الغرب الذي أعادته الحرب الروسية إلى سياسة القوة مصاب في التعامل مع إيران بمرض لا شفاء منه: إدمان الضعف وتصنع السذاجة. يقول له رفاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طهران جعلت الوكالة “عمياء” حول تطورات مشروعها النووي، ويعلن كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي ورئيس المجلس الاستراتيجي للسياسة الخارجية كمال خرازي أن “طهران قادرة فنياً على صنع قنبلة نووية، لكنها لم تتخذ قراراً بعد لتنفيذ ذلك”، ويؤكد الخبير الاستراتيجي محمد جواد لاريجاني أنه “إذا قررت إيران صنع سلاح نووي فلا أحد يستطيع وقفها”، ويفاخر قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي بأن بلاده ستكون في المستقبل القريب بين “القوى العالمية”.
لكن واشنطن وباريس ولندن وبرلين لا تزال تراهن على إحياء الاتفاق النووي لمنع إيران من صنع القنبلة، ولا تزال تأخذ بكلام الملالي على “فتوى” من خامنئي تحرم حيازة سلاح نووي. وهي “فتوى” تحدث عنها الرئيس السابق حسن روحاني اقتباساً من خطاب للمرشد الأعلى، لا من نص فتوى، فضلاً عن أن أية فتوى تنسخها فتوى أخرى. فالقنبلة أمر واقع، وأوهام الحيلولة دونها عبر تلبية ما تطلبه طهران ينطبق عليها المثل الروسي القائل: “فات الوقت على تمني الصحة الجيدة لشخص وأنت تسير في جنازته”.
لا بل إن عواصم الغرب وبعض العواصم بالشرق الأوسط مستمرة في الرهان على “اعتدال” إيران، ومطالبتها بـ”تغيير السلوك والحد من النفوذ الإقليمي والتخلي عن البرنامج الصاروخي الباليستي”.
وهذه مهمة مستحيلة حتى في أية صفقة معروضة على طهران، فالعداء لأميركا من “أسس الثورة الإسلامية” حسب الإمام الخميني، و”نشر الثورة” في المنطقة هو مهمة الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري بالذات حسب دستور الخميني. وقوة إيران ليست فقط بالأسلحة والحرس الثوري والجيش، بل أيضاً بالنفوذ في المنطقة. وما يسميه الغرب والعرب “السلوك المزعزع للاستقرار بالمنطقة” هو أعلى المراحل في صنع السياسة الإيرانية، فماذا تفعل جمهورية الملالي إذا تخلت عن دورها في العمل بكل الوسائل لإخراج القوات الأميركية من “غرب آسيا” وعن نفوذها الإقليمي؟ وكيف تغير سلوكها المزعزع للاستقرار من دون أن تخسر دورها؟ وكيف ترمي ورقة فلسطين والعداء لإسرائيل من يدها وهي الورقة الثمينة التي أدخلت دولة شيعية فارسية إلى قلب العالم العربي السني؟
يقول الخبير الأميركي من أصل إيراني كريم سادجادبور في مقال نشرته “فورين أفيرز” إن مشكلة إيران اليوم هي أن “عليها أن تنفتح بحذر، لكن الانفتاح يمكن أن يدمرها”. وهي في رأيه تحاول “إقامة إمبريالية عبر إنشاء ميليشيات تحت عنوان مقاومة الإمبريالية”، لكنه يتحدث عن “نصر إيران الفارغ، والثمن الكبير للهيمنة الإقليمية”.
ويروي ما قاله نوري المالكي حين كان رئيساً للوزراء في العراق لسفير أميركي: “أنت لا تعرف كيف يمكن أن يكون الأمر سيئاً إلى أن تكون عربياً مضطراً للعيش مع الفرس”. ويعتقد “أن قوة إيران التي تبدو صاعدة في المنطقة ستبرهن على أنها سريعة النزول”، لماذا؟ لأن “استراتيجية إيران العظمى ستهزم، لا بواسطة أميركا وإسرائيل، بل بواسطة الشعب الإيراني الذي دفع الثمن الكبير من أجلها”.
المفارقة أن خامنئي الذي يتصور أن إيران تقود العالم في مواجهة أميركا، ولها “اليد العليا في المنطقة”، لا يملك حلاً لأخطر أزمة اقتصادية واجتماعية في الداخل، ولا يجد علاجاً سوى قمع المتظاهرين على الرغم من الاعتراف بأنهم “أصحاب حق”. والمفارقة الأكبر أن الغرب الذي يواجه روسيا في أوكرانيا يبدو خائفاً من مواجهة إيران بالقوة وعاجزاً عن المواجهة حتى بالدبلوماسية.
اندبندت عربي