في برنامج خاص تناقش مجموعة من الدبلوماسيين المحنكين والباحثين من الخليج وإسرائيل وواشنطن أهداف رحلة الرئيس بايدن إلى إسرائيل والضفة الغربية والسعودية ومخاطرها، فضلاً عن فرص الرئيس الأمريكي في النجاح.
“في 11 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع تمار هيرمان، دينيس روس، ابتسام الكتبي وروبرت ساتلوف. وهيرمان هي زميلة أقدم للأبحاث في “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” والمديرة الأكاديمية لـ “مركز فيتربي فاميلي للرأي العام والبحوث السياسية”. وروس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن. والكتبي هي مؤسسة ورئيسة “مركز الإمارات للسياسات “وعضوة في “اللجنة الاستشارية” لـ «مجلس التعاون الخليجي». وساتلوف هو “المدير التنفيذي” للمعهد. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
تمار هيرمان
تشير نتائج الاستطلاع الأخيرة التي جرت في إسرائيل إلى أن نجاح زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل سيتحدد من خلال كيفية تعامله مع خمسة تحديات مميّزة وثلاث فرص. ويكمن التحدي الأول في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وهو أمر غير مواتٍ لبايدن لأن الإسرائيليين سيكونون أكثر تركيزاً عليها من القضايا التي يثيرها خلال زيارته لإسرائيل. ثانياً، القضية الفلسطينية مهمشة منذ سنوات، وإثارتها الآن تبدو غير واقعية بالنسبة للإسرائيلي “العادي”. ثالثاً، تضخمت وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ فترة طويلة ووجدت خلافاً في المواقف التي اتخذتها الأصوات التقدمية داخل حزب بايدن، مما دفع العديد من المواطنين الإسرائيليين إلى الشك في أنه سيقدّم تنازلات في قضايا مهمة لإسرائيل. رابعاً، يعتقد معظم الإسرائيليين أن واشنطن والقدس تختلفان بشأن إيران، ويفترضون أن هذا التفاوت في الآراء سيميّز المناقشات المتعلقة بإيران في هذه الرحلة. أخيراً، تشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية بايدن بين الإسرائيليين أقل بكثير من شعبية الرئيس ترامب، على الرغم من أنه يتمتع بشعبية أكبر من الرئيس أوباما.
أما بالنسبة للفرص، ففي مقدمتها الدعم العميق الذي يُعرب عنه اليهود الإسرائيليون للتطبيع مع الدول العربية، والذي يشمل “اتفاقيات إبراهيم” والتوقعات الحالية للتوصل إلى انفراج مع السعودية خلال زيارة بايدن. ثانياً، يبدو أن الإسرائيليين أكثر استعداداً للإصغاء إلى الولايات المتحدة لأنهم يرون أن الإدارة الأمريكية لم تضغط كثيراً على القدس بشأن القضايا الحساسة قبل بدء الزيارة. ثالثاً، تأمل أحزاب الوسط واليسار في إسرائيل في [عَرض]أجندة جديدة. على سبيل المثال، تحدَّث رئيس الوزراء يائير لبيد عن أجندة فلسطينية في خطابه الأول كرئيس للوزراء، وهو ما لم يحدث منذ سنوات.
لكن في الوقت نفسه، تؤكد استطلاعات الرأي أن معظم السكان اليهود في إسرائيل يُعرّفون أنفسهم بأنهم يمينيون، لذا فمن غير الواقعي أن نأمل في حدوث تغيّر كبير في الانتخابات المقبلة. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من العرب الإسرائيليين يعبّرون عن دعمهم لحل الدولتين، إلا أن ثلث المستطلعين اليهود فقط يدعمون هذا الرأي. علاوة على ذلك، تشعر كلتا المجموعتين بالتشاؤم العميق بشأن احتمالية تحقيق هذا الحل في المستقبل القريب، ولا تعتقدان أن بايدن يمكن أن يحقق تقدم في هذا الموضوع. كما أن الإسرائيليين أكثر تفاؤلاً بشأن قدرة الرئيس الأمريكي على النهوض بالعلاقات الإسرائيلية السعودية. ومع ذلك، يشير معظم المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم لا يثقون بأن الإدارة الأمريكية تأخذ مصالح إسرائيل في الاعتبار على المستوى الثنائي – وهي نسبة ترتفع إلى 75 في المائة فيما يتعلق بقضايا إيران على وجه التحديد. باختصار، سيتم استقبال بايدن بأدب، لكن لدى الإسرائيليين توقعات منخفضة لزيارته ويشعرون بأنها ستكون رمزية إلى حد كبير.
دينيس روس
على الرغم من أن هدف بايدن من هذه الرحلة يتماشى مع المصالح الأمريكية التقليدية، والتي تتمثل بتعزيز الاستقرار والسلام في منطقة تتميز بالصراع، إلّا أن الزيارة نفسها تمثّل تحوّلاً مذهلاً في أولويات سياسته الخارجية. وفي البداية، ركّزت الإدارة الأمريكية على المنافسة مع الصين، لكن غزو روسيا لأوكرانيا أثّر على نهجها العام. وإحدى النتائج الملحوظة هي أنه قد تم ترقية الشرق الأوسط في الإستراتيجية الجيوسياسية الجديدة للبيت الأبيض لدعم النظام الدولي القائم على القواعد.
وتشكل قضايا الطاقة والأمن والتطبيع أهم أهداف الرئيس الأمريكي في هذه الزيارة. وأدّى فرض عقوبات على النفط الروسي إلى ارتفاع أسعار الغاز في الدول الغربية، مما أجبر بايدن وقادة آخرين على البحث عن بدائل. وتُعتبر السعودية والإمارات أساس هذا المسعى، مما دفع إدارة بايدن إلى السعي إلى التقارب مع دول الخليج. وفي النهاية، سيكون التعاون مع هذه البلدان ضرورياً لتسهيل الانتقال المستقر من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء، والتي تشمل البحوث المشتركة حول الهيدروجين الأخضر وتعادل الانبعاث الكربوني.
ومن الناحية الأمنية، يؤكد الرئيس بايدن حالياً على الجهود المبذولة لدمج أنظمة الإنذار المبكر في المنطقة والدفاعات الجوية/الصاروخية. ولا تمثل هذه السياسة خروجاً من الشرق الأوسط، بل أساساً أسلم للحفاظ على الوجود الأمريكي وتقاسم العبء تحت مظلة “القيادة المركزية الأمريكية”. وسيتطلب ذلك قيام الحلفاء في الشرق الأوسط بالعمل بشكل وثيق مع بعضهم البعض ومع الولايات المتحدة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وفيما يتعلق بإيران، لن يقوم الرئيس بايدن بتضييق هوة الخلافات مع الحلفاء حول «خطة العمل الشاملة المشتركة» في هذه الزيارة. ومع ذلك، ستكون هناك مناقشات مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية حول كيفية الرد على برنامج إيران النووي المتقدم.
وحول قضايا السلام، يمكن توقع قيام الرئيس الأمريكي بالتأكيد على علاقاته العميقة مع إسرائيل – بينما يعيد في الوقت نفسه تأكيد دعمه لحل الدولتين وتكرار الدعوات الأمريكية لتقديم مساعدة عملية ومادية للفلسطينيين. وقد يؤدي ذلك إلى إجراء مناقشات في السعودية حول الاستثمار في البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية، والتي سيكون لها فائدتان تتمثلان في تلبية الحاجة الفلسطينية الماسة وتحفيز التنسيق الإسرائيلي السعودي المباشر.
وفي الواقع، يمكن أن تصبح الزيارة لحظة فاصلة إذا وَضعت العلاقات الإسرائيلية السعودية على مسار التطبيع. ومن المحتمل أن يكون هذا المسار تدريجياً – فلن تنضم المملكة إلى “اتفاقيات إبراهيم” في أي وقت قريب، لكنها مستعدة على الأرجح لاتخاذ خطوات أولية مثل منح حقوق التحليق الجوي لشركة الطيران الإسرائيلية “إل عال”، والسماح برحلات جوية مباشرة للحجاج الإسرائيليين الذين يؤدون فريضة الحج.
أما بالنسبة لاجتماعات بايدن مع السياسيين الإسرائيليين، فسيحاول بلا شك تجنب تفضيلهم خلال موسم الانتخابات. وعلى هذا النحو، سيلتقي برئيس الوزراء، ورئيس الوزراء البديل، ووزير الدفاع، والرئيس الإسرائيلي، وزعيم المعارضة – على الرغم من أنه سيقضي بالضرورة معظم الوقت مع لبيد، مما قد يجذب رئيس الوزراء الجديد مزيداً من الاهتمام والمكانة. وأكثر من أي موضوع آخر، سيؤكد بايدن على ما يأتي به بشكل طبيعي، وهو: التزامه العميق والعاطفي بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ابتسام الكتبي
تُرحب دول الخليج بهذه الزيارة باعتبارها لحظة تاريخية يجب استغلالها لإقامة علاقة أقوى مع الولايات المتحدة. فقد ولّدت “اتفاقيات إبراهيم” تعاوناً غير مسبوق بين العرب وإسرائيل، ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين يركزون على تطوير هذه الشراكة الإقليمية. وستعمل الزيارة أيضاً على ترسيخ استراتيجية الولايات المتحدة بشأن تقاسم الأعباء – على وجه الخصوص، هناك فرصة لتقوية الإطار متعدد الأطراف الذي أسفرت عنه “قمة النقب” وتشجيع البلدان على تجاوز احتياجاتها الاقتصادية والأمنية الفورية. وكانت “قمة النقب” الأولى في آذار/مارس نقطة فاصلة في التعاون الإقليمي، وينبغي استمرار مجموعات العمل التي تم تشكيلها وتعزيزها.
وعلى الرغم من الوعد الكبير بزيادة التعاون العربي الإسرائيلي، إلا أنه من الضروري عدم إغفال القضايا المهمة الأخرى. فعلى الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني، يُعد تخفيف التوتر والتصعيد مع دمج الفلسطينيين في التعاون الإقليمي من المتطلبات الأساسية لقيام سلام دائم. وفي قضايا أخرى، لا تزال المخاوف قائمة بشأن سلوك إيران الإقليمي وأنشطة الصواريخ/الطائرات المسيّرة والبرنامج النووي. ويأمل قادة الخليج في أن تؤدي زيارة بايدن إلى تعزيز أمن دول «مجلس التعاون الخليجي» وتوسيع العلاقات الأمريكية مع الدول الأعضاء في «المجلس». ومن شأن اتخاذ نهج جديد للتعاون الإقليمي – يجمع بين الردع وخفض التصعيد مع الحلول الاقتصادية – أن يعزز الأمن والمشاركة الأعمق بين الدول العربية وإسرائيل وتركيا.
وفي النهاية، فإن أهم المعايير لنجاح رحلة بايدن ذات شقين: مقاربة أمريكية قوية لاحتواء إيران، وتوضيح السياسة الأمريكية تجاه الصين وروسيا. وبالنسبة للمعيار الثاني، تريد دول الخليج أن تأخذ واشنطن مصالحها في الاعتبار فيما يتعلق بالتوازن الاستراتيجي وأن تقدّم تأكيدات بشأن الالتزامات الأمنية الأمريكية للمنطقة. بعبارة أخرى، لا تريد هذه الدول أن تكون ساحة معركة بين القوى العظمى.
وتوجد لبنات أساسية لبناء السلام في الشرق الأوسط، لكن لا يزال هناك دور كبير للغاية يمكن للولايات المتحدة أن تلعبه في المنطقة. ويمكنها القيام بذلك من خلال إظهار التزامها الدائم والحساس تجاه حلفائها، أثناء زيارة بايدن وما بعدها.
روبرت ساتلوف
استناداً إلى زيارتي الأخيرة إلى السعودية، أعتقد أن العديد من تصريحات بايدن في الفترة التي سبقت رحلته كانت [مليئة] بالأخطاء – وعلى وجه التحديد قوله بأنه لن يجتمع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأنه سيقوم بالرحلة بناء على طلب إسرائيل. ومع ذلك، على الرغم من أن مثل هذه التصريحات أثارت تعليقات صارمة من قبل السعوديين، إلا أن الرياض لا تزال تريد زيارة ناجحة لإظهار قدرتها على عقد اجتماعات [مع الرئيس الأمريكي].
وعلى وجه الخصوص، يريد السعوديون إجابات على خمسة أسئلة. أولاً، هل سيواصل بايدن إرث أوباما فيما يتعلق بالسعودية، أم أنه سيتّبع السياسة الأمريكية التقليدية بكونها ضامنة للأمن السعودي ويحث على التعاون والتكامل الإقليمي؟ ثانياً، هل سيكون تركيز بايدن على المعاملات، أم سيسعى إلى إعادة ضبط استراتيجية مع السعودية؟ ثالثاً، هل سينظر بايدن إلى حقوق الإنسان من منظور مقتل جمال خاشقجي فقط، أم سيستخدم عدسة أوسع نطاقاً تشمل حقوق المرأة والحريات الشخصية والتسامح ومكافحة التطرف؟ رابعاً، هل سيضغط بايدن من أجل التطبيع مع إسرائيل بسرعة أم سيؤيد عملية تدريجية تدعمها علاقة أمريكية سعودية محسّنة؟ خامساً، هل يقوم بايدن بالزيارة كجزء من الانسحاب من الشرق الأوسط، أم أنه ينوي إعادة تأكيد أهمية المنطقة بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية؟ إذا تلقى السعوديون إجابات مشجعة، فسوف يردّون بالمثل، وإن لن يكن ذلك على الأرجح بزيادة ضخمة ومفاجئة في إنتاج النفط.
وعلى نطاق أوسع، أصبحت السياسة السعودية أقل ميلاً إلى المغامرة اليوم مما كانت عليه في الماضي، فولي العهد السعودي يريد أن يصبح زعيماً إقليمياً. والهدف هو إبراز بلاده كصانعة قرار إجماعي في الشرق الأوسط وليس صانعة تغيير. وفي الوقت الحالي، تتمثل أكبر التطورات في المملكة في التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الكاسحة، التي تحظى بشعبية كبيرة ولم تواجه سوى القليل من المعارضة. وهناك المزيد من الإصلاح في المستقبل، لكن التحوّلات الكبرى مثل رفع القيود على الكحول والصلاة والتطبيع مع إسرائيل ستحدث بشكل تدريجي. ومن مصلحة أمريكا تشجيع هذه الاتجاهات.
معهد واشنطن