اقتحم، أنصار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الأربعاء، مبنى البرلمان العراقي، مندّدين بترشيح “الإطار التنسيقي” الشيعي، النائب محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة. قبل أن ينسحبوا لاحقا بعد تغريدة لزعيمهم خاطبهم فيها بالقول إن “رسالتكم وصلت”.
وتطورت الأحداث بشكل دراماتيكي فبعد تجمّع المحتجين الصدريين في ساحة التحرير- ميدان الاحتجاج الأبرز في العراق- مندّدين بترشيح السوداني، توجهوا إلى “المنطقة الخضراء” على الضفة الأخرى من نهر دجلة، مروراً بجسر الجمهورية، قبل أن يتجمّعوا عند “بوابة التشريع” المجاورة لمبنى وزارة التخطيط الاتحادية.
وهناك تجمّعت قوات الأمن العراقية لمنع المتظاهرين – يحملون الأعلام العراقية وصور الصدر ووالده – من اقتحام المنطقة الدولية، قبل أن تستخدم خراطيم الماء، في محاولة لإعاقة تقدّم المحتجين.
وبدخول أتباع الصدر إلى المنطقة الخضراء، مردّدين شعارات تندّد بالسوداني والاطار التنسيقي، توجهوا صوب مبنى مجلس النواب (البرلمان)، قبل أن يقتحموه.
ودخل المحتجون إلى مبنى مجلس النواب، في مشهد يعيد للأذهان الأحداث ذاتها في نيسان/ أبريل 2016، احتجاجاً على فشل نواب البرلمان “حينها” في إقرار التعديلات الوزارية.
ودعا رئيس الوزراء العراقي، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، المحتجين إلى مغادرة “الخضراء” وعدم المساس بالمؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية.
بيان لمكتب الكاظمي قال: “يدعو القائد العام للقوات المسلحة أبناءه المتظاهرين إلى الالتزام بسلميتهم، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وبتعليمات القوات الأمنية المسؤولة عن حمايتهم حسب الضوابط والقوانين، والانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء”.
ووفقاً للبيان، فإن القوات الأمنية ستكون “ملتزمة بحماية مؤسسات الدولة، والبعثات الدولية، ومنع أي إخلال بالأمن والنظام”.
“أقوى من الطغاة”
وحذّر مسؤول “سرايا السلام”، الجناح المسلّح للتيار الصدري، تحسين الحميداوي، من “المساس” بالمحتجين.
وقال في “تدوينة” له إن “الجماهير أقوى من الطغاة مهما تفرعنوا”، مضيفاً: “أياكم والمساس بالمتظاهرين”.
في حين ذكر، “وزير الصدر” صالح محمد العراقي، في “تدوينة” له، “أقف اجلالا واحتراما، فإنها رسالة عفوية إصلاحية شعبية رائعة. شكرا لكم والقوم يتآمرون عليكم. وسلامتكم أهم من كل شيء، فاذا شئتم الانسحاب فاني سأحترم هذا القرار”.
عقب ذلك، نشر الصدر نفسه تغريدة قال فيها: “ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد. وصلت رسالتكم أيها الأحبة. فقد أرعبتم الفاسدين. صلوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين”. وعندها بدأ أنصار الصدر بالانسحاب من مبنى البرلمان.
وحمّل “الإطار التنسيقي” الشيعي، الحكومة العراقية، برئاسة الكاظمي، مسؤولية حفظ أمن وسلامة المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية، وفيما شكّك بإجراءات قوات الأمن المكلّفة بحماية “المنطقة الخضراء”، حذّر من الفوضى وإثارة الفتّنة.
وقال “الإطار” في بيان صحافي تعليقاً على حادثة اقتحام الصدريين “المنطقة الخضراء”، إنه “بعد أن أكملت قوى الإطار التنسيقي الخطوات العملية للبدء بتشكيل حكومة خدمة وطنية، واتفقت بالإجماع على ترشيح شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، رصدت ومنذ يوم أمس (الأول) تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي”.
مزيد من الوعي
وأشار إلى “ما جرى اليوم (الأربعاء) من أحداث متسارعة والسماح للمتظاهرين بدخول المنطقة الحكومية الخاصة واقتحام مجلس النواب والمؤسسات الدستورية، وعدم قيام القوات المعنية بواجبها يثير الشبهات بشكل كبير” محمّلاً “حكومة تصريف الأعمال المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة الدوائر الحكومية ومنتسبيها والبعثات الدبلوماسية والأملاك العامة والخاصة، ونطالبها باتخاذ إجراءات حازمة لحفظ الأمن والنظام ومنع الفوضى والممارسات غير القانونية”
ودعا في بيانه الشعب العراقي إلى “مزيد من الوعي والحذر من مكائد الأعداء، والتصدي لأي فتنة يكون الشعب وأبناؤه وقودا لنارها”.
وختم بالقول: “نحن معكم وبينكم، همنا حفظ أمن وسلامة أبناء شعبنا العزيز، ولن نخذلكم أبدا وندعوكم إلى اليقظة والانتباه وتفويت الفرصة والاستعداد لكل طارئ”.
“انتهاك سافر”
في الأثناء، عدّ رئيس ائتلاف “دولة القانون”، نوري المالكي، اقتحام البرلمان والمنطقة “الخضراء” أنها “انتهاك سافر”، داعياً الكاظمي الى تفادي “إراقة الدم”.
وقال في بيان إن “دخول المتظاهرين من أي جهة كانوا الى باحات مجلس النواب في المنطقة الخضراء والتجاوز على الحماية الأمنية للمنطقة يعد انتهاكا سافرا لحق التظاهر المشروع، وقد ينجر الواقع الى تقاطعات مع حمايات النواب والمسؤولين”.
وأضاف: “لذا على حكومة الأخ الكاظمي أن تنهض بمسؤولياتها الدستورية في حماية الوضع الأمني والاجتماعي وتفادي إراقة الدم بين العراقيين، وتعمد الى استخدام الوسائل المشروعة في ردع أي اعتداء على هيبة الدولة ومؤسساتها”.
ودعا المتظاهرين إلى “الانسحاب الفوري من المنطقة والالتزام بحق التظاهر القانوني وعدم الانجرار الى دعوات المواجهة مع القوات المكلفة بالحماية”.
ودعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مساء، المتظاهرين إلى الحفاظ على سلمية التظاهرات.
ودعا الحلبوسي في بيان صحافي “قوات حماية البرلمان بعدم التعرض للمتظاهرين أو المساس بهم، وعدم حمل السلاح داخل البرلمان، فضلا عن توجيه الأمانة العامة لمجلس النواب بالتواجد في المجلس والتواصل مع المتظاهرين”، كما دعا إلى “تواجد موظفي المركز الصحي للبرلمان للحالات الطارئة”.
من جهته حثّ نائب رئيس مجلس النواب، شاخوان عبد الله، المتظاهرين الحفاظ على سلمية التظاهر، موجّها قوات حماية المجلس إلى “عدم التعرض أو المساس” بالمتظاهرين.
ودعا عبد الله، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالف مع الصدر ضمن ائتلاف “انقاذ وطن”، في بيان صحافي، المتظاهرين الذين خرجوا من ساحة تحرير وتوجهوا إلى المنطقة الخضراء، إلى ضرورة “الحفاظ على سلمية التظاهر والمحافظة على مؤسسات الدولة”.
وأشار إلى أن “التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي بشكل حضاري حق مشروع كلفه الدستور”، موجّها قوات حماية مبنى مجلس النواب إلى “عدم التعرض أو المساس بالمتظاهرين لأنهم أبناء شعبنا في أي ظرف كان”.
وكان العشرات من أتباع الصدر، نظموا احتجاجات ليلية أمام مكتب السوداني، في منطقة الشعب شمالي العاصمة بغداد، معتبرين الأخير “مرفوضّ” من قبل الشعب والعشائر، وسط تبنّي الصدريين حمّلات “إلكترونية” للتحشيد والنزول إلى الشارع.
وتناقلت مواقع إخبارية ومنصّات التواصل الاجتماعي، لقطات فيديو وصوراً توضّح تجمع العشرات من أنصار الصدر أمام مكتب السوداني، وكتابة عبارة “مرفوض بأمر الشعب” على المبنى، مرددين شعارات ترفض توليه رئاسة الحكومة.
حمّلة تحشيد
وتزامن ذلك مع إطلاق شعارات ووسوم تحشّد للاحتجاجات والنزول إلى الشارع، وأخرى تتهم السوداني أنه “ظلّ المالكي”، لاقت رواجاً على منصّات التواصل الاجتماعي.
حملة التحشيد هذه جاءت عقب نشر “وزير الصدر”، صورة ساخرة لرجل من السودان يظهر وهو يصافح ظلّه، معلّقاً عليها أنه “سوداني يصافح ظلّه”، في إشارة إلى المرشح لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني (لقب عشيرة عراقية)، الذي يعدّه أتباع الصدر “ظلّاً” للمالكي.
وأثارت “التدوينة” امتعاض “عشيرة السوداني” التي طالبت الصدر بتوضيح.
إلى ذلك، دعا رئيس تيار “الحكمة” الوطني، عمار الحكيم، السوداني، إلى الاعتماد على شخصيات كفوءة بعيداً عن المحاصصة في الكابينة الحكومية، مشدداً على أهمية ”التوازن” في العلاقات الداخلية والخارجية.
ومن المتوقع أن يعقد مجلس النواب الاتحادية، جلسة خلال هذا الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل، للتصويت على منصب رئيس الجمهورية، وسط تعثّر المفاوضات الكردية ـ الكردية على المنصب الرئاسي.
وفيما يتمسك “الاتحاد” بالتجديد لبرهم صالح، يصرّ “الديمقراطي” مرشحه، ريبر أحمد (وزير داخلية إقليم كردستان العراق)، لمنصب رئيس الجمهورية.
وكشف هاوزين عمر، أحد مستشاري الرئيس العراقي برهم صالح، عن رفض “الاتحاد الوطني” مقترح غريمه “الديمقراطي” الكردستاني، بطرح مرشح الرئاسة على تصويت برلمان إقليم كردستان العراق، فيما أشار إلى إن “الديمقراطي” حرق جميع أوراقه في السباق الرئاسي.
وذكر عمر في “تدوينة” له، أن “الاتحاد الوطني الكردستاني رفض اقتراح الديمقراطي الكردستاني بطرح قرار الترشيح أمام برلمان كردستان”.
وأوضح، أن “الخيار الوحيد المتبقي للحزب الديمقراطي الكردستاني هو تصحيح هذا الخطأ واتخاذ قرار بشأن مصالحة عامة مع جميع القوات الكردية”، حسب قوله.
وعدّ ذلك “لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم تبق له خيارات، وأن جميع أوراق قوته احترقت في قضية رئاسة الجمهورية، وذلك بسبب الاستبداد والغرور وعدم الاحتساب للواقع”.
وبعد دخول أتباع الصدر إلى المنطقة الخضراء، توجهوا صوب مبنى مجلس النواب (البرلمان)، قبل أن يقتحموه.
صحيفة العرب