذها فيما يبدو أنه فشل في المساعي الأمريكية للوساطة ونزع فتيل التوتر بين الطرفين واستعداد «قسد» للمواجهة العسكرية بعد رفضها لمبادرة السيناتور الأمريكي.
في غضون ذلك، زار وفد فرنسي بريطاني من القوات المشاركة في التحالف الدولي مدينة منبج والتقى بممثلين عن «مجلس منبج العسكري» والإدارة المدنية التابعين لـ «قسد» كما أجرى وفد من التحالف الدولي لقاءات مع «الإدارة الذاتية» في عين العرب /كوباني.
خيار المواجهة الذي اتخذته «قسد» مدفوعة بتفاهمات جديدة مع النظام السوري وبرعاية روسية، بات واضحا بعد أن أعلنت التوصل إلى خطة دفاعية مشتركة مع قوات النظام، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة هدفها التصدي لأي هجوم تركي محتمل. ويشمل الاتفاق مناطق القامشلي وعين العرب وعين عيسى ومنبج.
بالتوازي، بدأ ممثلون عن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ومسؤولون من نظام الأسد وبوساطة روسية مباحثات هدفها الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة في وجه هجوم تركي محتمل، لكنها تعرضت لجملة من القضايا الإشكالية من أبرزها رمزية رئيس النظام السوري، بشار الأسد باعتباره رئيسا للدولة، وطلب وفد النظام رفع العلم الحكومي في مناطق سيطرة «قسد» إضافة إلى انتشار حرس الحدود التابع لجيش النظام على طول الحدود السورية التركية في مناطق سيطرة «قسد» وطالب النظام بحصر التمثيل الدبلوماسي به فقط، ويرتبط هذا الشرط بتمتع الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بعلاقات دبلوماسية جيدة مع دول «التحالف الدولي ضد داعش» حيث تملك «الإدارة» سبعة مكاتب دبلوماسية في دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة لمكاتب رسمية في أمريكا ومصر وروسيا، وتحرص «قسد» على التمسك بهذا التمثيل.
إلا أن نقطتي الخلاف الرئيسيتين من وجهة نظر «قسد» تنحصران بتمسك النظام السوري بمركزية الحكم وهو ما يناقض رؤية وأجندة قسد، وحصر النظام السوري الهوية السورية بالمكون العربي الواحد وتهميش أي مكونات أخرى، والنقطتان هما ما أكدهما عضو هيئة الرئاسة المشتركة في «حزب الاتحاد الديمقراطي» ألدار خليل في تصريح صحافي مع وكالة «هاوار» المحلية معتبرًا «أن النظام لم يقتنع بالتخلي عن المركزية خشية سقوطه عن الحكم».
ولم تتناول المباحثات في مرحلتها الأولى قضايا خلافية وإشكالية أخرى أبرزها النفط السوري في مناطق سيطرة «قسد» وعائداته وقضايا الموارد والثروات الحيوانية والنباتية. وأشار المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية، نوري محمود في تصريحٍ صحافي إلى أهمية المباحثات مع النظام السوري «نعمل وبالتنسيق مع المسؤولين السوريين لتطوير صيغة عمل مشترك ورسم خطة دفاعية في مواجهة أي عدوان تركي، وهناك تطور إيجابي في هذا المجال» مؤكدًا على ضرورة الاتفاق على صيغة مناسبة.
في انعكاس المحادثات على الواقع العسكري، أكد المدير الإعلامي لقوات «قسد» فرهاد شامي بعد وصول أكثر من 500 جندي من قوات النظام إلى مناطق منبج وعين عيسى، أن الاتفاق ليس بالجديد إنما هو تفاهم عسكري بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية «لصد أي غزو تركي محتمل» موضحًا أن قوات النظام السوري ستقاتل إلى جانب «مجلس منبج العسكري» لصد أي هجوم تركي محتمل قد يستهدف منبج.
الناطق باسم «قسد» يرى أن «الاتفاق مع النظام السوري على الصعيد العسكري سوف يدعم الناحية السياسية، التي تتضمن العديد من الخلافات والمفارقات بين الطرفين، وسوف يدعم الوصول إلى توافق شامل يدعم وحدة البلاد وسلامتها والحفاظ على التراب السوري كاملاً» معتبرًا أن «الموقف الأمريكي والتحالف الدولي لمحاربة داعش خلال السنوات السابقة لم يكن بالمستوى المطلوب، لذا ليست هناك أي ضمانات فعلية حقيقية لردع المحتلّ، رغم وجود تصريحات إعلامية تظل في إطار الأقوال فقط من دون أن يكون لها أي تأثير ميداني».
ميدانيا، استهدف الجيش التركي بقذائف المدفعية نقاط عسكرية تابعة لـ «قسد» في محيط تل رفعت وعفرين، وشمل القصف بلدات وقرى العلقمية ومرعناز وشوارغة وتنب ومرش ومناطق أخرى، وحسب مصادر محلية اتصلت معها «القدس العربي» فقد طال القصف نقطة عسكرية مشتركة لقوات النظام و»قسد» على محور منبج الغربي، كما دفعت أنقرة بمزيدٍ من التعزيزات العسكرية إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض في منطقة عمليات «درع الفرات» وشملت التعزيزات أرتالاً ضمت دبابات ومدرعات وراجمات صواريخ ومدافع وصلت لمنطقة الباب بريف حلب الشمالي عبر معبر الراعي الحدودي، وفي الوقت نفسه أعلنت فصائل الجيش الوطني الجاهزية التامة للقتال.
في المقابل، دفع النظام السوري بتعزيزات عسكرية إلى مدينة القامشلي، سبقها وصول رتل آخر إلى مطار الطبقة العسكري في الرقة الخاضع لسيطرة «قسد». كما دفعت قوات النظام بتعزيزات مماثلة إلى ناحيتي منبج والعريمة في ريف حلب الشرقي بالقرب من خطوط التماس للمحور الممتد بين مدينتي الباب وجرابلس، وتمركزت قوات تابعة للنظام قادمة من جنوب الرقة في اللواء 93 في عين عيسى بريف الرقة.
وفي سياق متصل، استقدمت قوات التحالف الدولي عبر بوابة الوليد الحدودية مع العراق تعزيزات عسكرية ضمت شاحنات وسيارات مصفحة وأجهزة رصد ورادار. في حين، شهد مطار القامشلي تنفيذ قوات روسية تدريبات حية داخل المطار وانتشارا لجنود وأسلحة روسية داخل المطار تبعه وصول قرابة 50 عنصرا من ميليشيا «حزب الله» اللبناني إلى المطار، حسب ما تناقلت شبكات إخبارية محلية.
وعلى الصعيد السياسي والإعلامي تسعى «قسد» إلى تسليط الضوء واستحضار اتفاق سوتشي الذي وقعه الرئيسان الروسي والتركي في تشرين الأول/اكتوبر 2019 في سوتشي، محاولة من خلال التصريحات الإعلامية والصحافية لعدد من القيادات من أبرزهم مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» والرئيس المشترك لحزب «الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم تفعيل البند المتعلق بنشر حرس الحدود التابع لقوات النظام والشرطة العسكرية الروسية وهو ما أخرته «قسد» طوال السنتين والثمانية أشهر الماضيين. وينص البند حسب وثيقة الاتفاق – حسب الترجمة التركية- على: «اعتبارا من الساعة 12:00 ظهرا يوم 23 تشرين الأول/اكتوبر 2019، الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية – التركية، خارج منطقة عملية نبع السلام، بغية تسهيل إخراج عناصر PYD وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية التركية، وينبغي الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة، كما سيبدأ تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غربي وشرقي منطقة عملية نبع السلام، بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي». ونص الاتفاق على «إخراج جميع عناصر ypk وأسلحتهم من منبج وتل رفعت» وهو ما تتمسك به أنقرة بشدة.
يبدو أن أنقرة تلقت رسائل واضحة من واشنطن بعدم اكتراثها بالعملية العسكرية التركية ما دامت ستبقى في الحدود التي اتفقت بها مع روسيا، وهي المناطق التي أدخلت «قسد» إليها قوات النظام السوري بعد قرار الرئيس بإطلاق يد تركيا في عملية «نبع السلام».
وهذا يعني أن قرار العملية التركية أصبح يحتاج إلى موافقة روسية، رغم الاعتراض الإيراني، والموافقة الروسية مرتبطة بتحجيم الدور الأمريكي في شرق سوريا، وتحجيم الدور له أوجه متعددة بما فيها الاقتصار على ضرب المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن في كل مكان بما فيها منطقة تل رفعت شمال حلب، إلا أن لتلك المنطقة اعتبارات متعددة في حسابات المصالح، فروسيا وإيران ربما تفضلان بقاءها تحت سيطرة «الوحدات الكردية» كورقة ضغط ومساومة مع تركيا إلى فصل متأخر من الصراع في سوريا.
القدس العربي