زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تعزز علامات الضعف في القوة الأميركية

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تعزز علامات الضعف في القوة الأميركية

القدس – لا شيء يوحي إلى حد الآن بأن جولة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط يمكن أن تحقق الكثير. وعلى العكس، فهي قد لا تنجح سوى في تأكيد التصورات بين الحلفاء والأعداء بأن قوة أميركا ونفوذها مستمران في التراجع.

وأظهرت زيارة بايدن إلى إسرائيل أنه لم يأت حاملا لأفكار واضحة بشأن الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين، ولم يبد في صورة الوسيط المحايد بالرغم من تصريحاته عن حل الدولتين. كما أن تركيز الرئيس الأميركي على إدماج إسرائيل في المنطقة وتمتين الروابط بينها وبين دول إقليمية لمواجهة إيران قد لا يكون أكثر من مجرد شعارات ترافق الزيارة.

ولاحظ مراقبون أن تركيز بايدن على إدماج إسرائيل في الشرق الأوسط هو بدوره قد لا يحقق فيه أيّ نتائج، مشيرين إلى أن سلفه دونالد ترامب سبق أن نجح في توسيع دائرة علاقات إسرائيل العربية، ولم يبق سوى السعودية التي لا يوجد أيّ مؤشر على أنها ستقول لبايدن تفضل وفز بهذا المكسب.

ومن المفارقات أن مبادرته “الجديدة والواعدة” مبنية إلى حد كبير على إرث سلفه. فربما يكون ترامب قد أضر بنسيج الديمقراطية الأميركية بشكل لا يمكن إصلاحه، لكنه حقق إنجازا في الشرق الأوسط لم يحققه أيّ شخص آخر، حيث حرك الإبرة في علاقات الدول العربية مع ألد أعدائها في يوم من الأيام.

زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى فرنسا تظهر أن الإمارات مستمرة في توسيع شراكاتها بغض النظر عما سيقال في قمة جدة

ولفت المراقبون إلى أن السعودية تريد قبل الحديث عن فتح قنوات التواصل مع إسرائيل حل ملفات أخرى مع بايدن، وهي ملفات حساسة يتجنب الرئيس الأميركي الخوض فيها بالوضوح الكافي، بل هو يعتمد التضليل خاصة ما تعلق بموضوع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وإلى الآن بايدن يناور، فهو أحيانا يقول إنه سيلتقي بالأمير محمد بن سلمان، وأحيانا يتعلل بكورونا، وأحيانا أخرى يقول إنه لن يلتقي به مباشرة وربما يلتقي به في قاعة كبرى مع آخرين، وهي مؤشرات على فشل الزيارة خاصة أن المملكة تعتبر أن التعاون مع ولي العهد هو المدخل لأيّ تفاهمات.

وصحيح أن بايدن يناور لإرضاء دوائر أميركية معادية للسعودية، وهو في الأخير سيجد نفسه وجها لوجه مع الأمير محمد بن سلمان كبوابة لأيّ تفاهمات اقتصادية أو عسكرية، لكن الأمر مثير للقلق بالنسبة إلى السعوديين الذين لم يعودوا يقبلون بمواقف أميركية في السر وأخرى في العلن.

وسيكون الاختبار الأكبر بالنسبة إلى العلاقة بين بايدن والسعودية، هو الموقف من إيران، وهل أنه سيكون قادرا على بناء تحالف إقليمي في مواجهتها في الوقت الذي يعمل ما في وسعه للتوصل معها إلى اتفاق بشأن الملف النووي دون أي ضمانات تتعلق بالأمن القومي للسعودية بصفة خاصة ودول الخليج ككل.

ولا يحمل الرئيس الأميركي أي تصور لمواجهة التهديدات الإيرانية لأمن دول الخليج، أو تهديدات أذرعها مثلما يفعل الحوثيون باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة، وهل أنه سيراجع موقفه بسحب الدفاعات الأميركية نحو جنوب شرق آسيا، أم سيمضي جديا في تعزيز تحالف خليجي – إسرائيلي – أميركي ذي أبعاد عسكرية، أم أن الأمر لا يتجاوز التسيوق الإعلامي.

وقد لا تقف صدمة زيارة بايدن عند قبوله بالأمر الواقع ومصافحة الأمير محمد بن سلمان أو تحديد موقف واضح من إيران وطرق محاصرتها، فمساعيه لتغيير موقف السعودية خصوصا والخليجيين عموما بشأن الإمدادات النفطية قد تصطدم بواقع مختلف. فالأمر لا يتعلق بالأمزجة بل بالمصالح، والخليجيون لا أحد يتوقع أن يقدموا تنازلات مؤلمة تضر بهم فقط لأجل كسب صداقة بايدن وعودته بمكاسب بيّنة في سلته.

ويستبعد خبراء ومحللون سياسيون أن يعود الخليجيون إلى الوراء بعد المكاسب التي حققوها من وراء تمسكهم بالزيادة المدروسة في الإمدادات والحفاظ على ارتفاع الأسعار وتحالفهم مع روسيا في أوبك+ حتى وإن كان ذلك يتناقض مع حسابات واشنطن.

ويشير المراقبون إلى زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد إلى فرنسا مطلع الأسبوع القادم، فهذه واحدة من أهم دول الخليج مستمرة في توسيع شراكاتها الاستراتيجية مع دولة مثل فرنسا بغض النظر عمّا سيقال في قمة جدة.

وكان الرئيس الإماراتي قال الأربعاء في أول خطاب متلفز منذ توليه منصبه، إنّ الدولة الخليجية باقية كمزود موثوق للطاقة، في رسالة قال مراقبون إنها جاءت في الوقت المناسب وحملت طمأنة للسوق في ظل الجدل الدائر حول وضع الطاقة العالمي وفي خضم الأزمة الغربية مع روسيا وتأثيراتها العميقة على إمدادات الطاقة.

الرئيس الأميركي لا يحمل أي تصور لمواجهة التهديدات الإيرانية لأمن دول الخليج، أو تهديدات أذرعها مثلما يفعل الحوثيون باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة

وقوبلت زيارة بايدن بشكوك عميقة من الفلسطينيين الذين يقولون إن مخاوفهم بشأن قضايا من بينها تقرير المصير وبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة نُحِّيَت بفعل محاولة إدخال إسرائيل في ترتيبات أمنية إقليمية مع الدول العربية.

ويقولون أيضا إن واشنطن تقاعست عن الوفاء بتعهداتها في ما يتعلق بإعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس، التي أغلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2019.

وقال بايدن، عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، إن الولايات المتحدة تريد أن ترى “سلاما دائما يتم التوصل إليه عبر المفاوضات بين دولة إسرائيل والشعب الفلسطيني”. وأضاف “يجب أن تظل إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية مستقلة”.

وحذر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ قبل أيام من تداعيات فشل زيارة بايدن إلى المنطقة في إطلاق أفق سياسي للحل السلمي بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وقال الشيخ للصحافيين في مدينة رام الله “إذا فشلت زيارة الرئيس بايدن في إطلاق أفق سياسي، سنذهب جميعا إلى مربع غير مريح إطلاقا”، مشيرا إلى مخاطر “فقدان الأمل لدى الفلسطينيين”.

ويرى الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو أن أقصى ما يمكن أن يقدمه بايدن للفلسطينيين في زيارته إلى المنطقة هو التأكيد على حل الدولتين لكن دون إجراءات فاعلة لإحياء عملية السلام.

ويعتبر عمرو أن لقاء بايدن وعباس سيكون أقرب إلى “مجاملة” في ظل تلاشي الاهتمام الأميركي بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والتركيز على دفع التطبيع العربي – الإسرائيلي.

وبالنتيجة، فإن كل هذه الشكوك تجعل من الصعوبة بمكان الحديث عن أن بايدن قد يفلح في رحلته بتحقيق أيّ من الأهداف السابقة.

العرب