قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لأنطون تراينفوسكي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الباحث عن حلفاء يخطط للقاء قادة كل من تركيا وإيران، في تحرك دبلوماسي ثان منذ غزوه لأوكرانيا في شباط/فبراير. وأشار إلى أن بوتين في أول رحلة له خارج موسكو بعد زيارة لعدد من قادة دول وسط آسيا أكد على أن الحرب تسير في مسارها الطبيعي. وستكون رحلته الثانية التي أعلن عنها الكرملين يوم الثلاثاء أبعد وذات تضاريس دبلوماسية صعبة: لقاء قادة إيران وتركيا، البلدين اللذين اصطفا أحيانا مع روسيا واختلفا معها ومع بعضهما البعض أيضا. ولو تحققت الزيارة كما هو مخطط لها في الأسبوع المقبل، فستكون فرصة لزيادة الدعم العسكري والاقتصادي لمواجهة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا وعقوباته على روسيا. إلا أن زيارة بوتين لطهران هي بمثابة محاولة لتقليل الضرر الذي تسببت به موسكو من خلال أخذ حصة طهران من النفط في السوق العالمي، ومع تركيا، عضو الناتو، التي سمحت بتوسع الحلف إلى الحدود الروسية، رغم اعتراض موسكو.
زيارة بوتين لطهران هي بمثابة محاولة لتقليل الضرر الذي تسببت به موسكو من خلال أخذ حصة طهران من النفط في السوق العالمي، ومع تركيا، عضو الناتو، التي سمحت بتوسع الحلف إلى الحدود الروسية، رغم اعتراض موسكو
ورغم الموارد المالية التي حصلت عليها روسيا بسبب زيادة أسعار النفط والإنجازات العسكرية الأخيرة في أوكرانيا إلا أن العقوبات أثرت على اقتصاد روسيا وقيدت من قدرتها للحصول على التكنولوجيا لاستخدامها العسكري. وبحسب البيت الأبيض فإن روسيا تريد الحصول على مئات من الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع بما في ذلك الطائرات القادرة على حمل صواريخ. ويقول المحللون إن إيران تستطيع منح روسيا طريقا للتجارة والخبرات في التحايل على العقوبات وتصدير النفط. وسيطر الجيش الروسي على معظم منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، لكن بثمن باهظ ودمار شامل وعدد كبير من الضحايا بين الطرفين. وأوقفت القوات الروسية تقدمها في الفترة الحالية من أجل تجميع صفوفها لكنها استمرت بدك الأهداف الأوكرانية بالصواريخ والقذائف المدفعية والمقذوفات الصاروخية. وفي الأسبوع المقبل سيلتقي بوتين بشكل مشترك ومنفصل مع الرئيسين إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن الزعماء الثلاثة سيناقشون السلام في سوريا، وهو النزاع الطويل الذي دعمت فيه روسيا وإيران نظام بشار الأسد ودعمت تركيا المعارضين له. وتقول الصحيفة إن سوريا هي النقطة العالقة بين تركيا وإيران، اللتين يمكنهما دعم بوتين في التحايل على الإجراءات الغربية أو زرع إسفين بين الدول التي اتحدت لدعم أوكرانيا. وتأتي زيارة بوتين لطهران كمحاولة لمواجهة التحرك الدبلوماسي للرئيس جوي بايدن الذي بدأ زيارة إلى الشرق الأوسط والاجتماع مع قادة السعودية ودول الخليج. وظل أردوغان على مدى السنوات حليفا مشاكسا للناتو، عمل أحيانا بالترادف مع أعضائه، ولكنه كان دائما يتابع مصالحه حتى لو خرقت الإجماع الغربي. وتقارب في السنوات الأخيرة مع بوتين وعارض لفترة قصيرة انضمام كل من السويد وفنلندا للناتو، بسبب دعمهما لحزب العمال الكردستاني والجماعات الإرهابية في الدول الجارة لتركيا.
بحسب البيت الأبيض فإن روسيا تريد الحصول على مئات من الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع بما في ذلك الطائرات القادرة على حمل صواريخ
وتحولت أنقرة التي تشترك بالبحر الأسود مع أوكرانيا وروسيا لأهم وأنشط وسيط بين بوتين والرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي. ونظمت تركيا في بداية الحرب اجتماعات سلام بين الطرفين، ومنذ توقفها عادت تركيا للتوسط مع روسيا لكي تسمح بعبور البواخر المحملة بالحبوب الأوكرانية ووصولها إلى السوق العالمي، كي تخفف من أزمة الغذاء حول العالم. واتسمت العلاقات الروسية- الإيرانية بالدفء بناء على المواقف المشتركة ضد الغرب، إلا أن موسكو حاولت بناء علاقات مع أعداء إيران في المنطقة مثل إسرائيل وأقامت علاقات مع بعض دول الخليج. إلا أن الميزان انحرف هذا العام، حيث أدت العقوبات الغربية ضد روسيا والتوتر المتعلق بحرب النفط، لتحول العلاقات مع طهران إلى أولوية لموسكو، وتقاربت العاصمتان أكثر.
والتقى بوتين مع الرئيس الإيراني على هامش قمة إقليمية في تركمنستان الشهر الماضي وتحدث إليه بالهاتف في بداية حزيران/يونيو. وأخبر بوتين رئيسي في لقاء تركمنستان “علاقاتنا في الحقيقة عميقة وذات طابع استراتيجي” مشيرا لزيادة التجارة بين البلدين إلى نسبة 81% العام الماضي. ومن المتوقع أن تنضم إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في اجتماعها المقبل بأيلول/سبتمبر في أوزبكستان. واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الشهر الماضي قبول عضوية إيران بأنها خطوة لتقوية المنظمة التي “تعتبر واحدا من المراكز الرئيسية في النظام العالمي المتعدد القطبية” مما يعمل على تخفيف الهيمنة الأمريكية. إلا أن العلاقات قابلة للتوتر بسبب اعتماد البلدين على النفط. وطالما عملت إيران وفنزويلا، الحليفتان المهمتان لروسيا في ظل عقوبات اقتصادية غربية قاسية، بشكل جعلهما تعتمدان على بيع النفط لدول آسيا، وتحديدا الصين. ودفعت العقوبات روسيا إلى نفس السوق الآسيوي.
ويقول المحللون إن المنافسة الروسية أجبرت فنزويلا وإيران على بيع نفطهما الخام بتنزيلات حتى تحافظا على المشترين. وربما رأى الكرملين في محادثات طهران فرصة لتجاوز الخلافات، إن أراد تجنب العقوبات التي أجبرت إيران على التعامل معها طوال السنين الماضية.
يطلق المسؤولون الإيرانيون على أنفسهم بالخبراء في مجال التحايل على العقوبات الأمريكية، وربما كانوا مستعدين لإشراك الروس في تجربتهم
ويطلق المسؤولون الإيرانيون على أنفسهم بالخبراء في مجال التحايل على العقوبات الأمريكية، وربما كانوا مستعدين لإشراك الروس في تجربتهم. وقال مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فائز: “لدى الإيرانيين تجربة كبيرة وقنوات استخدموها للتحايل على العقوبات، ويمكنهم تقديم ممرات للبضائع الروسية للسفر إلى إيران ومنها لأماكن أخرى” و “كل هذا نافع لروسيا”. ويقول المسؤولون الغربيون إن الدعم الإيراني العسكري للحملة الروسية في أوكرانيا ليس واضحا، وربما جاء بوتين بحثا عن تكنولوجيا متخصصة لمساعدة جيشه.
ورغم ما لدى موسكو من قوة عسكرية ضاربة وذخيرة تمكنها من شن غارات وهجمات بأثر مدمر إلا أنها كافحت في مجال الاستطلاع. ويمكن للمسيرات الهجومية والتجسس أن تعوض هذا النقص، فقد لعبت المسيرات التي زودت تركيا أذربيجان بها دورا في استعادة ناغورو كارباخ من أرمينيا عام 2020. ويقول الأوكرانيون إن صواريخ هيمارس التي زودتها الولايات المتحدة لأوكرانيا أسهمت في ضرب مخازن ذخيرة ومواقع قيادة روسية وبدقة وأبعد من خطوط القتال.
وقال مستشار بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان إن الولايات المتحدة لا تعرف إن زودت إيران روسيا بالمسيرات أم لا. وأكد أن عمليات القصف الروسي خلال الأشهر الماضية أدت لنفاد الأسلحة الدقيقة، وهناك إمكانية لنقص في طائرات الاستطلاع المسيرة. وقال “معلوماتنا تشير إلى أن الحكومة الإيرانية تخطط لتزويد روسيا بمئات من الطائرات المسيرات، بما في ذلك مسيرات قتالية قادرة على حمل الصواريخ وفي وقت سريع”. وأضاف أن الولايات المتحدة لديها معلومات عن تدريب القوات الإيرانية للروس كي يستخدموا المسيرات في هذا الشهر على أقرب تقدير.
القدس العربي