وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن لأول مرة إلى المنطقة العربية منذ انتخابه لحضور «قمة جدة للأمن والتنمية» هو حدث كبير، لكن المهم والأكبر، بالنسبة للإدارة الأمريكية، كان الظفر بنتائج مهمة وكبيرة من الاجتماع الذي عقد السبت الماضي وحضرته دول الخليج العربي، إضافة إلى مصر والأردن والعراق، وذلك بعد زيارة بايدن الاستعراضية إلى إسرائيل، والتي نتج عنها ما سمي «إعلان القدس».
حفت بأجواء الزيارة الأولى إلى إسرائيل حماسة شديدة من قبل الرئيس الأمريكي تجاه الدولة العبرية، وحفلت بتعهدات بدعمها عسكريا، ومواجهة خطر المشروع النووي الإيراني، وبإقامة «هيكل إقليمي» يضم إسرائيل ودولا عربية، وخدمت الطرفين، سياسيا وعسكريا، أما الزيارة الثانية إلى السعودية، فسجلت «مصافحة» متفقا عليها بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنها أنتجت حصيلة متواضعة في الأهداف المتوخاة منها أمريكيا.
على طلب ضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق ردت الرياض بالقول إنها ستضخ 13 مليون برميل يوميا لكن هذه ستكون «النهاية القصوى» للزيادة، وعلى موضوع «الهيكل الإقليمي» قال وزير خارجيتها فيصل بن فرحان «إنه لا يوجد شيء اسمه ناتو عربي» بل أكد أيضا أن القمة لم تناقش «التحالف الدفاعي» مع إسرائيل ضد إيران، واقتصر إنجاز زيارة بايدن على قرار الرياض فتح مجالها الجوي أمام جميع الطائرات، لكن بن فرحان عقب على ذلك بالقول إن «هذا لا يعني علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولا يعني أي خطوات أخرى».
مقابل أجواء الصداقة الحارة التي دارت بين بايدن ومسؤولين في إسرائيل وأحاديثه عن «عودته إلى وطنه» و«أن تكون صهيونيا من دون أن تكون يهوديا» أكدت مصادر إعلامية عديدة حدوث حساسية في اللقاء بين بايدن وبن سلمان، بعد أن أثار الأول قضايا حقوق الإنسان في المملكة، ورد عليه ولي العهد السعودي بالحديث عن «أخطاء أمريكا».
كشف خفوت الحماس في القمة الأخيرة عن نفسه بتصريحات إنشائية تحدث فيها بايدن مثلا، عن أن «الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة بالشراكة معكم جميعا» وقد قابلتها تصريحات شبيهة مثل كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن «بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان».
هناك عوامل عديدة أدت إلى هذه النتائج المتواضعة أمريكيا، أهمها، بالتأكيد، هو التوتر الذي ساد العلاقات الأمريكية ـ السعودية منذ تقلد الرئيس الأمريكي لمنصبه، وهو توتر لا يمكن حصره فقط بقضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بل يتعلق أيضا بمجمل سياسات الحزب الديمقراطي المناهضة لسياسات الجمهوريين، والرئيس السابق دونالد ترامب.
لم تخفف زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة العربية، على ما ظهر، الاحتقان الكبير بين الطرفين، وخصوصا بعد «الغزل» الكبير الذي قدمه لإسرائيل، وتجاهله للقضية الفلسطينية، وكذلك تنكره لدماء الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وهي مواطنة أمريكية ـ فلسطينية اغتالها الجيش الإسرائيلي جهارا نهارا، بشكل أظهر نفاق الإدارة الأمريكية، حين تكون إسرائيل مسؤولة عن اغتيال أحد مواطنيها.
عامل آخر يجب احتسابه في المعادلة، وهو أن أي قرار هو محصلة ليس لإرادات المجتمعين فحسب، بل كذلك لردود أفعال أطراف أخرى، ومن ذلك، ربما، تحسب الرياض، والدول العربية عموما، وخصوصا منها المشاطئة لإيران، من ردود الفعل العنيفة التي يمكن لطهران أن تقوم بها، كما لا يمكن تجاهل علاقات الدول العربية المعنية بكل من روسيا والصين، وهي علاقات لا يمكن مناهضتها من دون احتساب لكامل النتائج.
الخلاصة المستفادة من هذه الوقائع هي أن قطار مشروع «الناتو» قد توقف في منتصف السكة، وأن ما كانت إسرائيل تأمله من تزعمها للعالم العربي عسكريا، أمر غير قابل للتحقق… في الوقت الراهن، على الأقل.
القدس العربي