القاهرة- شهدت مصر إطلاق شارة البدء لإنشاء أول مفاعل نووي بمحطة الضبعة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وذلك من بين 4 مفاعلات من المقرر أن تنشئها شركة “روساتوم” (Rosatom) بعد 5 سنوات من توقيع الاتفاق بين الجانبين.
ويعد هذا ثاني أكبر مشروع بين مصر وروسيا بعد مشروع سد أسوان العالي على نهر النيل (جنوبي البلاد) الذي افتتح رسميا عام 1971 بعد 11 عاما من البناء، وشكل نقلة نوعية في التنمية بالبلاد خاصة في قطاع الزراعة.
وأفاد بيان هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (المالك والمشغل للمشروع)، عقب الفعالية الرسمية التي أقامتها مصر بحضور عدد من المسؤولين المصريين والروس، بأنه “تم البدء بمرحلة الإنشاءات الرئيسية وبدء الصبة الخرسانية الأولى للوحدة الأولى بالمحطة النووية بالضبعة”.
ووصف وزير الكهرباء المصري محمد شاكر البدء في أعمال الإنشاءات الخرسانية “بالمناسبة التاريخية لمصر”، مشيرا إلى أن هذه الخطوة -التي تأخرت نحو 5 سنوات- جاءت بعد “التغلب على مختلف التحديات التي واجهت المشروع”.
بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن تنفيذ مشروع محطة الطاقة النووية بالضبعة يسير بشكل ممتاز، لافتا إلى أنه تم صب الخرسانة الأولى لأول وحدة نووية في الضبعة منذ فترة قريبة، وفقا لتصريحات نقلتها الصحف المحلية أول أمس الأحد خلال زيارة لافروف للقاهرة.
حلم قديم
ظل حلم امتلاك طاقة نووية يراود المصريين منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ولكنه تعرض للكثير من العراقيل لأسباب سياسية وإقليمية وأخرى اقتصادية، فضلا عن سلسلة الحروب التي خاضتها مصر في مواجهة إسرائيل.
ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، بحثت مصر بناء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة، لكن المشروع جمد بعد كارثة تشرنوبل في أوكرانيا عام 1986.
تأخر 5 سنوات
وكانت العقود الموقعة بين البلدين دخلت حيز التنفيذ عام 2017، ويلتزم الجانب الروسي ببناء المحطة وتزويدها بالوقود النووي، إضافة إلى التدريب والدعم والعمل على تقديم الخدمات للمحطة على مدار الـ10 سنوات الأولى من تشغيلها، وبناء مرفق لتخزين الوقود النووي المستهلك.
وأعلنت الرئاسة المصرية حينها أنه من المتوقع دخول الوحدة الأولى بقدرة 1200 ميغاوات الخدمة عام 2024، لكن بعد التأخير الذي امتد لسنوات من المقرر مد مرحلة بدء التشغيل إلى عام 2028 على أقل تقدير.
ووصف علي عبد النبي -نائب رئيس هيئة المحطات النووية المصرية السابق- المشروع بأنه “بمثابة إحياء الحلم النووي المصري”.
وأكد المسؤول السابق -في تصريحات للجزيرة نت- “أهمية المشروع الذي انتقل من مرحلة التحضير إلى مرحلة التنفيذ، حيث تعد الطاقة النووية ثاني أكبر مصادر الكهرباء منخفضة الكربون في العالم، وتشكل 10% من إجمالي كهرباء العالم”.
ظروف صعبة
إلا أن تلك الخطوة التاريخية تأتي في ظروف صعبة تمر بها روسيا ومصر؛ إذ تعاني الأولى من عقوبات غربية واسعة بسبب حربها في أوكرانيا، في حين تمر الثانية بأزمة اقتصادية وصفتها تقارير دولية “بالصعبة والحرجة” نتيجة تفاقم الديون الخارجية ونقص الموارد بالعملة الأجنبية، مما أثار تكهنات باحتمال حدوث تأخير آخر.
كما تأتي في وقت حققت فيه مصر فائضا مريحا في الكهرباء بعد العمل على مسارين منذ عام 2014؛ أولهما رفع الدعم عن الطاقة بشكل تدريجي حتى وصل الدعم إلى صفر في موازنة عام 2019-2020، وثانيهما ضخ مليارات الدولارات في إنشاء محطات طاقة جديدة.
وفسر عبد النبي تلك الخطوة رغم الفائض في الطاقة الكهربائية بأنها “حاجة ملحة يفرضها التخطيط للمستقبل من أجل الأجيال المقبلة، في ظل تزايد عدد السكان من ناحية، والحاجة إلى الطاقة مع التوسع في مشروعات التنمية”.
وبشأن ما يثار عن إمكانية تأخر إنجاز المشروع، خاصة أنه كان من المفترض دخول أول مفاعل نووي الخدمة بعد عامين من الآن وتأجل إلى عام 2028، أوضح أن أي مشروعات ضخمة بهذا الحجم تحتاج إلى سنوات من أجل التحضير لها، ولا يغيب عن بالنا مرور العالم بأزمة كورونا وأزمة اقتصادية، ومرور روسيا بأوقات صعبة بسبب حربها في أوكرانيا، وهو ما قد يؤخر المشروع قليلا.
فائض كهرباء ومشروعات ضخمة
أفاد تقرير لمجلس الوزراء، في وقت سابق، بأن العجز في الكهرباء تحول إلى فائض يسمح بالتصدير بفضل المشروعات الكبرى، لافتا إلى وصول قيمة الاستثمارات في مجال إنتاج الكهرباء إلى 355 مليار جنيه منذ 2014 حتى نهاية 2021، (كان سعر الدولار حينها يتراوح بين 8 جنيهات و15.6 جنيها).
وأظهر التقرير أنه تمت إضافة نحو 30 ألف ميغاوات قدرات كهربائية بعد الانتهاء من تنفيذ 31 محطة إنتاج طاقة كهربائية ومجمع بنبان للطاقة الشمسية، ليصل فائض الكهرباء يونيو/حزيران 2020 إلى 13 ألف ميغاوات، بعد عجز وصل إلى 6 آلاف ميغاوات في يونيو/ حزيران 2014.
على رأس تلك المشروعات، يأتي تنفيذ شركة “سيمنز” (Siemens) الألمانية 3 محطات كبرى (العاصمة الإدارية – بني سويف – البرلس)، وذلك بإجمالي استثمارات بلغ 6 مليارات يورو، وإجمالي قدرات يبلغ 14.4 ألف ميغاوات، بينما تم تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية بتكلفة بلغت أكثر من 2 مليار دولار، وإجمالي قدرات يبلغ 1465 ميغاوات.
كما تم تنفيذ 3 محطات لإنتاج الكهرباء في جبل الزيت بإجمالي تكلفة بلغ 580 مليون يورو، وإجمالي قدرات يبلغ 580 ميغاوات، فضلا عن تحويل 5 محطات توليد كهرباء تعمل بالدورة البسيطة لتعمل بنظام الدورة المركبة، وذلك بإجمالي استثمارات بلغ 27 مليار جنيه، وقدرات مضافة تبلغ 1840 ميغاوات (الدولار يعادل 18.95 جنيها).
التحول لمركز للطاقة
ورأى عبد النبي -المتخصص في الطاقة النووية- أن تمتع مصر بتوليد الكهرباء من المفاعلات النووية سوف يساعدها في التحول إلى مركز للطاقة عبر الربط الكهربائي مع دول الجوار، إلى جانب أنها طاقة أرخص وأنظف، كونها خالية من انبعاثات الكربون.
في ما يتعلق بمعايير الأمان، أكد وزير الكهرباء المصري أن المفاعل النووي يحقق أعلى متطلبات الأمن والأمان النوويين وخصائص السلامة العالمية التي تشملها تصاميم المفاعلات الحديثة من الجيل الثالث المطور، حيث توفر أنظمة الأمان للمفاعلات الروسية “في في إي آر- 1200” (VVER-1200) مستوى غير مسبوق من الحماية ضد العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية، وقدرتها على مواجهة موجات تسونامي.
وتصف الصحف المحلية المشروع بأنه “يأتي في إطار الخطة التنموية الطموح لقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة في البلاد، التي تسعى لتنويع مزيج الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء، حتى توفر الاحتياجات المتزايدة للمواطنين والمشروعات القومية المختلفة”.
وتسعى مصر -حسب بيان لمجلس الوزراء- إلى أن تكون مركزا محوريا للطاقة عبر مشروعات الربط الكهربائي مع الدول العربية والإفريقية والأوروبية، مستفيدة من موقعها الجغرافي والميزات والمقومات التنافسية التي تتمتع بها، والاحتياطي اليومي بالشبكة القومية للكهرباء، وزيادة الإنتاج من الطاقة المتجددة، فضلا عن اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، بما يعزز النمو الاقتصادي ويرسخ علاقات مصر الدولية.
المصدر : الجزيرة