عقب النجاح العالمي الكبير الذي حققته المسيرات الجوية التركية، تقود الصناعات الدفاعية التركية برنامجاً طموحاً لتطوير مركبات بحرية مسيرة تقول إنها تضعها بين دول قليلة حول العالم تعمل على برامج مشابهة، وأنها حققت نجاحاً كبيراً سيمكنها من تحقيق نقلة نوعية كبيرة في قوتها العسكرية البحرية، وسيضعها في تصنيف متقدم بين القوى الإقليمية والدولية إلى جانب التفوق في الصراع المستمر مع اليونان في بحريْ إيجه والأبيض المتوسط.
ولأول مرة، كشفت رئاسة الصناعات الدفاعية التركية عن أن برنامج المسيرات البحرية التركية يشمل 5 مركبات مختلفة تتمتع كل منها بمميزات وخصائص عسكرية وتقنية مختلفة، حيث جرى الكشف عن أسماء المركبات الخمس وهي: أولاق، سانجار، سالفو، ألباتروس، مير.
وبحسب المشاهد التي نشرتها رئاسة الصناعات الدفاعية، تظهر خمس مركبات مختلفة الأحجام والقدرات العسكرية منها كبيرة الحجم والمتوسطة وصغيرة الحجم، وجميعها جاهزة في نسخها النهائية أو شبه النهائية، وقد جرى تركيب أسلحة مختلفة عليها من رشاشات وصواريخ وأنظمة مراقبة، وهو ما يشير إلى أن المشروع وصل إلى مرحلة متقدمة ربما تسبق الإعلان عن بدء الإنتاج المتسلسل لهذه المركبات.
والمسيرات البحرية هي سفن عسكرية بأحجام مختلفة يجري التحكم بها عن بعد بشكل كامل من حيث القيادة والتحكم بكافة أنظمة المراقبة والدفاع والهجوم، من غرفة تحكم تكون إما على اليابسة أو في سفن عسكرية أكبر في البحر، وتتيح مساحة أكبر من المناورة دون المخاطرة بحياة الطواقم التي تعتبر إجبارية في السفن العسكرية التقليدية، ولدى عدد قليل من الدول في العالم مشاريع تتعلق بتطوير سفن عسكرية مسيرة.
ويعتبر زورق “سيدا” أحد أهم المسيرات البحرية الخمس التي جرى الكشف عنها، والذي أُعلن في وقت سابق بدء الإنتاج المتسلسل منه، بعدما نجح في اجتياز كافة الاختبارات وأهمها اختبار إطلاق الصواريخ، حيث تصنف “سيدا” على أنها مركبة بحرية مسيرة مضادة للغواصات.
وفي تصريح له، أشار المدير العام للشركة المصنعة، أوتكو ألانج، إلى نجاح اختبارات إطلاق الصواريخ الموجه بالليزر من زورق “سيدا” أول نموذج لزوارق مسيرة عن بعد ضمن سلسلة “أولاق” المطورة بالتعاون مع شركة “ميتيكسان” للصناعات الدفاعية، لافتاً إلى أن الشركة بصدد “تطوير مفاهيم جديدة في المركبات البحرية غير المأهولة”، مشيراً إلى أن شركته تقوم بتطوير مركبات مسيرة في مجالين مختلفين ضمن مفهوم الحرب ضد الغواصات.
وأضاف قائلا: “نرى في الآونة الأخيرة، أن الغواصات الصغيرة أو الغواصين الذين يدخلون الموانئ والقواعد الحيوية لأغراض التخريب يشكلون تهديدا، لذا قمنا بتصميم مركبات حربية حساسة لهذه الغاية مضادة للغواصات”، مشيراً إلى أن شركته ستبدأ تصدير هذه المركبات إلى الخارج “عقب تلبية الاحتياجات المحلية”.
ويتميز “سيدا” بقدرته على الإبحار لمسافة 400 كيلو متر، وبسرعة 65 كيلو مترا في الساعة، والرؤية الليلية والنهارية، ومزود بنظام اتصالات مشفرة محلية، ويمكن أن يتولى مهام الاستطلاع والمراقبة والاستخبارات والاشتباك، والحرب غير المتكافئة ومرافقة وحماية السفن الكبيرة وأمن المنشآت الاستراتيجية، ومزود بـ4 صواريخ “جيريت” الموجهة من إنتاج شركة روكيتسان، وصاروخين موجهين مضادين للدروع.
كما أعلن سابقاً عن بدء الإنتاج التسلسلي للمركبة البحرية المسيرة “أولاق“، وهي نسخة أخرى تتمتع بقدرات على إطلاق صواريخ مختلفة من تطوير شركة روكيتسان، في حين جرى الإعلان عن تسليم المركبات الخفيفة والمتوسطة من نسخة “إيكا” والبدء بمشروع إنتاج المركبة الثقيلة من هذا الطراز.
وعلى الرغم من أن شركات مختلفة تقوم بتطوير خمس نسخ مختلفة من المسيرات البحرية، وبعضها يتفرع إلى أكثر من طراز، إلا أن كافة المشاريع تتقدم بالتنسيق مع رئاسة الصناعات الدفاعية التي تشرف بدوها على تنسيقها في إطار ما اصطلح عليه “سرب المركبات البحرية” حيث جرى عرضها جميعاً وهي تسير في سرب بحري واسع، وصفه محللون عسكريون بأنه مشهد يرسم شكل الحرب البحرية المستقبلية.
وتطمح تركيا لتحقيق نجاح عالمي في مجال صناعة المسيرات البحرية على غرار النجاح الذي حققته في صناعة المسيرات الجوية التي ذاع صيتها حول العالم عقب مشاركتها في حسم العديد من المعارك، وتغيير مسار أخرى من سوريا والعراق مروراً بليبيا وقره باغ وصولاً إلى أوكرانيا، وهو ما أوصل مسيرات بيرقدار وأقنجي وأق سونغور وغيرها إلى العالمية، وساهم في بيعها لعدد كبير من الدول وتحقيق عائدات مالية كبيرة، إلى جانب زيادة النفوذ العسكري والسياسي لتركيا، وهو ما تطمح أنقرة أن يتكرر مع المسيرات البحرية أيضاً.
من جانب آخر، يعتبر مشروع المسيرات البحرية برنامجا فرعيا في إطار برنامج أوسع وأكبر يتعلق بتطوير القدرات البحرية التركية ورفع كفاءة وقوة وتصنيف البحرية التركية، حيث تقود الصناعات الدفاعية برنامجا ضخما يشمل بناء سفن حربية مختلفة الأحجام والقدرات العسكرية، وصولاً لأول حاملة طائرات تركية “أناضولو” والتي يتوقع أن تدخل الخدمة العام المقبل، لتعتبر أول حاملة طائرات تقلع منها المسيرات التركية.
القدس العربي