لم يقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن مبادرات جريئة في شقي زيارته الشرق أوسطية، الشق الأول الإسرائيلي ـ الفلسطيني والشق الثاني قمة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن ـ ما يعقد فرص نجاحه في تحقيق أهداف زيارته للمنطقة.
لم يكن بايدن ليزور منطقة الشرق الأوسط لو لم نشهد خلال الأشهر الماضية التطورات التالية:
أولاً: تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا التي تقترب من انهاء شهرها الخامس دون أي حل في الأفق، وانصراف بايدن وإدارته ومستشاريه للتركيز على كيفية التصدي والتعامل مع تداعيات الحرب واحتواء روسيا ودعم أوكرانيا وعقد قمم لمجموعة الدول السبع وحلف الناتو وزيارة اليابان وكوريا الجنوبية قبل زيارته للشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.
ثانياً: التأثير السلبي لحرب روسيا على أمن الطاقة والأمن الغذائي والتضخم وارتفاع الأسعار على المستهلك والناخب الأمريكي.
ويلوح في الأفق شبح الركود الاقتصادي وسط تذمر واستياء شعبي يتمثل بتراجع شعبية الرئيس بايدن بعد عام ونصف في البيت الأبيض بتداعيات كارثية على مستقبل حزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وارتفاع فرص خسارة حزبه الديمقراطي أغلبيته الضئيلة في مجلسي النواب وربما حتى في مجلس الشيوخ. ما يعني حصاره في آخر عامين في السلطة من الجمهوريين والتسبب حتى بخسارته انتخابات التجديد لولاية ثانية في 2024.
ثالثاً: التحرك بشكل استراتيجي للتصدي ومنع ملء الصين وروسيا الفراغ في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط على توقيع اتفاقيات وتعاون أمني وعسكري بين دول المنطقة مثل إيران وبناء قواعد ومواقع عسكرية للصين وعدم اتخاذ دول المنطقة بما فيها الدول الخليجية وإسرائيل مواقف متطابقة مع الموقف الأمريكي والغربي تجاه روسيا المشاركة في العقوبات وبقاء الدول الخليجية خاصة على الحياد، وحتى الخشية من قدرة روسيا بتحالفها مع الصين التي زادت من واردات النفط الروسي تعطل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا في قطاع الطاقة.
تشكل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نقطة تحول مهمة لو استوعبت إدارته الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته إدارتا أوباما وترامب بالانكفاء والتراجع الاستراتيجي وتخفيض مكانة ودور منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. وقد تشكل الزيارة منطلقاً لتصحيح مسار بوصلة العلاقات بين الطرفين وخاصة المملكة العربية السعودية، لكن لم يحسن بايدن استغلال واستثمار الزيارة ولم يقدم مبادرات ويبني الثقة ويطئمن الحلفاء بعيداً عن الخطب والشعارات البالية ـ وتقديم مصالح إسرائيل.
لكن حصيلة إنجازات زيارة بايدن في القدس وبيت لحم وقمة الأمن والتنمية في السعودية، وتكرار وعود بايدن البالية بحل الدولتين، ودولة فلسطينية مستقلة ومترابطة لتحقيق رؤية بايدن بحل الدولتين وجرأة رئيس وزراء تصريف الأعمال لبيد ليحرض ضد إيران بعمل عسكري واصطفاف الديمقراطيات ضدها، وطالب بايدن بتحديد مهلة لإيران. ومع ذلك استمر بايدن بتقديم تنازلات مجانية لإسرائيل دون لجم تعدياتها ومطالبتها بوقف التنكيل بالفلسطينيين والاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية ووقف الاستيطان غير الشرعي.
تشكل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نقطة تحول مهمة لو استوعبت إدارته الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته إدارتا أوباما وترامب بالانكفاء والتراجع الاستراتيجي وتخفيض مكانة ودور منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي
بل روج بايدن لدمج إسرائيل أمنيا والدفع بالتطبيع، وأقنع السعودية بفتح مجالها الجوي للطيران الإسرائيلي وسط ابتهاج واحتفال إسرائيل بالحصول على كل ما تريد «بإعلان القدس» والفلسطينيين على الفتات كما علقت في قناة الجزيرة قبل أيام. لكن البيان الختامي لقمة جدة نفى أن يكون هناك تنسيق عسكري خليجي ـ إسرائيلي ولم تُناقش ولا وجود لما يُعرف بـ«ناتو عربي» كما تروج إسرائيل!
وبالتالي لم تنجح إسرائيل بكسر عزلتها مع الدولة المحورية في المنطقة، حيث رفض معظم القادة الخليجيين والعرب في قمة دول مجلس التعاون مع مصر والأردن والعراق بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية أمام بايدن يفرمل أي فرصة للتطبيع واندماج إسرائيل.
تلك التطورات لا تبشر بأن الزيارة تحقق أهدافها بتحويل المنطقة لأكثر استقراراً واندماجاً وأمناً كما يأمل ويبرر بايدن سعيه لتحقيقه في زيارته.
بالنظر لنتائج زيارة الرئيس بايدن للسعودية وقمة الأمن والتنمية والاجتماع مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولاحقاً القمة الخليجية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي مصر والأردن والعراق ـ ووعد بعدم الانسحاب من المنطقة وشراكة فعالة…
وهكذا نلاحظ غياب الإنجازات الاستراتيجية والتركيز على إنجازات محدودة كوضع ضمادات على الجرح بدلاً من علاج شامل. كما كان ملفتاً تركيز الإعلام الأمريكي وحتى المقرب من الحزب الديمقراطي، على إظهار التناقض في موقف بايدن من تهديد السعودية بالعقاب والعزل بعد مقتل جمال خاشقجي، ليجتمع مع الأمير محمد بن سلمان. وذلك برغم أهمية المباحثات والقضايا المهمة التي تم بحثها من أمن الطاقة وتمديد الهدنة في اليمن وضمان حرية الملاحة لإسرائيل في جزيرتي تيران وصنافير واستمرار للتطبيع بعد فتح أجواء السعودية لجميع شركات الطيران، والتعاون في مجال الطاقة النظيفة وشبكة الاتصالات 5G، وملف إيران النووي وأنشطتها وأذرعها المزعزعة للأمن.
في المجمل تشكل زيارة الرئيس بايدن انتصارا للسعودية وللواقعية السياسية أملتها المتغيرات الجيوبوليتيكية لخدمة مصالح الدول.
بعيداً عن المناكفات والمثاليات التي لا مكان لها في العلاقات الدولية.
منذ البداية كانت الزيارة مثيرة للجدل في أهدافها وتوقيتها. كان الرئيس بايدن متردداً بالقيام بالزيارة، لكن أمن الطاقة واحتواء تمدد الصين وروسيا وإيران، وتغليب الواقعية السياسية دفعت بايدن للتراجع والقيام بالزيارة. وقد حدد بايدن ستة أهداف للزيارة:
1 ـ دمج إسرائيل وتوسيع رقعة التطبيع
2 ـ طمأنة وبناء الثقة مع الحلفاء الخليجيين وتصحيح بوصلة العلاقات مع السعودية
3 ـ تقديم ضمانات وتنسيق وتعاون عسكري وأمني واستخباراتي
4 ـ زيادة انتاج النفط
5 ـ احتواء تمدد روسيا والصين
6 ـ الاصطفاف ضد إيران
7 ـ توظيف الإنجازات في حملة حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2022.
لكن الرئيس بايدن حقق نجاحا جزئيا وإخفاقات أكثر من النجاح في تحقيق من أهداف زيارته.
لكن يبقى التحدي الحقيقي هل نجح بايدن في بناء الثقة وطمأنة الحلفاء وتحقيق اختراقات في أزمات المنطقة في زيارة الأيام الأربعة في في إسرائيل والسلطة الفلسطينية والحلفاء الخليجيين والعرب، وفي تصحيح بوصلة العلاقة المتوجسة من الانكفاء والتراجع الأمريكي وتخفيض مكانة ودور الحلفاء الموثوقين في منطقة الخليج وفي اقناع الدول الخليجية بعدم الانفتاح أكثر على الصين وروسيا، والتعامل الجدي بالتزام واقعي للتعامل مع هواجس الحلفاء لتحقيق معادلة ربحية للطرفين، للانتقال بالعلاقة لمستوى الشراكة الاستراتيجية، ومتى نشهد مبادرات ومواقف داعمة تعزز ثقتنا بالحليف المتردد! نفصل ذلك.. وحصاد زيارة بايدن للمنطقة في المقال القادم..
القدس العربي